تشهد مختلف المحاكم حركية متميزة، في بداية الموسم الجديد وبعد انتهاء العطلة القضائية. في عدة محاكم تواصلت لقاءات المسؤولين القضائيين مع مختلف المصالح التابعة لهم بغاية بلورة ما بات يعرف التنزيل الأمثل للقوانين المتعلقة بتنظيم قضاء القرب والتنظيم القضائي للمملكة وقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية. وفي بعض المدن، عقد مسؤولون قضائيون لقاءات مع وسائل اعلام لتأكيد أهمية الانفتاح على المحيط الخارجي للمحاكم بما فيه الانفتاح على الصحافة بغية تنوير الرأي العام الوطني بأهمية تقديم منتوج قضائي جديد، كما جرى التذكير بسياقات اعتماد خريطة وتنظيم قضائي عقلاني يستجيب لمتطلبات الإصلاح. وجاءت هذه الحركية، التي يتطلع المتتبعون أن تعيد الثقة للمتقاضين ولعموم المغاربة، في ضوء الحملة التي دشنها مؤخرا وزير العدل محمد الناصري،بدأها بالاجتماع مع مسؤولي قطاع العدل ومن خلال ندوة ندوة صحفية نظمتها الوزارة لعرض الحصيلة الأولية لورش إصلاح القضاء بمناسبة الذكرى الثانية للخطاب الملكي ل20 غشت 2009 بشأن الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة. ويذكر أن القوانين الجديدة المتعلقة بقضاء القرب والتنظيم القضائي للمملكة، التي صادق عليها البرلمان في دورته الأخيرة، تتوخى تقريب القضاء من المتقاضين، وتخفيف الضغط على محاكم الاستئناف. وأوضح الوزير خلال الاجتماعات المذكورة، التي تدخل في إطار التهييئ للشروع في تنفيذ القوانين المتعلقة بقضاء القرب، والتنظيم القضائي للمملكة، أن إحداث غرف استئنافات على مستوى المحاكم الابتدائية، تختص بالنظر في بعض الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عنها ابتدائيا، سيساهم في تقريب القضاء من المتقاضين، سيما بالنسبة للمحاكم الابتدائية البعيدة مقارها عن مقار محاكم الاستئناف. كما أفاد أن هذه القوانين تروم إدخال تعديلات جوهرية على بعض مكونات التنظيم القضائي للمملكة، في سياق اعتماد خريطة وتنظيم قضائي عقلاني يستجيب لمتطلبات الإصلاح. وأشار إلى أن هذه التعديلات تتعلق، على الخصوص، بإحداث أقسام لقضاء القرب بالمحاكم الابتدائية ومراكز القضاة المقيمين، كجهة قضائية محترفة مؤهلة لمعالجة المنازعات والمخالفات البسيطة، وفق مسطرة مبسطة، مع تيسير سبل التبليغ والتنفيذ، بما يحقق تقريب القضاء من المتقاضين. كما تتعلق هذه التعديلات بخلق إمكانية لتصنيف المحاكم الابتدائية، حسب نوعية القضايا، التي تخص بالنظر فيها إلى محاكم ابتدائية مدنية، ومحاكم ابتدائية اجتماعية، ومحاكم ابتدائية زجرية. ويروه هذا التعديل تحقيق مردودية أكبر، سيما بالنسبة للمحاكم الابتدائية الكبرى، على عدة مستويات، كتوحيد الإجراءات، وتبسيط المساطر، وتنظيم سير العمل بهذه المحاكم، وضمان التكوين الجيد لفائدة الأطر القضائية والإدارية العاملة بها، إلى جانب توحيد الاجتهاد القضائي، إضافة إلى تسريع البت في القضايا، وتبسيط إجراءات التقاضي، والتحكم في سير الجلسات، وتقوية الشعور بالمسؤولية. وبموجب تلك القوانين سيتم إحداث أقسام متخصصة في الجرائم المالية ببعض محاكم الاستئناف، بغية النظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول من 241 إلى 256 من القانون الجنائي، والمتعلقة بالرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ والغدر، وكذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها. ويرى المهتمون بالشأن القضائي أن المحك الحقيقي لهذا الإصلاح الجوهري، كما ورد في خطاب ملكي، لايكمن في مجرد وضعه، وإنما في القدرة على حسن تفعيله وتدبيره.