أمس، في جلسة بمجلس النواب، ساد التوتر من جديد، وفي الخلفية كان موضوع مقتل الطالب الحسناوي في جامعة فاس... عند وقوع أي حدث، مهما كان مأساويا، وتنقل الصحافة أخباره وتفاصيله، صار أوتوماتيكيا أن يتحول إلى موضوع بوليميك في البرلمان، ومبررا للمعارضة، وأحيانا لتبادل المزايدات والشتائم والاتهامات بين الأطراف السياسية، أو بين البرلمانيين والحكومة. الظاهرة لوحدها تستحق القراءة والتحليل... بداية إن مقتل الطالب المذكور هو جريمة، والعنف يعتبر مدانا بغض النظر عمن ارتكبه، وهذا ما كان يجب أن يحدث عليه الإجماع البرلماني والسياسي بلا استثناء أو كثير كلام. ثم إن استنكار مقتل الطالب آيت الجيد من قبل، ومواصلة الدعوة لكشف الحقيقة المرتبطة بهذه الجريمة التي اقترفت قبل سنوات، لا يبرر مطلقا استحضار الأمر من أجل التغطية عن الجريمة الحالية التي أزهقت روح طال مغربي آخر، كما أنه من المستهجن جدا الإصرار على المقارنة والقياس في الموت وفي الجرائم وفي الأحزان. الجريمة مدانة، والمجرم لا مبرر ولا عذر له، ولا يمكن لكل ديمقراطي أو مدافع عن الحق في الحياة أن يبحث للمجرمين والقتلة عن مبررات، ذلك أنه من الأولى التضامن اليوم مع الضحية ومواساة أسرته المكلومة. من المؤكد أنه يجب تحليل ظاهرة تفاقم العنف في الجامعة، وهو موجود على كل حال منذ سنوات وعقود، ومن المؤكد أيضا أن عمق الإشكال يوجد في المناخ العام داخل جامعاتنا، وفي تراجع مستوى اهتمام أحزابنا الديمقراطية ومنظماتها الشبابية بما يجري داخل الفضاء الجامعي، وبتأطير جماهير الطلبة، وأيضا في تراجع دور وحضور أساتذة التعليم العالي في الدينامية التكوينية العامة المرتبطة بالطلبة، وكل هذا يتطلب اليوم حوارا صريحا وواضحا بين الجميع، ويستحضر تحولات البلاد والعالم والقيم والمرجعيات والأفكار، أما الصراخ الذي شاهدناه أمس في البرلمان، وما يصدر من مواقف عن بعض السياسيين هذه الأيام، فهو لا يؤدي إلا إلى مزيد من التشرذم والتناحر بين الطلبة، وسيترك الجامعة عبارة عن جماعات طلابية صغيرة تتشابك دائما فيما بينها، وتتناحر بواسطة البيانات و...الأسلحة البيضاء. اليوم لا بد أولا من إشاعة القانون وسط الجامعة، وأن تحرص الدولة على تأمين سلامة وأمن الطلبة الذين يلجون الفضاء الجامعي للتعلم والدراسة أولا وقبل كل شيء، ثم لابد من اصطفاف مختلف القوى السياسية والشبابية والنقابية والحقوقية والطلابية ضمن جبهة واسعة تنبذ الهيمنة والتحكم، وتحارب التطرف في كل التوجهات والفصائل، وتقف جميعها موحدة ضد العنف، ومن أجل أن تكون الجامعة فضاء للعلم والمعرفة، وكذا واجهة للتكوين السياسي والتربية على الحوار والاختلاف واحترام الآخر. والبداية يجب أن تكون هي إدانة مقتل طالب فاس واستنكار الجريمة بكامل الوضوح، والابتعاد عن أسلوب الإسقاط والبحث عن التبرير أو موضوع جديد للمزايدات السياسوية الهجينة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته