شهدت رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي منتصف الشهر الحالي يونيه 2014 تقديم نتائج دراسة استثمرت لعشرين سنة حول التراث المائي وحماية الحدائق التاريخية بمراكش. عشرون سنة إذن من البحث حول الحدائق التاريخية وأساسا حول حديقتي أكدال والمنارة بمراكش، واللتين يرجع إحداثهما إلى زمن دولة الموحدين التي كانت مراكش عاصمتها الإمبراطورية قبل تسعة قرون من زماننا. وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تندرج ضمن علاقة اليوم بميرات حضاري وثقافي أصبح يشكل في نفس الآن رهانا معرفيا واجتماعيا للتنمية الراهنة والمستدامة. فمع انطلاق اليوم الدراسي الذي حضره باحثون مختصون وجامعيون من كليات الآداب والعلوم والحقوق التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، أوضحت وداد التباع عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش أن الحدائق التاريخية هاته هي إرث مشترك تعود بدايته إلى القرن الثامن الميلادي أولا بمدينة فاس باعتبارها الجسر الذي عبره انتقلت هذه الثروات من الأندلس نحو المغرب. وحيث إن المغرب هو الذي يحتفظ من بين كل الدول العربية بهذا التنوع من الحدائق التاريخية التي يشكل أكدال نموذجها الحي، فقد أشارت العميدة التباع إلى أن الجهود العلمية الرائدة التي كان البروفسور محمد الفايز هو الذي أطرها قد واجهت هذا الموروث النفيس وانتهت إلى الوقوف أمام الوضعين الحاليين. بذل كل الجهود العلمية والتقنية التي يتطلبها إنقاذ ما تبقى من الحدائق التاريخية اليوم وخاصة بمدينة مراكش حيث تشكل حدائق أكدال والمنارة واحة التخيل والباهية وغيرها موضوعات راهنة للاشتغال ووضع بيليوغرافية تشمل كل تلك الحدائق. تأهيل وإعداد هذه الحدائق والمواقع الثقافية كي تتجاوب مع يقظة الضمير العالمي الذي يوصي ويصنف هذه الحدائق كي تستقبل الأعداد المتزايدة من رواد سياحة الحدائق الذين يعدون بالملايين عبر العالم بما يخلقون من ثروات. إن هذه المواقع التي تعتبر مدينة مراكش مرصدها الوطني ما تزال محتفظة بتنوع مذهل سواء ما يخص أنظمة السقي أو جر المياه من المنابع والأغوار مع دقة توزيعها وتخزينها باعتبار هذه المياه هي السر الأعظم في بقاء هذه الحدائق محتفظة بتنوع طبيعي في الأشجار والمغروسات والكائنات من طيور وحيوانات وفراش. وتشير الدراسة بالتحديد هنا إلى عرصة مولاي عبد السلام وقصر البديع الذي يعود إلى القرن 16 الميلادي والباهية ق 19 وحتى عرصة المامونية التي تحتضن فندقها الشهير. وأشارت المداخلات إلى الدور المتزايد والمؤطر الذي تقوم به جمعية ابن العوام وإلى المساهمة القيمة لهذه الجمعية منذ 1995 والتي أنجزت الدراسات المتعلقة بالإنقاذ والترميم والتأهيل الذي يتعلق بالخصوص بمجال حدائق أكدال بما يضم بالإضافة إلى ما يفوق ستة وثلاثين ألف شجرة متنوعة الغلال والفواكه وأحواض تاريخية وأبراج ومداخل وسواقي وخطارات ومسارب للماء تغطي كلها بمغروساتها وأسوارها ومرافقها 500 هكتار إضافة إلى المنارة التي تغطي بدورها 80 هكتارا. وقد أوضح البروفسور محمد الفايز، خلال تقديم عرض للصور التي تؤرخ للوضع الحالي لحدائق أكدال بما هي عليه من ثراء وتنوع في كل مكوناتها النباتية والمعمارية والزخرفية في التشكيلات التي على الأبواب والنوافذ والأبراج والقباب والمنتزهات، على الأصل الأندلسي لحوض الزاهرية والزهراء وصهريج الغرسية. وأشار الدكتور الفايز إلى الاعتبار العالمي الذي يحظى به أكدال وتصنيفه ضمن أشهر الحدائق التاريخية في العالم كحدائق قصر فيرساي قرب باريس أو تاج محل بالهند وغيرها. كما أشار إلى تصنيفه ضمن سجل فرلورسا العالمي منذ 1980 والى اهتمام أوساط اليونسكو وأشهر الخبراء الدوليين بهذا الموروث النفيس الذي يعتبر إلى اليوم أكبر حديقة تاريخية بالعالم العربي لما تحمله من رمزية. هذه المعالم الحضارية الشامخة تواجه اليوم تهديدات متلاحقة وعلى المغرب أن ينقذ إرثه ويصونه للأجيال القادمة.