أصبح من المعتاد أن يقف النقد السينمائي المغربي عند كل نهاية سنة ليقدم تقويماً عاماً للسينما المغربية من أجل تحديد أهم القضايا التي أثارتها أو أثيرت حولها، متوقفاً عند أهم الأفلام التي أنتجتها والصدى الذي خلفته سواء لدى النقاد والمهتمين بالشأن الفني المغربي أو عند عموم المشاهدين. كما يقف عند أهم الملتقيات والمهرجانات السينمائية التي اقيمت ومدى مساهمتها في دفع السينما المغربية الى المزيد من التواجد والحضور ليس على المستوى الوطني فحسب بل على المستوى العربي كما على مستوى المشاركة في المهرجانات الإفريقية والدولية... مع الوقوف طبعاً عند كل من العناصر المساهمة في المجال السينمائي وفي مقدمها النقد السينمائي. ولعل أول مهرجان يجب الوقوف عنده وفيه التقويم المعتاد لمستوى الأفلام المغربية لهذه السنة هو المهرجان الوطني للفيلم، حيث نجد حضوراً قوياً للفيلم السينمائي المغربي الوثائقي، وقد تم عكس ذلك في فوز فيلم «أشلاء» للمخرج حكيم بلعباس بالجائزة الكبرى للمهرجان إضافة إلى الأصداء الطيبة التي خلفها في الوسط الثقافي المغربي، وهو فيلم ينحو منحى السيرة الذاتية ويندرج ضمن سينما المؤلف. في حين حصل على جائزة التحكيم الفيلم القوي «النهاية» لهشام العسري. وهو فيلم يمكن إدراجه سواء من حيث التيمة المهيمنة فيه أو من طبيعة الإخراج السينمائي المؤطر له ضمن «سينما ما بعد الحداثة»، لأنه فيلم ذو طابع عالمي، خصوصاً من حيث التقطيع السينمائي الذي اعتمده أو الرؤية السينمائية المتميزة للعالم التي تبناها... في مقابل هذين الفيلمين حتى وإن اختلفا سواء من حيث الطرح الفكري والتقنية الإخراجية، فإن ما يجمع بينهما يتمثل في الرغبة في التجديد وتقديم سينما خاصة ومرتبطة بشخصية المخرج وطريقة تفكيره في الأمور سواء بالنسبة إلى الأمور الذاتية (حكيم بلعباس) أو الأمور العامة (هشام العسري)، وهو أمر مهم يسعى إلى منح السينما الإبداعية المغربية قوة الحضور. وفي إطار التنويع الذي تشهده السينما المغربية، وجدنا في هذه السنة أيضاً حضوراً لكل من سينما الجمهور والذي مثلها هذه السنة بامتياز فيلم «الخطاف» للمخرج سعيد الناصري الذي لا تزال أعماله السينمائية تحظى بإعجاب الجمهور المغربي ويتابعها بكثير من الاهتمام، كما ظهر في فيلم «خمم» للممثل عبد الله فركوس الذي ولج من خلال هذا الفيلم إلى عالم الإخراج. كما عاد كل من المخرجين المعروفين عبدالحق العراقي بفيلم «جناح الهوى»، وهو فيلم مقتبس عن رواية مغربية باللغة الفرنسية «مقاطع مختارة، يوميات متعلمة جزار» للكاتب محمد نيدعلي. وقد أثار الكثير من الجدال حول مسألة العلاقة بين الإبداع الفني والفن الروائي ومدى التكامل بينهما، إضافة إلى مناقشة كيفية التناول الفني التي تناول بها علاقة كل من البطل وعشيقته المتزوجة. ولم تنس السينما المغربية هذه السنة طرح تيمة المرأة، وقد تم ذلك من خلال فيلم «نساء في المرايا» الذي قدمه المخرج سعد الشرايبي متابعاً من خلاله اهتمامه بقضايا المرأة ، كما سبق له أن فعل في فيلمه الشهير «نساء ونساء» ومن خلال فيلم «أكادير بومباي» للمخرجة سلمى بركاش. كما تناولت السينما المغربية تيمة الطفولة من جديد من خلال فيلم «ماجد» للمخرج لنسيم عباسي. من هنا يتبين لنا أن السينما المغربية قد حرصت هذه السنة على التنويع سواء من حيث المواضيع المطروحة أو حتى من حيث طرائق التناول. أما في خصوص باقي الملتقيات والمهرجانات السينمائية المغربية الأخرى فقد حرصت على التواجد في هذه السنة في شكل مستمر، كما بدأت خصوصاً الملتقيات السينمائيات على نشر الكتب السينمائية التي تكون في الغالب تجميعاً للندوة الرئيسة فيها. وهي عملية ثقافية مهمة، فقد أصبح الكتاب السينمائي في تزايد مطرد، كما ساهمت هذه الكتب خصوصاً في دفع الشباب الجامعي إلى الاهتمام بالمجال السينمائي والحرص على الاشتغال العلمي فيه. أفلام قصيرة تألقت هذه السنة أفلام سينمائية قصيرة استطاعت أن تحقق لها تواجداً قوياً سواء على مستوى المتابعة الإعلامية أو على مستوى مشاركتها في المهرجات الوطنية والقارية والدولية، وقد استطاع فيلم «حياة قصيرة» لعادل الفاضلي الذي فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم في دورته الأخيرة 12 أن يفرض حضوره وأن يؤكد هذا التميز الإبداعي حيث فاز كذلك بمجموعة من الجوائز الأخرى خارج الوطن مثل الجائزة الكبرى لمهرجان مالمو السينمائي للأفلام العربية. كما تميز الفيلم القصير «كليك وديكليك» للمخرج والناقد السينمائي عبد الإله الجواهري بطريقة تناوله الفنية لدور الصورة في الحياة الإنسانية وعلاقة الإنسان بصورته الشخصية. إضافة إلى أفلام سينمائية مغربية قصيرة «القرقوبي» لقيس زينون وفيلم «المنحوتة» «للمخرج مراد الخوضي وفيلم «باسم والدي» للمخرج عبد الإله زيراط. وفي خصوص النقد السينمائي تزايد عدد النقاد المهتمين بالمجال السينمائي، وتنوع النقد بين النقد السينمائي الأكاديمي الذي يصدر في كتب تكون في الغالب موجهة الى الباحثين وطلاب الجامعات والمعاهد المهتمة بالسينما في شكل خاص أو بمجال السمعي البصري في شكل عام، وبين النقد الصحافي المتابع للأفلام بمثابرة قوية وتنوعه بين النقد الانطباعي وبين النقد التحليلي والنقد الموضوعاتي، على رغم غياب صفحات خاصة بالسينما في الصحف المغربية كما كان في السابق. هذا من دون أن ننسى وجود مجلات سينمائية هامة ساهمت وتساهم في مناقشة المجال السينمائي المغربي والوقوف عند أهم الأفلام السينمائية المغربية. وهي ظاهرة صحية على رغم توقف بعض هذه المجلات عن إصدار أعداد منها. أحسن فيلم وقد اختارت الجمعية المغربية لنقاد السينما في الدورة 12 للمهرجان الوطني للفيلم، شريط «أشلاء» للمخرج حكيم بلعباس بوصفه افضل افلام العام نظراً «للقيمة الفنية الكبيرة التي تميز بها». وهو ما تم تأكيده أيضاً وهو يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان. وكعادتي كل سنة، أختار هنا عن طيب خاطر فيلماً سينمائياً مغربياً، يكون غير الفيلم الذي تم الاتفاق حوله، حرصاً على التنوع ليس إلا، أجعله فيلم السنة وأكتب عنه، وقد وقع اختياري هذه السنة على فيلم «النهاية» للمخرج الشاب هشام العسري. في شكل عام مثلت السينما المغربية في السنوات الأخيرة ظاهرة ثقافية مغربية بامتياز وهو ما تم تأكيده هذه السنة أيضاً، فقد استطاعت هذه السينما أن تفرض نفسها على المشهد الثقافي المغربي سواء من حيث التأثير الذي تخلفه الأفلام التي تقدمها مع اختلاف الآراء حولها ككل ظاهرة ثقافية حية وموجودة بقوة، خصوصاً مع تزايد وتيرة الإنتاج فيها وتنوع المواضيع التي تطرحها. وهو أمر صحي ينم على أهمية السينما والدور الذي تستطيع أن تلعبه في مجال الحياة الثقافية والاجتماعية على حد سواء.