صلاة سأسقي شجرة البرتقال في الثالثة فجرا، صياح الدّيكة يأتي ناعما، نباح كلاب بعيدة في حي هادئ يأتي قاطعا صمت الليل بمنشار الأشجار تملأ حديقة المنزل سأسقي شجرة اللوز أولا، سأسقي أعواد القرنفل، لكنّ شجرة البرتقال سأسقيها في الثالثة فجرا ! غزلٌ لا تقفي مكتوفة اليدين فأسناني تصطكّ، يجب أن تفعلي شيئا، إذا رأيت مخالب بيضاء ناصعة فهي بعض أشجار صنوبر تتضاحك من فرط الشهوة، إذا رأيت عصافير طائرة من أقفاص فهي بلا شكّ زقزقة نهر مبتلّ بدم الأعوام لكن شكرا لأنكِ تقفين جذلى مثل مسمارٍ في حلقي! أسئلة حمقاء لماذا صدّقت أنّ لليل غرفة جلوس ومخاوف؟ لماذا صدّقت أنّ للنهار عربة حوذيّ؟ لماذا لم تقفي مذعورة لموت كلب سائب قتلته رصاصة شرطيّ؟ لماذا عرفت أنّ جنديا كان فزّاعة طيور؟ لماذا أصبحت غزالا أطلسيا شاردا؟ لماذا كنت ذئبا بحريا وأكلت شياه الراعي؟ لماذا صارت أسماك البحر أشجارا تثغو؟ فِيلمٌ إنهما عاشقان... لا... لا.... هما ليسا عاشقين ! الحصى يتساقط فوق الأشجار والأغصان تتمزّق، العاشقة الصغيرة تطأطئ القلب وحيدة وأصابعها تتلوّى مثل ثعبان جميل، لا...لا.. إنها تتشابك مثل قوس قزح مقطوع. في التلفاز ثمّة نهر يمرّ فوقه العابرون، البدلات الزرقاء تطاردها طائرة مرّت عاليا، الآخرون بكلابهم يبحثون عن سيقان مجروحة دوما ثمة بنادق وكلاب وجنود. هنا المقهى الذي أشرب فيه قهوتي وحيداً ليس ثمة بنادق وكلاب وجنود. ثمّة مياه تحترق، ثمّة أياد مقطوعة لن أقرأ أحدا منهم، سأقرأ امرأة تحمل طفلها أمامها، سأقرأ ليل الجلادين، سأقرأ رسائل الأصدقاء، سأقرأ المطر وأنا، مساءً، أنقر بأصابعي على طاولتي! صباح الحدائق المعلّقة لم يكن يحنّ إلى سيف أو رمح، لم يكن يحنّ إلى خيل أو ليال داكنة، لم يكن يحنّ إلى رمال في الصحراء، المسكين لا يعرف خطوط الرّمل لا يعرف أفعى تقف برأس قائظ، كان يدرك أنّ أصابعه قد أصابتها لعنة من السماء، وأنّ لحاء الشّجر يفيد اللون الأزرق. كان المسكين لا يعرف أنّ للنّيران بطنا كبيرة وأشياء إمبرياليّة إلى حدّ مدهش حيث تتحوّل الأوراق إلى فذلكة سمجة بين أكثر من جندي تحت شجرة في الليل. حيث الأصابع في طقطقتها الخضراء ليست سوى ريح، ليست سوى زقزقةِ عصافيرَ تلعلع غائصةًً في أزرقَ فَتَّانٍ... لكن كم يلزم الأبيضَ البدائيَّ من ضربة طبل؟ كم يلزم الأزرق المأخوذ بنهايته من حوافر خيول أتعبها الموج؟ ** اغفر لي أنني ملأت الحديقة بأشجار برتقال وأنك ملأت القلوب بمنازل قديمة تثير الرّيح بلسانها الأحمر، اغفر لي أنّك ملأت الأرض بالخيل والرّماح، وأنني نزولا عند رغبة دود الحرير ملأت الأرض بأشجار التّوت، وسكبت في الصّباح ماءً على أشجار أخرى سمّها ما شئت. سميتها - أنا- مثلا : أشجار اللوز! اغفرلي أنك زرعت أوتادا، وبنيت لضيوفك خيمة تقف في وجه الريح، ثم قدّمت لهم عشاء من لبن الماعز، وأنني بنيت لهم بيتا من زجاج صقيل، وقدمت لهم عشاء من سمك السّلمون وغلال البحر وأنك فرشت لهم جلودا دافئة وغطّيتهم بشيء من وبر النوق. وأنني فرشت لهم وردة حنوّ غامض وغطّيتهم بشيء من هتاف النسيان وقهقهة البرق ليناموا قليلا... اغفر لي أنك تزوجت كاعبا عربيّة ألطف من صوف مغسول بماء البحر فجرا، وأنني تزوجتُ امرأة من برابرة الشمال، أبسط من ورق النعناع -هي- وفوق جدائلها ريشات بيض. ليكن أنك وردة رمل، لم تلمسها عقرب صيف ذهبية. وليكن أنني فرس بحريّ يحرث الماء... ليكن أنك كنت تصلّي وأنا أرسل البرقيّات وقوس قزح في الضّباب... عندما كنّا طفلين صغيرين جدّا كنّا نشترك في لعبة إغماض العينين!