الفكاهيان الداسوكين والزعري خارج التغطية في مشاهد غير فكاهية بالضرورة جرى افتتاح المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة بشريط «خارج التغطية» للمخرج نور الدين دوكنة، وبالنظر إلى أن البطلين الرئيسيين لهذا الشريط هما مصطفى الداسوكين ومصطفى الزعري، المعروفان أساسا بميلهما إلى فن الفكاهة وقد سبق لهما أن شكلا ثنائيا فكاهيا لعدة عقود، كان أفق انتظار المشاهد أن يكون شريط «خارج التغطية» فكاهيا صرفا، غير أنه باستثناء بعض المشاهد التي قدمت في قالب فكاهي استدعاه السياق العام للشريط، فإن الخط الدرامي ككل ينحو منحى المأساة الاجتماعية، من خلال استعراضه للوضعية المعيشية لبطلي الشريط العجوزين والمثقلين بأعباء المرض والشيخوخة، بعد أن تخلى عنهما أبناؤهما وأقاربهما؛ فيجدان في الشارع ملاذهما وراحتهما النفسية، ويكافحان من أجل تأمين عيشهما، ويواجهان تبعا لذلك العديد من المتاعب، مثلما أنهما سيحظيان بتعاطف من لدن أناس لا تربطهما بهم قرابة عائلية بالضرورة، ومن خلال توالي الحبكة الدرامية لهذا الشريط الذي تبلغ مدته الزمنية مائة دقيقة والذي تدور وقائعه بمدينة مراكش، ينقلنا المخرج إلى عدة فضاءات ويقربنا من ظروف العيش فيها: بيوت الكراء الرخيصة الحاطة بكرامة الإنسان، حيث أن النزيل يضطر إلى افتراش الورق المقوى ويكون بذلك عرضة للمرض والموت، سيما إذا كانت صحته هشة بسبب الشيخوخة ومضاعفات الأمراض المزمنة، كما هو الحال بالنسبة لباحماد الذي شخص دوره باقتدار الفنان مصطفى الزعري، حيث سيكون مآله الموت في وضع جد مأساوي.. يقربنا هذا الشريط كذلك من فضاء دار المسنين، حيث يتم الخلط بين المرضى العقليين بالناس العاديين، وتحدث تبعا لذلك مآسي غير محمودة العواقب، وحيث يتم تقديم وجبات أكل غير لائقة، وهو ما حدا بالنزيلين الجديدين إلى العودة إلى الشارع.. أتى عنوان هذا الشريط، من حادثين اتسما بتعذر الاتصال عبر الهاتف، بسبب وجود المعني بالاتصال خارج التغطية الهاتفية، غير أن «خارج التغطية» الموسوم بها الشريط، لها معنى أبعد من ذلك، حيث أن المقصود بها في حقيقة الأمر، هو غياب الرعاية الصحية والاجتماعية، ويبرز هذا من خلال مختلف مشاهد الشريط، فشخص با حماد الذي يعاني من مضاعفات داء السكري، سيجد بديلا عن لقاح الأنسولين في حلوى الأطفال لتسكين آلامه والخروج من غيبوبة المرض، كما أنه بالرغم من بلوغهما هو ورفيق دربه، السن الذي يخول لهما الاستفادة من معاش التقاعد واستغلال ما تبقى لهما من عمرهما في الأسفار السياحية وما إلى ذلك، سيجدان أنفسهما مضطرين لمواصلة الكدح لتأمين أبسط متطلبات العيش: المأكل والمبيت.. ومن المشاهد الطريفة التي عرفها الشريط بهذا الصدد، هو حينما لجأ النزيل الجديد بدار المسنين إلى بيع السجائر بالتقسيط داخل هذا الفضاء نفسه، وهو ما عرضه للزجر من طرف المسؤول عن الدار.. لقد قام هذا الشريط بإبراز بعض المظاهر التي باتت من مستجدات عصرنا الحاضر، منها على الخصوص تخلي الأبناء عن آبائهم وهم في أرذل العمر، وسيادة التفكك الأسري، في حين أن عقيدتنا الإسلامية تنهي عن ذلك، كما قام هذا الشريط بإبراز العشوائية التي تسود مجتمعنا: عشوائية في التجارة وفي الخدمات الاجتماعية وفي شتى الميادين، وهم ما ينتج عنه تأزم في العلاقات الإنسانية، غير أن المخرج يحرص على تقديم بعض إشارات الأمل، مفادها أنه بالرغم من مظاهر البؤس والعنف والظلم وغير ذلك؛ فإنه لا بد أن يشعر الإنسان في يوم ما بتأنيب الضمير ويعود إلى طبيعته الإنسانية. لقد تناول المخرج هذا الموضوع الاجتماعي ببساطة شديدة، مع مراعاة تسلسل الأحداث وتطورها في خط درامي منطقي، مقدما بذلك نموذجا للسينما التي تحن إلى عصرها الكلاسيكي. وكان الشريط القصير «أخطاء متعمدة» للمخرج عبدالإله زيراط، قد افتتح بدوره المسابقة الرسمية لهذا النوع من الأفلام، وتدور وقائعه داخل فصل دراسي، حيث أن التلاميذ اكتسبوا عادة غريبة، تتمثل في التعبير بطرق مختزلة ومعتمدة على رموز لا تمت بصلة إلى القاموس اللغوي، وتبين أن ذلك هو نتيجة لوسائط الاتصال الحديثة: رسائل الإس إم إس، وما إلى ذلك، وحاول المدرس الذي شخص دوره بنجاح الفنان محمد مروازي، أن يوضح لتلاميذه أن التعبير بذلك الأسلوب هو خاطئ، وأنه من الضروري الحفاظ على اللغة وعلى التعبير الصحيح بها، غير أنه سيجد أن الأوان قد فات لتصحيح هذا الإعوجاج، سيما وأن زميله في التدريس هو كذلك بات له إلمام بالأسلوب التعبيري الجديد المكتسب عن طريق وسائط الاتصال المعاصرة.