قبل بضع سنوات صادق البرلمان على تعديل القانون الجنائي، من خلال تجريم التحرش الجنسي بمختلف أنواعه وأشكاله، وتنفست الجمعيات النسائية الصعداء بعد نضالات كثيرة خاضتها لإخراج هذا النص التشريعي إلى الوجود، والذي يشمل مقتضيات قانونية لزجر مثل هذه الممارسات التي تستفحل في المجتمع المغربي. إلا أن هذا المتنفس سرعان ما تحول إلى انتظار دام زهاء سنتين على الأقل، دخل معها مشروع قانون حول العنف الزوجي يتضمن مقتضيات لزجر التحرش الجنسي، دائرة النسيان، رغم أنه ينص على عقوبات زجرية يمكنها الحد من انتشار واستفحال هذه الظاهرة المشينة. ويتضمن المشروع عقوبات حبسية تتراوح من شهر إلى سنتين سجنا، والغرامة ما بين 1200 إلى 2000 درهم. وكان الفضل في الدفاع عن إدراج مشروع القانون هذا يعود لوزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، نزهة الصقلي، في إطار مشروع متكامل يشمل إصدار منظومة قانونية لمحاربة العنف ضد المرأة، ومحاربة الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، وبالتالي النهوض بأوضاعها لتتبوأ المكانة التي تستحقها كنصف المجتمع. وقالت نزهة الصقلي في اتصال أجرته معها بيان اليوم إن هناك مقتضيات تجرم ظاهرة التحرش الجنسي في مدونة الشغل، غير أن هذه المقتضيات تظل محتشمة، كما أن القانون الجنائي المغربي بدوره يتضمن مقتضيات تجرم العنف الزوجي بكل أشكاله. وأضافت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، أن هناك مشروعين في إطار محاربة العنف ضد المرأة، يتعلق الأول بتعديل القانون الجنائي، والثاني بإصدار قانون تجريم العنف الزوجي اللذين سيتضمنان بالتأكيد مقتضيات لمحاربة ظاهرة التحرش الجنسي التي تستهدف المرأة. ومن جهتها أكدت نزهة العلوي، النائبة البرلمانية ومنسقة شبكة نساء من أجل نساء، أن محاربة ظاهرة التحرش الجنسي في المغرب يتقاسمها رأيان، الأول يرى فقط بتعديل مقتضيات القانون الجنائي ليشمل تجريم هذه الظاهرة، والثاني يرى أنه من الضروري وجود قانون إطار لمحاربة كل أشكال العنف ضد النساء. واعتبرت نزهة العلوي في تصريح لبيان اليوم أن ما يتضمنه القانون الجنائي المعمول به ومدونة الشغل لا يكفي لوحده من أجل الحد من هذا السلوك المشين؛ وبالتالي فإنه لا بد من وجود مقتضيات واضحة لتجريم التحرش الجنسي. غير أن اتخاذ هذا المشروع طريقه إلى المسطرة العادية للمصادقة لازالت تعترضها بعض الصعوبات، ولا يزال المشروع حبيس أدراج الأمانة العامة للحكومة التي لا تريد الإفراج عنه، مثله مثل العديد من النصوص القانونية التي لاتزال مجمدة في رفوف الأمانة العامة للحكومة. وأكدت نزهة الصقلي أن موضوع محاربة كل أشكال العنف ضد المرأة ورش مفتوح، ينتظر أن يأخذ مساره في مسطرة المصادقة، مشيرة إلى أن مشروع تعديل القانون الجنائي تدبره وزارة العدل. وقالت طبعا حالما تنهي وزارة العدل مشروعها ستعرضه على وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن للاستشارة وإبداء الرأي حوله. ويتضمن المشروع الذي لا يزال يراوح مكانه، بالإضافة إلى العقوبات الزجرية، تحديد المفهوم الدقيق للتحرش الجنسي، لإخراج هذه الظاهرة من دائرة المفاهيم الفضفاضة التي كانت تحد من زجر المتورطين أو حتى إثبات التهم ضدهم، إما من خلال المعاكسة أو من خلال التحرش بالنساء في الطريق العام، سواء بالألفاظ أو باللمس. كما يتضمن أيضا وسائل إثبات الفعل والمسطرة القانونية الواجب اتباعها في مثل هذه الحالات. واعتبرت نزهة العلوي أن موضوع وسائل الإثبات القانونية فيما يخص التحرش الجنسي موضوع ذو أهمية بالغة لتفادي المشاكل التي تعترض إثبات العنف ضد المرأة. مضيفة أن وسائل إثبات الوقائع يمكن أن تشكل عرقلة لتطبيق القانون، خصوصا أمام احتمال التقليل أو تبخيس اللجوء إلى القضاء من طرف الضحايا، ونظرة المجتمع إليهن. ويشمل هذا المشروع، الذي يدخل ضمن ترسانة متكاملة في إطار المنظومة القانونية الرامية إلى محاربة العنف ضد المرأة، ومعالجتها وفق مقاربة شمولية ومندمجة تنخرط فيها السلطات العمومية والنسيج الجمعوي تفعيلا للخطة الإجرائية للإستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف، (يشمل) بنودا تجرم معاكسة النساء في الشارع العام وأماكن العمل، وتنص على عقوبات بالحبس والغرامة المالية ضد كل من يثبت قيامه بهذه الأعمال. وينص المشروع على عقوبات حبسية تتراوح ما بن شهرين وسنتين حبسا نافذا وغرامة ما بين 1200 و2000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين في حق كل من ثبت قيامه بجنحة التحرش الجنسي في حق امرأة، إما بالمعاكسة أو اللمس أو التلفظ بألفاظ تدخل في إطار التحرش الجنسي. وترفع العقوبة إذا كان مرتكبها يتوفر على سلطة على الضحية، ويدخل في هذا الإطار ممثلو السلطة ورجال الأمن، ومدراء المؤسسات والشركات والدوائر الإدارية، أو كل شخص يستعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى لأغراض ذات طبيعة جنسية مستغلا السلطة التي تمنحها له مهامه. حيث ينص القانون على معاقبة كل شخص، امرأة كان أو رجلا، بالحبس من سنة إلى سنتين، وغرامة مالية تتراوح ما بين 5 آلاف درهم و50 ألف درهم، إذا ما ثبت تورطه في جريمة التحرش الجنسي. ويحدد المشروع بدقة «التحرش الجنسي» باعتباره كل فعل ذي خلفية جنسية بدء بإصدار كلمات وتلميحات بسيطة، مرورا بالمضايقات الفعلية، التي من الممكن أن تتضمن ألفاظا ماجنة، وصولا إلى السلوكات ذات الحمولة الجنسية. وإذا كان المشروع يسعى إلى تحديد مدقق لأشكال التحرش الجنسي، فإن ذلك يعود، حسب نزهة العلوي، إلى التقدم على مستوى القانون الجنائي، الذي يحدد بدقة كل أشكال العنف الزوجي الممارس في حق المرأة. وتشير الإحصائيات المتوفرة إلى أن مسألة التحرش الجنسي تحتل المرتبة الأولى في قضايا الاعتداءات الجنسية بمقرات العمل. ولا تنفك نسبة ضحايا التحرش ترتفع في المجتمع المغربي، سواء بالأماكن العمومية أو في مقرات العمل، وأغلب هؤلاء الضحايا من خادمات البيوت، ومن المستخدمات، ولا تستثني هذه الظاهرة الموظفات أيضا. وتتضمن مختلف النصوص التشريعية مقتضيات لزجر ظاهرة التحرش الجنسي، سواء القانون الجنائي أو مدونة الشغل، لحماية النساء من العنف الممارس في حقهن، وينص القانون الجنائي على أن إثبات جريمة التحرش الجنسي يتم بمختلف وسائل الإثبات الممكنة في الميدان الجنائي، ويعاقب القانون على هذه الجريمة سواء كانت المرأة ضحية أو مشتكى بها، ويشترط أن يستغل المتحرش سلطته على الضحية لأغراض ذات طبيعة جنسية. كما تتضمن مدونة الشغل أيضا مقتضيات لتجريم جريمة التحرش في حق المرأة المشغلة من طرف مشغلها.