لم يشرح عبد الباري عطوان (1950) سبب استقالته من إدارة ورئاسة تحرير «القدس العربي» الصادرة في لندن. مقالته الوداعية أمس تحت عنوان «إلى القراء الأعزاء... وداعاً! وإلى لقاء قريب بإذن الله» كانت الإعلان الرسمي عن خروج له حكايته، وتفاصيلها ستظهر يوماً بعد يوم، ولو كان الاهتمام سيتركز على مستقبل الصحيفة التي عاشت ربع قرن من المواجهة المفتوحة. الصحافي الفلسطيني المشاغب ورئيس التحرير المثير للجدل، أبلغ العاملين في صحيفته في اجتماع عام قبل يومين، بأنه قرر ترك منصبه. صحيح أن جزء منهم كان يعلم بهذه الخطوة، لكن الأكيد أن عطوان كان يهدف إلى طمأنة العاملين إلى أن خطوته تستهدف إبقاء الجريدة على قيد الحياة، وعدم صرفهم، مع العلم أن الصحيفة التي أزعجت حكومات وملوكا ورؤساء ودولا، ظلت حتى الفترة الأخيرة، لم تتجاوز موازنتها موازنة قسم المراسلين في صحف كبرى تمولها السعودية في لندن وغيرها من العواصم. أطلق عطوان الصحيفة عام 1989 بدعم من «منظمة التحرير الفلسطينية»، وخلال الغزوات الأميركية للمنطقة، اتهم بأنه حصل على دعم مباشر من الرئيس العراقي صدام حسين، ثم كانت علاقته مع زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، عنوانا جديدا في حياته المهنية وفي موقع صحيفته التي ظلت دوما من المنابر الأكثر انتشارا على الشبكة العنكبوتية. وفي بداية الألفية الجديدة، واجه عطوان مشكلات على صعيد تمويل الجريدة، من خلال أصدقاء له في قناة «الجزيرة» التي وسعت شهرته العربية والدولية، بنى علاقة جيدة مع أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة، ومن يومها، صارت «القدس العربي» تحظى بدعم مالي من الإمارة الصاعدة. ولم يتوقف الأمر حتى اللحظة، في تلك الفترة، لم تكن قطر تمارس أي ضغط حقيقي على عطوان. ولعل خطه الداعم للمقاومة ضد إسرائيل، والمنتقد بقسوة للأنظمة الاستبدادية، والمختلف مع السعودية، ساعد في بناء تفاهمات مع «قطر ما قبل الربيع العربي». لكن الأمر لم يظل على هذا النحو في العامين الأخيرين، والجديد أن أمير قطر الجديد تميم بن حمد، لديه طريقته المختلفة في إدارة الأمور. يحيطه فريق من المستشارين، يتقدمهم الباحث الليبرالي عزمي بشارة الذي يملك نفوذا واضحا على الأمير الجديد، ولديه رأي خاص في الإعلام العربي. وكان هو وآخرون يدعون إلى تنظيم العلاقة مع وسائل الإعلام المستفيدة من قطر على قاعدة أن «الإمارة ليست جمعية خيرية». هذه السياسة تجلت بشكل واضح حين أبلغت قطر عطوان بأن استمرار دعمها المالي للصحيفة، صار رهن تغييرات جدية، فكان عطوان أمام خيارين: الانسحاب الشخصي مع تعويض مالي لا يبت نهائيا وضعه كمالك في الجريدة، أو التوقف عن تلقي الدعم القطري، وبالتالي مواجهة خطر وشيك بإقفال الجريدة. قرر عطوان الاستقالة، وأبلغ العاملين معه أن الطرف الممول «لم يعد موافقا على حضوري، وأنا وافقت على الانسحاب لحماية المؤسسة ومنع إقفالها». وكانت الخطوة التالية في تكليف الفلسطينية سناء العالول، المتزوجة من الصحافي عبد الوهاب بدرخان منصب رئاسة التحرير بالوكالة، علما أن العالول كانت تشرف على إنتاج الجريدة في ظل غياب فريق عمل متكامل، الأنباء الإضافية عن الحدث ارتبطت بالمعلومات عن عودة المواجهة القطرية – السعودية، خصوصا بعد انتهاء الجولة الأولى من الصراع على إدارة الملف السوري، ومن ثم الحدث المصري. ويتضح أن استعجال القطريين خطوة إبعاد عطوان يندرج في هذا السياق، ويدور الحديث عن جهد آخر يبذل لتحقيق تواصل بين قطر وبين معارضين يمنيين من الجنوب، بهدف إنشاء مشروع إعلامي آخر يلعب دورا إضافيا في مواجهة السعودية. ويجري ترشيح الصحافي السوري المعارض بشير البكر لتولي إدارة تحرير هذه الوسيلة. الأنظار تتركز الآن على طبيعة التغييرات في مواقف «القدس العربي» السياسية وسط توقع بأن تبتعد تدريجيا عن موقفها الداعم لقوى المقاومة والممانعة، وتنشغل أكثر في مواجهة سوريا وإيران بالإضافة إلى السعودية. علما أن بشارة الذي يتولى اليوم دور «المستشار الإعلامي والسياسي» لأمير قطر الجديد، باشر قبل سنة العمل على مشاريع إعلامية عربية، فهو الذي مول موقع «المدن» الإلكتروني في لبنان الذي يديره الصحافي ساطع نور الدين. وتقود الإشارات إلى أن بشارة يعد مقترحا باسم صحافي فلسطيني مقرب منه، لتولي مهمة إدارة «القدس العربي».