راصد التفاصيل الصغيرة والمعبر عن هموم الناس البسطاء شكل الاحتفاء بالزجال محمد بنعيسى الذي نظم مؤخرا بمكناس لحظة قوية وعرسا حقيقيا من أعراس الشعر أضاءتها نور الكلمات التي تمتح من حديقة الزجل بكل حمولته الرمزية. وفي جلسة طبعتها الحميمية، عبر حضور أصدقاء المحتفى به، والتي نشطتها الشاعرة نعيمة زايد، تم الاحتفال بإبداعات الزجال بنعيسى التي ترصد التفاصيل الصغيرة وتعبر عن هموم الناس البسطاء بلغة زاهية ساخرة مشحونة بالأمثال الشعبية الرصينة التي تجد صداها في الموروث الشعبي الغني. وفي البداية انطلق صوت الشاعرة زايد بكلمات في حق الزجال بنعيسى مفادها «يفوح العطر بأرجائنا على المدينة.. جينما تكتسي أقدامها زي الفرح ..يولد بيننا شاعر.. إنه محمد بنعيسى صاحب ديوان (قاع وردة)» قبل أن تترك المجال لأصدقاء المحتفى به. وتناول الكلمة الناقد بنعيسى بوحمالة، الذي وصف اللحظة بالممتعة خاصة وأنها تحتفي بشاعر وبتجربته الكتابية مقدما إضاءات عبرت بالحضور في سراديب الكتابةالزجلية. ويرى بوحمالة أن شعرية الزجل تنشطر بين الدارجة والعربية الفصحى بفعل التقلبات التي عرفتها المجتمعات العربية، مشيرا إلى أنه في العصر الجاهلي لم تكن هناك مسافة بين المنطوق والمقول بين الناس، وهو ما توقف عند فجر الاستقلالات في الوطن العربي حيث ستطرح نسبيا مسألة الكتابة بالعامية خاصة في مصر والعراق وبعدها المغرب مما أثار سجالات عدة لم تمنع من اعتناق كل فريق لقناعاته. وأكد أن التجربة المغربية تليدة ووليدة خلقت أسماء كبيرة في تراثنا الثقافي كسيدي عبد الرحمان المجدوب الذي ألقت تجربته بظلالها على تجربة الزجال بنعيسى. وأضاف أن أسماء كثيرة بالمغرب تكتب بالدارجة وتنتمي إلى هذه التجربة روحيا وجماليا في رؤية موحدة حول مواضيع «المرأة، الوطن، اليومي...»، معتبرا أن محمد بنعيسى ابن شرعي لهذا المناخ وتجربته بمثابة عتبات تسهل الولوج إلى عمقه رغم أنه مقل، والقلة لا يمكن أن تأخذ مأخذا سلبيا لأن الإقلال ملمح استثنائي في مسار العديد من الشعراء الكبار حسب بوحمالة. أما الناقد محمد عفط، فابرز أن أعمال الزجال بنعيسى تتميز بحمولة شعرية فنية وثراء دلالي يعبر عنه في ديوانه «قاع وردة»، الذي يجعل القارئ يتلذذ بقراءة القصائد والإنصات لصوت شعري يأتي واضحا وجميلا. واعتبر أن أشعار بنعيسى تبين أن اختيار الكلام أصعب من كتابته، وأن الكاتب حرص على أن يكون إضافة في المشهد الثقافي، وتمكن من أن يمنح التجربة الشعرية خصوصيتها وحقق إمتاعا لدى القارئ، مستثمرا الدارجة المغربية. ويرى أن الزجل لدى بنعيسى ليس اختيارا جماليا متداولا بل استرجاع واعي لجمالية اللغة مما جعل من ديوان «قاع وردة» معرض حياة متجددة، وحقل غني يقدم صدى الذاكرة بحياة نابضة بالمعنى وتنفتح على أقاص متعددة ورحبة يتداخل فيها الظاهر مع الخفي والماضي مع الحاضر. وتقوم أعمال المحتفى به -حسب عفط - على تفريخ الدلالات وهذا ما أكسبه صوتا خاصا يمنح الزجل قدرة كبيرة تجمع بين متباعدات واستعارات جميلة، وتبرز مفارقات تحكم المشهد الاجتماعي الأكثر إيلاما، فالديوان يمنح القارئ اكتشاف اللغة الدارجة التي كتبها الشاعر بحصافة وجدية، وهو بذلك لا ينوب عن الآخرين بل يتفاعل معهم. أما الشاعر علال الحجام فاعتبر أن تجربة الزجال بنعيسى الذي يعد من أعذب الأصوات في المغرب، يؤكده تحليقه العالي بقوله وأشعاره، مشيرا إلى أن بنعيسى يؤمن بالحرية ولكن بالحرية الوجودية المتروضة بالمسؤولية لئلا تغدو استهتارا. واستحضر الحجام مختلف المحطات التي جمعته بالزجال بنعيسى «الصديق والشاعر والإنسان» المميز بكرمه وأخلاقه العالية علو كعبه الشعري وبشخصيته المنسجمة مع الصور التي يشكلها معيشه، مشيرا إلى أن بيته ظل محجا للمثقفين المغاربة والأجانب، وشهد سجالات ونقاشات وأمسيات احتفت بالشعر وبالموسيقى. وقرأ الزجال بنعيسى في آخر هذا اللقاء الذي نظمته جمعية الأفق التربوي بمكناس بتعاون مع المديرية الجهوية للثقافة في إطار فعاليات المعرض الجهوي للكتاب في نسخته الثانية، عددا من قصائده الزجلية المنتقاة من ديوانه «قاع وردة» الذي يحمل اسم أحد أحياء مكناس العتيقة إلى جانب قراءات شعرية لكل من محمد النصرافي ومحمد شنوف. وقد تغنى بقصائد بنعيسى عدد من الفرق الغيوانية خاصة منها مجموعتي جيل جيلالة، و»هوارة».