تكون لاستطلاعات الرأي، في الدول التي تتمتع بالحريات والأنظمة التي تحترم حقوق الإنسان والمواطنة لمواطنيها، أهمية كبيرة لدى أصحاب القرار السياسي والتشريعي، وتبرز أهميتها في التحولات والانعطافات التاريخية والأزمات والانتخابات الرئاسية والتشريعية، أو بما يتعلق بمصائر وعلاقات لها تداعيات واسعة وقد تسبب مضاعفات وعواقب، وتولد أزمات وكوارث اشد من مصادرها. ومن بينها طبعا قرارات الحروب وخطط الغزو. التي, هي بطبيعتها مكون من جوهر الرأسمالية وأهداف التوسع الامبريالي الإمبراطوري. ولهذا يحسب للاستطلاعات حسابها. لاسيما وان من يدفع تكاليف الحروب والعدوان هو الشعب، خاصة من يدفع الضرائب، فتم وضع شرط التفويض القانوني في الدساتير والأعراف في الولاياتالمتحدة وأوروبا، حيث ذكر «أن الدستور الأمريكي تمكن على الأقل من كبح جماح «كلب الحرب» عن طريق نقل «سلطة إطلاق العنان له من السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية، أي من أولئك الذين يصرفون الأموال لأولئك الذين يدفعونها»!. يعتمد على الاستطلاعات حين تكون وسائلها وتقنياتها معبرة بمصداقية عنها وبالقواعد المقرة والشفافية العالية. فليس كل استطلاع يأخذ بجدية واهتمام، كما أن قيمة الاستطلاع في زمنه ومكانه محسوبة بدقة وقد تقود نتائجه إلى قرارات ومواقف حاسمة ومؤثرة. كما هو دورها في اغلب الانتخابات العامة. فضحت استطلاعات الرأي التي جرت حول الحرب والعدوان التي هددت بها الإدارة الأمريكية وتوابعها سوريا خصوصا والتجييش الواسع لآلات الحرب الإعلامية بكل اللغات، وأبرزها العربية، بما لها من توجهات واضحة وتخادم مجرّب ومسبق على التفكير بأي قرار ممكن، فضحت تلك المخططات وردت عليها بقناعات وخبر ودروس من أشباح الحروب العدوانية الأخيرة في أفغانستان والعراق وما آلت إليه.. أظهرت نتائج استطلاع للرأي في الولاياتالمتحدة وأوروبا، «حسب وكالات الأخبار 19/9/2013 « أن غالبية الأوروبيين والأمريكيين عارضوا بشدة تدخل دولهم عسكريا في الحرب المستمرة في سوريا. والاستطلاع هو مسح سنوي للرأي العام سمي ب»الاتجاهات عبر الأطلسي» أجراه صندوق مارشال الألماني في الولاياتالمتحدة « مؤسسة أبحاث أمريكية تروج للتعاون بين أمريكا الشمالية وأوروبا» في فرنسا وألمانيا وايطاليا وهولندا وبولندا والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا واسبانيا والسويد وبريطانيا والولاياتالمتحدة وتركيا. (شارك في الاستطلاع نحو 1000 شخص من كل من هذه الدول في الفترة بين الثالث من يونيو والثاني من يوليوز2013). كشف هذا الاستطلاع أن 62% من الأمريكيين و72% من الأوروبيين اعتقدوا أن بلادهم يجب أن تتجنب التدخل العسكري/ العدوان على سوريا التي قتل فيها أكثر من 100 ألف شخص. ورأى 30% فقط من الأمريكيين و22% من الأوروبيين أن على بلادهم التدخل في سوريا. وفي تركيا قال 72% إن بلادهم يجب أن تبقى بعيدة عن الصراع بينما فضل 21% التدخل. ووجد المسح في كل المناطق مواقف متشددة ضد العدوان مقارنة مع العام الماضي. وأوضح استطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث « من 29 غشت حتى فاتح شتنبر ، وشمل ألف مواطن» أن 48% من المستطلعين عارضوا توجيه ضربات جوية أميركية لسورية مقابل موافقة 29% في حين لم يبد 23% رأيا. وفي استطلاع آخر أجرته شبكة «ايه بي سي» وصحيفة «واشنطن بوست»، «من 28 غشت إلى فاتح شتنبر وشمل 1012 شخصا» أكد 59% من الأشخاص معارضتهم لهذه الضربات مقابل موافقة 36% و5% بلا رأي، كما أنه حتى مع مشاركة «دول أخرى مثل بريطانيا أو فرنسا» في هذه العملية لم يبد سوى 46% تأييدهم لها مقابل رفض 51%. هذه الاستطلاعات بينت عمليا كيف اجبر الرأي العام أصحاب القرار على التراجع عن شن الحرب، رغم استمرار التهديدات والضغوط بأشكال أخرى، ومن ثم البحث عن مخرج آخر، تلخص في الاقتراح الروسي حول الأسلحة الكيمياوية وما حصل بعده. وانعكست بوضوح في هزيمة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مجلس العموم «البرلمان» في الشهر الماضي عندما سعى إلى موافقته على قرار يفوضه القيام بعمل عسكري والمشاركة في العدوان. من بين حملات الإعداد للحرب العدوانية والتحشيد السياسي والعسكري جلسة استماع أقامتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، حول العدوان العسكري المباشر، لوزيري الخارجية والحرب الأميركيين جون كيري وتشاك هيغل. لم تمر بيسر، إذ حضرها أعضاء من جمعية «كود بينك (Codepink): نساء من اجل السلام» بقمصان الجمعية الوردية، مسجلين اعتراضهم بشكل بارز وملفت وصاخب كما هي عادتهم في جلسات الاستماع المرتبطة بالحروب والعدوان. قبل ان يُنهي كيري كلمته الافتتاحية، صرخت من آخر القاعة ميديا بنجامين، المؤسِّسة الشريكة للجمعية والناشطة ضد الحروب، «لا نريد حرباً أخرى». وتحمل بيديها لافتتين كتب على إحداها «الشعب الأميركي يقول لا للحرب»، وعلى الثانية «سورية تحتاج إلى وقف لإطلاق النار وليس إلى الحرب». واستمرت أثناء إخراجها من القاعة صارخة، «إطلاق صواريخ كروز يعني حربا أخرى»، «بان كي مون قال لا للحرب والبابا قال لا للحرب والأميركيون لا يريدونها». ورفع أعضاء الجمعية الموزعون في القاعة لافتات مناهضة للعدوان على سوريا أيضا، وصورا تدين الحروب وسفك الدماء. وقبل بدء أعمال الجلسة، صاح أحدهم: «لا يمكننا أن نتحمّل حربا أخرى، نحن في حاجة إلى رعاية صحية وإلى التعليم في بلادنا. كيري: لا لحرب جديدة في سورية!». نقلت فضائيات الحرب والعار الرسمي الجلسة كمهمة لها، تخللتها تلك المشاهد المعبرة، فشاهد العالم الصوّر التي تؤكد في مشهدها وقائع ما أعلنته نتائج الاستطلاعات للرأي العام بان غالبية من الشعوب تعارض العدوان، وتعمل على كبح كلاب الحرب من شنها. كما عبرت عنها التظاهرات والاحتجاجات في المدن ألأميركية، بما فيها العاصمة واشنطن. وكذلك التظاهرات والاعتصامات أمام السفارات الأمريكية، ومكاتب الحكومات، في اغلب العواصم الأوروبية والعالمية الأخرى، وشعاراتها: ارفعوا أيديكم عن سوريا، لا للحرب العدوانية، لا لسفك الدماء!.