تحل غدا ذكرى ثورة مصر التي أطاحت بنظام حسني مبارك، وتستمر أجواء اللااستقرار، وأيضا الترقب في أرض الكنانة، وتعيد المناسبة إلى الواجهة كثير أسئلة أفرزتها المآلات التي انتهت إليها انتفاضات «الربيع الديمقراطي» في البلدان العربية، وخصوصا في مصر، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي ووزنها في المعادلات الإقليمية بالمنطقة. النظام الإخواني في مصر بزعامة الرئيس مرسي لم ينجح لحد الآن في فرض نفسه ومنظومة عمله كنظام حكم للبلد برمته يختلف عن النظام المطاح به، ذلك أن كثير محطات عملية وسياسية ومؤسساتية كشفت عجزه عن الانتقال من العقلية الحزبية المتصارعة مع الفاعلين الآخرين إلى منظومة تدبيرية تقوم على المؤسسات، وتستحضر المسؤوليات التي يطرحها بناء الدولة وإدارتها ضمن ثوابت تحترم التعدد والاختلاف وآليات الديمقراطية ودولة القانون. النظام الجديد في مصر لم يتمكن كذلك من إقناع الشباب وعموم الشارع المصري من خلال منجز تنموي ملموس يتفاعل إيجابيا مع المطالب الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية للفئات الشعبية، ومن ثم تواصلت الاعتصامات في ميدان التحرير وفي ساحات ومناطق مختلفة في البلاد، وبقيت الثورة بعيدة عن أن يتملكها الشعب، ويثق في أهدافها ومستقبلها. من المؤكد أن هناك ميلا انتخابيا مستمرا وسط المصريين للحركات الإسلامية التي تقود البلاد اليوم بعد ثورة 25 يناير، على غرار ما هو حاصل في باقي بلدان الحراك العربي، ومن المؤكد أيضا أن القوى المعارضة لهذا الاتجاه تعاني اليوم من اختلافات وتباينات فيما بينها، لكن مع ذلك، فإن حالة الاحتقان السياسي والشعبي واضحة منذ مدة في البلاد، والأطراف كلها لم تنجح في بلورة منظومة توافقية لقيادة البلاد في مرحلة ما بعد الثورة. إنها إذن المعضلات الثلاث التي تميز اليوم الوضع العام في مصر، وهو الأمر الذي لا يختلف كثيرا عما تعانيه تونس أو ليبيا أو غيرهما. وانطلاقا مما سبق، فإن الدرس الجوهري المستفاد اليوم من الوضع العام في مصر هو بالذات هذه الحاجة الماسة إلى التوافق بين القوى السياسية من أجل بلورة خطة عمل للمستقبل تضمن الاستقرار والهدوء والأمن أولا، وتحدد مميزات التوجه إلى المستقبل، وأولويات المرحلة في الميادين السياسية والمؤسساتية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية، والاتفاق أيضا على طرق التدبير والإنجاز. إن التوافق هو الذي سيمكن بلدا مثل مصر من السير إلى الأمام بمساهمة كل أبنائه من مختلف الطوائف والاثنيات والديانات، ويحفظ حقوق الجميع، وهو الذي سيتيح تكريس التعددية والانفتاح والمساواة والديمقراطية في المجتمع، وبالتالي تعبئة مختلف قوى المجتمع من أجل البناء والتنمية. ذكرى الثورة المصرية تسمح اليوم بالتأكيد على أن المستقبل، في مصر وفي غيرها من البلدان، لن يكون إلا عبر ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والتعددية والانفتاح، وتشبث كل الأطراف المتنافسة بدولة القانون والمؤسسات وبفصل السلطات واحترام الحرية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته