محطة أساسية ودفعة سياسية في مسار إصلاح المنظومة الصحية ببلادنا تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، تنطلق يومه الاثنين بمدينة مراكش، أشغال المناظرة الوطنية الثانية التي تنظمها وزارة الصحة تحت شعار «من أجل حكامة جديدة لقطاع الصحة». الحدث الذي تمتد أشغاله على مدى ثلاثة أيام، يكتسي أهمية وطنية وتاريخية كبرى انطلاقا من أن تنظيم هذه الدورة الثانية يأتي بعد قرابة 60 سنة من عقد المناظرة الأولى على عهد أول حكومة مغربية بقيادة الراحل عبد الله إبراهيم، وهي المناظرة التي أشرف عليها المغفور له الملك محمد الخامس سنة 1959. كما تأتي المناظرة الثانية في سياق تفعيل مقتضيات دستور 2011، وخاصة ما يتعلق منها بتكريس حقوق الإنسان وعلى رأسها الحق في الصحة والمساواة في الولوج إلى العلاج، وتعميم التغطية الصحية الشاملة، وكذا تلك المتعلقة بتعزيز الحكامة في القطاعات العمومية ونجاعة التدبير وفعالية أنظمة التمويل ومسألة الموارد البشرية التي يشكو قطاعنا الصحي من نقص حاد فيها. ويأتي كذلك هذا الموعد التاريخي متزامنا مع بروز تحديات جديدة سواء على مستوى الأمن الصحي العالمي وتطور الأمراض الوبائية ووضعية الأمراض غير السارية، وكذا على المستوى الوطني من خلال قضايا تعزيز آليات الرصد والوقاية والأمن الصحي بارتباط مع تلك التحديات العالمية. ولا شك أن تدارس هذه القضايا التي أوردتها وزارة الصحة ضمن ورقتها التقديمية للمناظرة، والتي ستحظى بنقاش واسع من قبل الخبراء الوطنيين والدوليين، والشركاء المتدخلين في القطاع الصحي، وكذا مختلف الفعاليات المعنية بالحق في الصحة، سيمكن من تحديد أولويات إصلاح النظام الصحي الوطني وفقا لما يطمح إليه المسيرون والمهنيون والمواطنون على حد سواء. ولعل أكبر هدف معقود على أشغال المناظرة يتمثل في الخروج بتوصيات تشكل قاعدة لمشروع ميثاق وطني جديد للصحة، يحدد الأولويات الكبرى للعمل في هذا المجال الحيوي على مدى السنوات الثلاثين المقبلة. ولهذه الغاية، أعطت وزارة الصحة أهمية كبرى للاستعدادات القبلية للمناظرة، إذ أطلقت منذ سنة مسلسلا تشاوريا واسعا عملت من خلاله على الاستماع إلى انتظارات مختلف الشركاء، إضافة إلى عموم المواطنين، وجمع مقترحاتهم لإصلاح المنظومة الصحية، وهي المقترحات التي تم تضمينها في كتاب أبيض سيتم تقديمه إلى المتناظرين لإغناء النقاش وإثراء الاقتراحات. وتعد المناظرة إذن تتويجا لهذا الحوار الوطني الذي أرادته وزارة الصحة، وكما جاء في الورقة التقديمية، تجسيدا للديمقراطية التشاركية التي نص عليها الدستور الجديد، وتجاوبا مع مطلب الحكامة الجيدة التي أضحت مطلبا أساسيا للمرحلة يسائل السلطات العمومية والمنتخبين وممثلي مختلف الهيئات والمنظمات وجمعيات المجتمع المدني التي تنشط في الميدان الصحي. علما أن المناظرة ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما تمثل محطة أساسية ودفعة سياسية في مسلسل إصلاح القطاع من خلال الإعداد للميثاق الوطني الذي سيدخل بدوره في مسار المناقشة والمصادقة مع كافة الفرقاء قبل عرضه على المؤسسة التشريعية.