تنبع من حرص البلدين على تكريس الفكر والطموح لبناء قوي وهادف للعلاقات الثنائية تربط بين المملكتين المغربية والسعودية علاقات أخوية، تقوم على مقومات الثبات والرسوخ والمتانة في سيرورة متواصلة تمتح من صلات قوية متجذرة في التاريخ ومن ثوابت ورؤى مشتركة ومحبة متبادلة، وسياسة متزنة وحكيمة ينهجها البلدان سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو على المستوى الدولي. تتسم العلاقات بين المملكتين بالانسجام في مواقف البلدين، والتطابق في الرؤى والتنسيق والتشاور المتواصل بينهما على كافة المستويات، في كل ما من شأنه خدمة العلاقات الثنائية والقضايا العربية والإسلامية، وخدمة قضايا السلام. وما يعطي لهذه العلاقات أهمية خاصة ما تتميز به المملكتان من مكانة على الصعيدين العربي والإسلامي والعالمي وما لهما من موقع جغرافي واستراتيجي مميز، وتبنيهما لسياسة خارجية متوازنة ومعتدلة تجعل منهما فاعلا أساسيا ضمن محيطهما الإقليمي والعربي والدولي. وتعطي العلاقات الأخوية القائمة، بين قائدي البلدين دفعا قويا لهذه العلاقات في نموها وتطورها والانطلاق بها إلى آفاق أرحب تكون في مستوى تطلعات الشعبين وخاصة على المستوى الاقتصادي، حتى يرقى إلى مستوى العلاقات السياسية القائمة بين المملكتين في بعد استراتيجي يمتد من الخليج حيث تنتمي المملكة العربية السعودية إلى المحيط في غرب العالم العربي حيث يوجد المغرب. ويجد هذا المنحى سندا له في الدعوة التي وجهتها من الرياض دول مجلس التعاون الخليجي إلى المملكة المغربية في قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي للانضمام إلى المجلس، وما تلا ذلك من لقاءات بهدف إقامة شراكة إستراتيجية بين دول المجلس والمغرب. ومن الأكيد أن الروابط المشتركة بين الرباطوالرياض تنبع خصوصيتها من حرص البلدين بقيادة جلالة الملك محمد السادس وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على جعل العلاقات الثنائية قدوة ومثالا للعلاقات بين بلدين يؤسسان إرادتهما في هذا الاتجاه على تكريس الفكر والجهد والطموح نحو بناء قوي ومتين وهادف. وفي هذا السياق، جدد جلالة الملك محمد السادس في برقية تهنئة بعثها مؤخرا إلى خادم الحرمين الشريفين بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني الإعراب عن اعتزازه الكبير ب»الروابط الأخوية المتينة التي تجمع بيننا شخصيا وبين أسرتينا الملكيتين وشعبينا الشقيقين وبالمستوى المتميز الذي بلغته علاقات التعاون المثمر والتضامن الفعال بين بلدينا». وأكد جلالته انه واثق من أن هذه العلاقات «ستزداد بفضل حرصنا المشترك اتساعا وعمقا في مختلف المجالات لما فيه خير بلدينا وشعبينا الشقيقين. وتعمل حكومتا البلدين في ظل هذه العلاقات الأخوية المتميزة على بلورة سياسات ناجعة تقوي من مسار العلاقات الاقتصادية والتنموية بين البلدين كما تجسد ذلك الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين والوفود الاقتصادية والتربوية والرياضية وغيرها لإعطاء زخم لهذه العلاقات بما يقويها ويجعلها رافدا أساسيا في خدمة اقتصاد البلدين. ولعل أقوى محفز وأكبر دافع للارتقاء بمستوى هذه العلاقات بحاضرها الحافل ومستقبلها الواعد هو سعي قائدي البلدين إلى تعزيز التعاون المشترك بين المملكتين، وتوجيهاتهما النيرة للدفع بهذه العلاقات وبهذا التعاون إلى مدى أوسع وأعمق بما يعود بالخير والازدهار على الشعبين الشقيقين المغربي والسعودي. ومن خلال قراءة سريعة لواقع التعاون الاقتصادي الحالي بين المملكتين يبدو أن الامر يستدعي الإسراع بإيجاد الآليات الكفيلة بتفعيل التوصيات والاقتراحات والتصورات والنتائج التي خرجت بها أعمال اللجنة المشتركة المغربية السعودية في دورتها ال11التي عقدت في الرباط السنة الماضية. وكان قد تم في هذا السياق الدعوة إلى الدفع بالمبادلات التجارية حتى ترقى إلى مستوى العلاقات المتميزة التي تجمع بين البلدين وتتأقلم مع التوجهات الجديدة للاقتصاد المغربي، علما بأن قيمة الصادرات نحو السعودية خلال سنة 2009 بلغت 234 مليون درهم، في حين بلغت واردات المغرب 11 مليار و500 مليون درهم وهو مؤشر يرى الفاعلون والمحللون أنه مدعو إلى أن يتطور بالنظر إلى إمكانيات البلدين ومؤهلاتهما الاقتصادية. وإذا كانت كميات المنتجات المغربية المصدرة إلى السعودية والمتمثلة على الخصوص في الحامض الفوسفوري والحوامض والأسماك المصبرة والخضر المصبرة ومواد غذائية مختلفة، لا تزال دون تطلعات المستثمرين والمصدرين، كما وقيمة، بالنظر إلى أهمية السوق السعودي وجودة المنتوج المغربي فإن البلدين تحذوهما إرادة قوية للتغلب على كل المعوقات التي تقف في وجه الاستثمارات وتقوية الحركة التجارية بين المغرب والسعودية التي تتمثل أهم الموارد التي يستوردها المغرب منها في البترول والمواد البلاستيكية والورق والورق المقوى والمواد الكيماوية. ويبدو أن هذه الإرادة وجدت ترجمة عملية لها من خلال البعثات الاقتصادية والتجارية التي تعمل جاهدة على ربح عامل الزمن وتكريس الجهد للنهوض بالاستثمارات والمبادلات التجارية وتنويعها لتشمل أكبر قدر من القطاعات الاقتصادية والتنموية. وفضلا عن اتفاقيات التعاون المشترك الموقعة بين البلدين خلال السنوات الاخيرة في مجالات عديدة اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية ورياضية وغيرها فان الأشهرالاخيرة عرفت دينامية لتطوير علاقات التعاون بمختلف أوجهه وخاصة على المستوى الاقتصادي الذي يتطلع البلدان الى الارتقاء به الى مستوى العلاقات السياسية التي تربط بين المملكتين وقائديهما. ومن الأكيد ان هذه الدينامية تسير في الاتجاه الصحيح كما تجسد ذلك العديد من اللقاءات التي عقدها مسؤولون حكوميون وفاعلون اقتصاديون ورجال أعمال في البلدين ومن ذلك الجولة التي قام بها منذ أشهر قليلة وفد تجاري مغربي رفيع المستوى يمثل القطاعات التجارية والصناعية والخدماتية وغيرها لعدد من الدول الخليجية من ضمنها المملكة العربية السعودية لبحث تطوير التعاون الثنائي في هذه المجالات خصوصا القطاعات الجديدة والمبتكرة التي حقق فيها المغرب انجازات هامة كالتكنولوجيات الجديدة والإعلام والاتصال والقطاع البنكي والقطاع الصيدلي والطاقات المتجددة والطيران وغيرها من القطاعات المتطورة كالطيران وهندسة السيارات فضلا عن قطاعات التصدير التقليدية. ويعزز من أهمية الاستثمار في مجالات كهذه ويعطي للعلاقات الاقتصادية بين المملكتين قوة دفع إضافية مناخ الاستثمار في المغرب وما شهده ويشهده من إصلاحات ومزايا ضريبية وانفتاح وما يشكله من موقع جغرافي متميز قريب من أسواق أوربا وإفريقيا والعالم العربي.