في غمرة الشروع في الإعداد للاستحقاقات الانتخابية المقررة هذا العام، تبرز الحاجة لاستعادة الزخم الشعبي والسياسي والإعلامي الذي واكب فترة مناقشة دستور 2011، والحملات التحسيسية، ومختلف التجمعات والحوارات التي أقيمت بخصوصه في مختلف مناطق المملكة. إن الانتخابات الجماعية والجهوية المرتقبة هي الأولى من نوعها في ظل تطلع مجتمعي عام لتطبيق مقتضيات الدستور ومنحه بعدا عمليا ملموسا على صعيد تدبير شؤون المواطنات والمواطنين، وهي تندرج ضمن الأفق الإصلاحي الذي أسس له دستور 2011، ومن ثم ضروري، اليوم، أن يضعها الجميع ضمن هذا السياق، ويحرص على إنجاحها لكي تنجح البلاد في إعطاء معنى لديناميتها الإصلاحية العامة التي دشنتها مع الدستور المذكور. الآن، قطع الإعداد القانوني والتنظيمي أشواطا مهمة، واقترب من اكتماله، وبالرغم من مواقف هذا الطرف أو ذاك، فالمسار شارف على النهاية، ولكن الورش القانوني يبقى فقط مدخلا من ضمن مداخل أخرى تقتضيها سلامة العمليات الانتخابية ونزاهتها... اليوم، بلادنا في حاجة إلى مناخ عام محفز على إنجاح هذا الموعد الديمقراطي الأساسي، ويبدأ ذلك بتأهيل الخطاب السياسي والحزبي الرائج بيننا، وتحسين السلوك الحزبي والعلاقات الحزبية، وتطوير مستوى النقاش السياسي الوطني بصفة عامة. المقصود بما سبق، أن البلاد في حاجة إلى تطوير ثقافة جديدة وسط الطبقة السياسية وداخل المجتمع ككل، وهي ثقافة تكون مرتكزة إلى قواعد جديدة، وإلى أخلاقيات عامة تقوم على "المعقول"، بالمعنى الدارج المتداول وسط المغاربة، وإلى الاقتناع الجماعي بكون زمن النهب والفساد وعشوائية تدبير قضايا جماعاتنا المحلية قد ولى، وأن دستور المملكة يفرض اليوم مقاربات مغايرة، وأساسا نخبا جديدة تمتلك الكفاءة والمصداقية والنزاهة ووضوح النظر للنهوض بالجماعات والجهات.... اليوم، لن يكون مقبولا أن تفرز الانتخابات القادمة نفس الوجوه والعقليات لتدبير مجالس الجماعات والمقاطعات والجهات، ومن ثم نحكم على بلادنا بالاستمرار في منغلقات الفوضى ذاتها، أي تكرار كل ما يعرفه المغاربة من فضائح بمناطق مختلفة في المملكة. مغرب المستقبل، بدستوره الجديد وديناميته الديمقراطية والتنموية المتفرد، وتطلعه المجتمعي العام إلى الأفضل، لن يتحقق ب "الشناقة" وسماسرة الانتخابات، وبعقليات الهيمنة والتحكم التي لا تفرخ سوى لوبيات الفساد والريع والنهب... مغرب المستقبل، يجب أن يقوم على ذوي الكفاءات والقدرة على التدبير، وعلى ذوي المصداقية السياسية والمعرفية، وعلى ذوي النزاهة الأخلاقية، وعلى من هم مستعدون لخدمة الناس يوميا، وحماية المال العام ومحاربة الفساد وتحقيق المنجز التنموي... ولإنجاح هذا التحدي، لابد من تعبئة مجتمعية عامة، أي استعادة الزخم الشعبي والسياسي، وتقوية ثقة شعبنا وشبابنا في القدرة على الانتصار على الفساد ولوبياته، وبالتالي انخراط كل الغيورين في معركة إنجاح الانتخابات المقبلة... الثقافة الجديدة، المشار إليها أعلاه، تعني أيضا كافة المواطنات والمواطنين، وخصوصا الشباب، وكذلك النخب المدنية المحلية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تمتين الوعي بأهمية المشاركة، أي الدفاع عن حاجة بلادنا لهيئات منتخبة في مستوى ما ينتظره شعبنا، وفي حجم ما هو مطروح اليوم على المغرب من رهانات تنموية وديمقراطية وإستراتيجية... واضح إذن أن الترسانة القانونية، رغم أهميتها، ليست وحدها المطلوبة لإنجاح الانتخابات، وإنما هناك أيضا حياد الإدارة وإعلاء سلطة القانون في كل مراحل المسلسل، وإشعاع المعلومة وشفافيتها، ثم هناك، وأساسا، ضرورة توفير المناخ السياسي والإعلامي المساعد على إنجاح الموعد الديمقراطي، وتقوية الزخم الشعبي العام المواكب لهذه الدينامية، وانخراط أكبر عدد من الناس والفعاليات والنخب في المسلسل بشكل مباشر ومن موقع الدفاع عن التغيير، وذلك بما يفضي في النهاية إلى إفراز نخب كفؤة، ومؤهلة، وذات مصداقية، لتولي شؤون جماعاتنا المحلية ومجالسنا الجهوية... هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته