عناوين عامة لورش هام يظل موضوع إصلاح القضاء يشكل أحد أبرز انشغالات جل الأحزاب السياسية. لقد برز ذلك في برامج الأحزاب التي طرحت بمناسبة الانتخابات التشريعية ليوم 25 نوفمبر الجاري، حيث اهتمت بموضوع القضاء كورش إصلاحي هام، تحت عناوين عامة، وإن كانت غالبيتها لم تطرح بشكل مستفيض أفكارها وتصوراتها بشأن هذه الإصلاحات. ولعل المواد المتقدمة التي تضمنها دستور يوليوز 2011 بشأن السلطة القضائية وعلاقتها بباقي السلطات، واستقلاليتها وضمانات وآليات تحقيق ذلك، جعل الموضوع رغم ضرورته الملحة يطرح في بعض برامج الأحزاب على هذا المنوال تاركا الناخب متعطشا لمعرفة المزيد حول هذا الورش الإصلاحي الكبير الذي سيظل مفتوحا على الأقل خلال الولاية التشريعية المقبلة. حزب العدالة والتنمية،الذي احتل المرتبة الأولى، وعين جلالة الملك أمينه العام من أجل تشكيل الحكومة، قدم في برنامجه الانتخابي عناصر لتأهيل القضاء، تستند على تطوير المنظومة التشريعية للسلطة القضائية عبر إخراج القوانين التنظيمية والعادية المتعلقة بالقضاء وفق منهجية تشاركية وتأويل ديموقراطي لأحكام الدستور، وتنويع وسائل معالجة النزاعات بإرساء نظام العدالة التصالحية والتحكيمية وتعزيزه ليشمل مختلف النزاعات. كما ركز الحزب في برنامجه على التشجيع على إحداث مؤسسات خاصة بالتحكيم في مجالات التجارة والأعمال والمال، وربطها بمؤسسات التحكيم الدولية ذات الصلة. ويؤكد كذلك على ضرورة توفير شروط النزاهة عبر تكثيف مهام التفتيش الإداري والقضائي وحماية وتشجيع التبليغ عن أفعال الفساد، وتحفيز المؤسسات المدنية العاملة في مجال دعم نزاهة القضاء. ومن بين الإجراءات الأخرى التي يتضمنها برنامج حزب العدالة والتنمية الرفع من فعالية القضاء عبر تعزيز مهنية القضاء النوعي والتعجيل بمؤسسة تكوين المحامين، وتحديث الاطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية. من جانبه وضع حزب الاستقلال، في برنامجه، كهدف رئيسي خلال الولاية التشريعية المقبلة «التنزيل الديموقراطي للدستور الجديد في شقيه الحكامة والمواطنة». ووضع ورش القضاء ضمن «مربع استراتيجي» للإصلاحات الأساسية يشمل أيضا التعليم والصحة والإدارة. كما أكد الحزب أهمية إصلاح القضاء وعلاقته بالتنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بالعمل على أن يواكب النظام القضائي حاجيات التنمية الاقتصادية، وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار. وفي السياق ذاته يتحدث برنامج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن «تسريع وتيرة ورش إصلاح القضاء لضمان استقلاليته الفعلية عن باقي السلطات ومختلف المؤثرات والرفع من مردوديته العامة ونجاعته، وتحسين أساليب الولوج الى مهنة القضاء والتكوين وإصلاح كافة المهن المرتبطة بالعدالة». كما يتطرق البرنامج لتحسين بنيات استقبال المتقاضين والتعجيل بالبت في القضايا المعروضة على المحاكم وايلاء العناية القصوى للعنصر البشري العامل في مجال العدالة سواء من حيث التكوين او التأهيل او الارتقاء المهني. وأكد حزب التقدم والاشتراكية في برنامج الانتخابي على ضرورة ضمان الولوج إلى قضاء فعال، من خلال بدل المجهود الضروري لتحديث النظام القضائي وتكوين الموارد البشرية من قضاة وباقي المهن المساعدة للعدالة، وكذا إنشاء قضاء متخصص في المجال الاقتصادي. ويعتبر الحزب، أن العدالة تمثل نظاما لتسيير المجنمع على قاعدة الانصاف والمبادئ الخلقية، وتؤهل الفرد ليحترم الأخر، وتعني في مظهرها القانوني السلطة المكلفة داخل مجتمع معين بضبط الحق والحسم في النزاعات. وفي وثائقه، يوضح الحزب أن المغرب عرف عدالة تعتمد على الفكر الشرعي الاسلامي في نظامه السياسي، وعدالة تعتمد على القانون العبري تطبق على المغاربة اليهود، وعرف في نفس الوقت عدالة تعتمد مفهوم القانون أو العرف.كلها تمارس باسم الملك، سواء كانت تستنبط معاييرها القانونية من الدين أو من القانون. ومقابل هذا،تؤكد وثائق الحزب أن دولة القانون تعتبر مفهوما يحدد المعنى الحديث للدولة، والذي يدل على ضمان الحريات العامة،و يعني احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية بواسطة آليات الحماية القانونية. وتعتبر السلطات السياسية داخل هذا النظام نفسه خاضعة لواجب احترام القانون. وفي مقترحاتها حول اصلاح القضاء، يعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن اصلاح القضاء ليس مسألة مادية تنحصر في البنايات والتجهيز والتشغيل والتحديث، بل هو اصلاح سياسي بامتياز يبين اختيارات الدولة في النظام القضائي المناسب الذي يسعى إلى ترسيخ دولة القانون. من جهة أخرى عرض الاتحاد الدستوري في برنامجه بعض ما يراه أساسيا في عملية الإصلاح تلك حيث يعد بالتركيز على «محاربة الفساد داخل الجهاز القضائي». ويضيف الحزب في برنامجه بأنه سيحرص على استقلالية القضاء ونزاهة القضاة، ومنع تدخل السلطات الاخرى التشريعية والتنفيذية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، في القضايا والملفات المعروضة على القضاة، سواء كان هذا التدخل مباشرا، أو غير مباشر. كما يؤكد الحزب على الإنصاف والمساواة أمام المحاكم إن على مستوى مختلف المراحل التي تمر منها القضية أمام القضاء، أوعلى مستوى النطق بالإحكام، ومعاقبة القضاة في حال ارتكابهم لأخطاء مهنية وكذلك متابعة تنفيذ الأحكام القضائية. ومن بين الإجراءات الأخرى التي يقترحها الحزب توسيع اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء وتكوين القضاة بأعداد كافية وبتخصصات تغطي كل مناحي الحياة الخاصة والعامة والمهنية والسوسيو اقتصادية مع تشجيع التخصص داخل كل محكمة لتطوير المردود القضائي وتكوين المساعدين القضائيين لمواكبة التحديث الإداري داخل سلك القضاء وتيسير الولوج الى المعلومة القانونية والقضائية وترشيد نظام معالجة الملفات وفق مبدأ التخصص. أما حزب جبهة القوى الديموقراطية فقد أبرز اهتمامه «بالورش التشريعي التأسيسي والتنظيمي لاستقلالية السلطة القضائية وتطوير المنظومة القانونية التي تشكل أساس التقاضي وضمان الحقوق والحريات». وتتقاطع مختلف هذه العناوين الكبرى للإصلاح مع الحركية التي شهدها المجتمع المغربي بالخصوص خلال السنوات العشر الأخيرة المطالبة باستقلالية كاملة للسلطة القضائية وإصلاح القطاع ومحاربة ما يعرفه من فساد وبطء، وتقويته ليكون صمام أمان المجتمع وضامنا للحقوق. وما يجعل هذا الورش محتفظا براهنيته ومطروحا بحدة وإلحاح شديدين في ظل بطء وتعثر إجراءات تطبيق إصلاح هذا القطاع هو كون الولاية التشريعية المقبلة سيكون عليها إصدار التشريعات الضرورية لتنزيل مواد الدستور الجديد في شق القضاء.