أقدمت مؤخرا وزارة الداخلية على إقالة عدد من رؤساء وأعضاء الجماعات المحلية بمناطق مختلفة، وذلك على خلفية ما كانت قد تضمنته تقارير المفتشية العامة من مخالفات اقترفت من طرف المعنيين بالأمر، سواء على صعيد خرق المساطر والشكليات القانونية، أو في العلاقة التدبيرية مع الميزانيات والمال العام وغير ذلك، كما قضت مؤخرا بعض محاكم المملكة بعقوبات في حق رؤساء جماعات، ومنهم من صدرت في حقه عقوبات بالسجن النافذ جراء مخالفات لها صلة بالمال العام وبالصفقات... الإجراءات المذكورة تعتبر عادية في دولة القانون والمؤسسات، وعلى كل مسؤول أن يتحمل مسؤوليته، ويدرك خضوعه للمحاسبة جراء تحمل هذه المسؤولية المرتبطة بتدبير شؤون البلاد والعباد، ولا يمكن سوى المطالبة بتقوية الحزم تجاه الفساد المستشري في عدد من جماعاتنا المحلية، والضرب بالقانون على يد كل من ثبت تورطه في اختلاس المال العام، أو ممارسة الزبونية والمحسوبية بحكم مسؤوليته. القرارات التي عممتها مؤخرا الجريدة الرسمية، وتلك التي صدرت عن القضاء، تعيد تنبيهنا مرة أخرى إلى واقع جماعاتنا المحلية، وهو الواقع الذي يحفل بكثير من تجليات وممارسات الفساد والريع ونهب المال العام، حتى أن بعض «المنتخبين» تحولوا بين عشية وضحاها من موظفين عاديين جدا أو عاطلين عن العمل حتى، إلى أثرياء في مناطقهم، و»أعيان»، وكل مجالس الحديث تحكي تفاصيل هذه «النعمة» البادية عليهم وقصصها ومصادرها. إن الفساد المستشري في كثير من الجماعات المحلية، قروية وحضرية، لا يسيء فقط إلى التطلع العام لتطوير الديمقراطية التمثيلية والمشاركاتية، وإنما تكون له تداعيات سلبية مباشرة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحلية، ذلك أن كثير مناطق في بلادنا تعاني من تخلف البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية، ومن ضعف في شبكات الصرف الصحي والطرق والربط بالماء والكهرباء، ومن النقص الفظيع في المؤسسات الثقافية والرياضية والمناطق الخضراء، فضلا عن المشاكل المرتبطة بالخدمات اليومية، وهذا الواقع سببه فعلا يكمن في ضعف الموارد المالية المتوفرة لبعض الجماعات، وفي اختلالات المنظومة العلائقية والتدبيرية العامة لعمل الجماعات المحلية، لكن أيضا في وجود رؤساء جماعات ومنتخبين بلا أي تكوين أو معرفة أو مصداقية، ويفتقرون إلى روح الاجتهاد والإبداع، ولذلك لا يمكن التقدم بديمقراطيتنا المحلية إلى الأمام، والاستجابة لمطالب الساكنة بمثل هؤلاء «المنتخبين» عديمي الكفاءة السياسية والتدبيرية والمصداقية السياسية والأخلاقية. واليوم عندما تتنامى الاحتجاجات الاجتماعية هنا وهناك، وتكثر الشكاوى والتظلمات، يتساءل المرء عن دور المنتخبين والجماعات المحلية، ومسؤوليتهم في إنتاج اختلالات الواقع الاجتماعي للساكنة، وأيضا في التفاعل مع الحراكات الاجتماعية، والمساهمة في تفادي تفاقمها وبلوغها مستوى الأزمات والتوترات. لابد اليوم من تمتين هذه الدينامية القانونية والزجرية تجاه المخالفات المتعلقة بعمل الجماعات المحلية وفساد عدد من رؤسائها وأعضائها، ولكن من الضروري أيضا التفكير في منظومة إصلاحية وتأهيلية شمولية وجدية للنهوض بعمل هذه المؤسسات التمثيلية، وتطوير أدائها، وتقوية المصداقية والكفاءة وسط أعضائها ومسيريها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته