أبطال يسترجعون ذكريات التتويج، ويحكون عن لحظات التألق... تعتبر الألعاب الأولمبية من التظاهرات الرياضية التي تشد العالم كل أربع سنوات، يتابعها الملايير من المشاهدين عبر القارات الخمس، نتائجها تحولت إلى مقياس لمدى تقدم الدول الشعوب، واحتضانها يعد رافدا من الروافد الأساسية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، نظرا لعائداتها المتعددة والمؤثرة، ولهذا السبب نجد أكبر الدول تتنافس لاستضافة دوراتها. تأسست اللجنة الأولمبية الوطنية المغربية في عام 1959، وهي السنة التي اعترفت بها اللجنة الأولمبية الدولية. ليليها بعد ذلك أول ظهور مغربي في هذه الألعاب في دورتها السابعة عشر سنة 1960، حيث كان المغرب على موعد مع تحقيق أول فضية، أحرزها العداء عبد السلام الراضي، في سباق الماراطون، ليبدأ بعدها مسلسل الإنجازات وتوالي نجاحات الرياضيين المغاربة، وخصوصا المزاولين لألعاب القوى منهم. بعد أربع دورات من تتويج الراضي، عاد المغاربة لمنصة التتويج وبقوة، وذلك سنة 1984 بلوس أنجلوس، حيث تمكن كل من نوال المتوكل وسعيد عويطة من تحقيق ميداليتين ذهبيتين في كل من سباقي 400 متر حواجز و5000 متر، ليسجل بعدها حضور مغربي لافت في الدورات اللاحقة، خصوصا وأن المغرب لم يخرج خاوي الوفاض في أي دورة من الدورات الأخيرة. بعد ذهبيتي نوال وعويطة، عاد المغرب ليعانق من جديد الذهب الأولمبي بفضل العداء إبراهيم بوطيب، وكان ذلك في دورة سيول سنة 1988 إلى جانب برونزية سعيد عويطة وأخرى للملاكم عبد الحق عشيق. سنة 1992 ببرشلونة أحرز خالد السكاح ذهبية مسابقة 10000 متر، ليتواصل بهذا الإنجاز الكبير التوهج المغربي على الساحة الأولمبية، ولم يترك العداء رشيد لبصير الفرصة تمر دون تدوين اسمه فائزا بفضية 1500 متر، أضيفت لهما برونزية محمد عشيق في رياضة الملاكمة، وكانت الحصيلة إيجابية... بدورة أتلانتا سنة 1996، كانت الغلة أقل مقارنة مع الدورات السابقة، إذ اكتفى الأبطال المغاربة بإحراز برونزيتين بواسطة كل من العدائين صلاح حيسو وخالد بولامي، مع تسجيل السقوط المدوي الذي تعرض له العداء هشام الكروج خلال المسابقة النهائية لمسافة 1500 متر، وهو السقوط الذي سهل من مهمة الجزائري نور الدين مرسلي، ليتوج بذهبية هذه المسابقة التي تسيدها لسنوات طويلة الأسطورة سعيد عويطة. في دورة سيدني سنة 2000 تمكن علي الزين وإبراهيم لحلافي ونزهة بيدوان، من تحقيق ثلاث برونزيات، بالإضافة لفضية هشام الكروج، هذا الأخير الذي صدم العالم مرة أخرى بعدم تحقيقه الفوز في مسابقة 1500 متر، رغم أنه كان المرشح الأول بدون منازع، لكنه تخلى عن المرتبة الأولى، تاركا الذهبية للعداء الكيني نواه نغيني. حصة ألعاب القوى المغربية بالدورة الأسترالية، أضافت لها الملاكمة نحاسية أخرى، وكانت بواسطة الملاكم الطاهر التمسماني. إلا أن المشاركة المغربية في دورة أثينا سنة 2004 تبقى هي الأكثر تميزا، نظرا للحصيلة النهائية، حيث تمكن هشام الكروج هذه المرة من تحقيق ميداليتين ذهبيتين في كل من سباق 1500 متر و5000 متر، ليطرد سوء الحظ الذي لازمه في الدورتين السابقتين، وجاءت فضية حسناء بنحسي في مسابقة 800 متر لتعزز الحصيلة، مع العلم أن الدورة الأخيرة والتي جرت أحداثها ببكين سنة 2008 عرفت تتويجا مغربيا هي الأخرى، ولكن أقل بريقا، وذلك بميداليتين واحدة فضية وأخرى برونزية، حققهما كل من العداء جواد غريب والعداءة حسناء بنحسي. هذه الحصيلة الذي تضع المغرب ضمن مصاف الدول المتألقة عربيا وإفريقيا، أكدت على علو كعب الرياضيين المغاربة خلال دورات الألعاب الأولمبية، وهي إنجازات افتخر بها كل المغاربة، بل سهروا الليالي لمتابعة أبطال وبطلات رفعوا العلم الوطني خفاقا في أهم محفل رياضي عالمي على الإطلاق. كيف عاش هؤلاء الأبطال الحدث؟ كيف استعدوا للمنافسة على أعلى مستوى؟ كيف خاضوا المباريات أمام خصوم في قمة مستواهم؟ كيف استقبلوا بالمغرب باستقبال الأبطال؟ كل هذه الذكريات الجميلة يقترح عليكم القسم الرياضي لبيان اليوم لحظات لاسترجاعها مع أسماء محفورة في القلب والذاكرة... - 14 - البطلة العالمية نزهة بيدوان تحرز برونزية 400م حواجز بأولمبياد سيدني 2000 يستغلون التنافس بيني وبين هيمينغز.. وبسيدني حصلت على الميدالية التي طالما تمنيتها وانتظرتها كان على المغرب أن ينتظر لبروز اسم بطلة مغربية جديدة في ألعاب القوى، وبالتحديد في سباق 400م حواجز، فمنذ التتويج الأسطوري للبطلة نوال المتوكل بأول ميدالية ذهبية بدورة لوس أنجلس 1984، لم تبرز أي عداءة مغربية في مضامير السباقات، ولم تنجح أي واحدة في صعود منصات التتويج إلى أن هلت دورة سيدني 2000، والتي عرفت إحراز البطلة العالمية نزهة بيدوان للميدالية البرونزية في سباق 400م حواجز. المثير أن بداية بيدوان كانت من رياضة الجمباز قبل أن تقرر إطلاق العنان لقدميها والعدو في سباقات السرعة المتوسطة، حيث كان أول الغيث بتتويجها بطلة لإفريقيا سنة 1990، لتسطع العداءة المغربية في دورة الألعاب العربية بسوريا عام 1992 كنجمة عندما استطاعت إحراز سبع ذهبيات، أما أولمبيا فإن مشاركته بدورة برشلونة لم تكن في حجم طموحاتها، ولو أنها تبقى مشرفة إذ أخذ بعين الاعتبار أنها جاءت في مستهل مشوارها بمضامير السباق. بيدوان تألقت بشكل لافت ببطولة العالم لألعاب القوى، بعدما أحرزت لقبي أثينا 1997 وإدمونتون 2001، وحلت ثانية في بطولة إشبيلية 1999، ولم تفلح في بطولة باريس 2003 بسبب الإصابة، لكن الشيء المؤكد أن إنجازات بيدوان جعلتها آنذاك أول امرأة تفوز بلقبين عالميين في سباق 400م، وكانت لتفعل الكثير لولا تأثير الإصابات المتلاحقة وحياتها العائلية على مسارها الرياضي. بأطلانطا لم تظهر بيدوان نظرا لإصابة ألمت بها في وتر أخيل، وبالتالي فقد كانت أولمبياد سيدني الفرصة المناسبة لتعويض ما فاتها، لتنجح في إضافة لقب بطلة أولمبية إلى سجلها الزاخر بعدما صالت وجالت في بطولات العالم، خاصة أن إنجازها الأولمبي لم يأت مصادفة بل ثمرة مجهودات سنوات من الانتظار والإعداد والترقب تخللتها إنجازات عالمية رفعت راية ألعاب القوى الوطنية عاليا. وما زالت بيدوان إلى الآن غير قادرة على نسيان سقطاتها في الأولمبياد السابقة، حيث كان عليها أن تنتظر إلى دورة 2000 لتنجح في تذوق طعم المعدن الأولمبي، وفي هذا تستحضر العداءة المغربية ذكرياتها قائلة «في برشلونة 1992 خرجت في نصف النهائي، وفي أطلانطا حرمت من المشاركة بسبب الإصابة، وها أنا اليوم أحصد الميدالية التي طالما تمنيتها وانتظرتها». بيدوان تتذكر كيف خاضت السباق، وأن المنافسة كانت محتدمة بينها وبين عداءة جامايكية، ما يؤدي إلى فقدانهما معا للمركز الأول، حيث تقول بيدوان «سيناريو نهائي إشبيلية تكرر اليوم، فالمنافسة في سباق 400 متر حواجز محصورة بيني وبين الجامايكية ديون هيمينغز، لكن في كل مرة تستغل عداءة ما تنافسنا وتستحوذ على المركز الأول». ورغم أن بيدوان قد تفوقت على العداءة الجامايكية في بطولة العالم بأثينا 1997، إلى أنها لم تنجح في ذلك ببطولة العالم بإشبيلية 1999، ليتكرر نفس الأمر بأولمبياد سيدني وعن هذا تقول بيدوان «ركزت في نهائي إشبيلية على هيمينغز، لكن الكوبية برنيا دايمي أحرزت اللقب العالمي، واليوم استغلت بريفالوفا الموقف وانتزعت اللقب الأولمبي». وتعتبر بيدوان أن إنجازها لأولمبي كان قدم سعد على المشاركة المغربية بدورة سيدني، إذ أن برونزيتها كانت الأولى للمغرب تلتها ميداليات لهشام الكروج في 1500م، علي الزين 3000م، إبراهيم لحلافي 5000م، وطاهر تمسماني في وزن الريشة ملاكمة، ويكفي أن بيدوان حققت ميداليتها في أبرز مشاركة مغربية عرفت حصد 6 ميداليات ما بين ذهبية وفضية وبرونزية. تتذكر بيدوان كيف أنها أعادت تكرار ملحمة ملهمتها نوال المتوكل بعد 16 سنة، وكيف أن ساهمت في الرفع من إنجازات المرأة العربية بالأولمبياد، بعدما باتت رابع امرأة تصعد منصات التتويج، خلف مواطنتها نوال المتوكل (ذهبية 400م حواجز في لوس أنجلس 1984)، والجزائرية حسيبة بولمرقة (ذهبية 1500 متر في برشلونة 1992)، والسورية غادة شعاع (ذهبية السباعية في أطلانطا 1996). البطلة العالمية والأولمبية كانت مجبرة على اتخاذ أصعب قرار في حياة أي رياضي، وهو الاعتزال، فبيدوان بعد مشاركة مخيبة للآمال بدورة الألعاب الأولمبية أثينا 2004 كان عليها أن تتخذ القرار الأصعب، وهو ما حصل عندما أعلنت وداعها لمضامير السباق بعد رحلة حافلة بالألقاب والإنجازات على مدار قرابة 15 سنة التألق.