حتى لا ننساق وراء كل طرح أو سياق يراد منه خدمة أجندات خارجية، بإهمال لغاتنا الرسمية (العربية والأمازيغية).. وحتى نستوعب أن الصحيح لن يصح إلا ببصمة وطعم الجذور والبذور المغربية الأصيلة.. وحيث لا يمكن تحقيق التواصل الحقيقي والصادق إلا باعتماد اللغات الأم التي تستريح لها الألسن وتدركها الأحاسيس.. علينا مراجعة قراراتنا وقناعاتنا بخصوص الاهتمام الزائد بلغة فرنسية لم تعد تغذي حتى شعوبها، ولم تعد منتجة للعلوم والتكنولوجيا. لابد إذن من مراجعة وتقييم انحرافنا اللغوي، والتصدي لما يصدر من لغو وغوغاء وتهجم أضر باللغة العربية. بالأمس كانت حروف وكلمات اللغة العربية تستمد شرعيتها ومرجعيتها من القرآن الكريم، وكانت تغذي العرب والعجم، مما جاد به أدباؤها وباحثوها وعلماؤها وفقهاؤها. واليوم تنكر لها روادها، فركبت على حروفها كل دواب الأرض.. وألبست لباس العجز والقصور والتقادم و… وأطعمت بكلمات دخيلة، ومفاهيم عليلة… وخصوصا بعد أن غاب الحرص الشديد على حركات كلماتها (الفتحة، الضمة، الكسرة، السكون)، وتلويناتها ومشتقاتها ومصادرها. بل بدأت تطل علينا شخصيات عمومية من أعلى مناصب المسؤولية في البلاد، لا تفقه شيئا في اللغة العربية. بعضها في مراتب سامية (وزير أو سفير أو ..)، لا تخجل بالحديث بلغات أجنبية في المحافل الوطنية والدولية. وهذا يشعرنا نحن المغاربة باليأس والإحباط والغبن والإهانة. سبق أن تم عرض مشروع بمجلس النواب المنتهية ولايته، من أجل إنعاش وترسيخ اللغة العربية في الحياة العامة للمغاربة، وحمايتها من الكلمات الدخيلة.. تحدث المشروع عن ضرورة إحداث أكاديمية ومعاهد وشعب تعليمية وتكوينية باللغة العربية.. وتخيل القارئ بين سطور أهداف ومرامي المشروع أن الأمر يتعلق بلغة جديدة دخيلة على المغرب. إذ أن رواد هذا المشروع كانوا يطمحون إلى (وجوب تعليم اللغة العربية لكل الأطفال المغاربة في كل المؤسسات التربوية). وكأن هناك مؤسسات تعليمية لا تستعمل العربية في برامجها التعليمية. علما أن كل المدارس والثانويات تعتمد اللغة العربية، كلغة رسمية أولى. وهي في حاجة إلى تقنين اللغة العربية والبرامج التربوية والمناهج التعليمية والكتب المدرسية التي تنزف عنفا وهراء وعبثا بعقول التلاميذ الأبرياء، وتحرج المدرسين المرغمين على الالتزام بمحتوياتها. هذا (المش..روع) اقترح كذلك فتح شعب اختيارية معربة للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي تمهد لتعريب جامعي شامل. يعني أنه في حاجة إلى فئة من الطلبة الجامعيين والأساتذة، ك «فئران تجارب» لمشروعها الذي قد ينتهي وسط حاوية القمامة. تبخر المشروع وبرزت مكانه دعوى إلى فرنسة المواد العلمية. عندما أقرأ الفصل الخامس من دستور البلاد (2011)، الذي يؤكد أن العربية تظل اللغة الرسمية للدولة. وأنه من واجب هذه الأخيرة العمل على حماية لغة الضاد وتطويرها، وتنمية استعمالها، أجزم أن من يتولون زمام أمورنا، لا يقيمون اعتبارا لدستور البلاد. وأنهم يدبرون شؤون البلاد وفق قوانينهم الخاصة. وعندما أرى كيف أن هؤلاء (حكومة وبرلمان) يظهرون حبا وولعا مزيفين للغة العربية، بالدعوة إلى الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية الذي يحتفى به يوم 18 دجنبر من كل سنة، أزداد تأكيدا بأنه لا مستقبل للغة العربية في ظل تواجدهم في مناصب المسؤولية. كيف يعقل أن ينتظر العرب، موعدا حدده الغرب من أجل التحسيس والتوعية بضرورة الرقي بلغتهم العربية وتقديم المشاريع والمخططات والتصريحات الفضفاضة؟. يوم أقره المجلس الاستشاري لمنظمة التربية والثقافة والعلوم المعروفة اختصارا باليونسكو التابعة للأمم المتحدة، لأول مرة سنة 2012. بطلب من السعودية والمغرب الذي أقر سنة 1962 بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد. وعاشت وتعيش مؤسساته التعليمية والتكوينية وإداراته العمومية والخاصة، تقتات من وجبات اللغة الفرنسية وروادها الفرنسيين الذين أفرجوا عن أرضنا، واستمروا في احتلال عقولنا ومساراتنا.. فالجمعية العامة للأمم المتحدة قامت يوم 18 دجنبر 1973 بإصدار قرارها رقم 3190 قضت بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المعتمدة لدى الأممالمتحدة، ولغات العمل داخل رفوفها ومكاتبها الأممية. ألم نعي بعد أن حضارات الشعوب ترتقي بارتقاء وسمو وطهارة لغاتها، وأن جسر التواصل الحقيقي، الذي بإمكانه تأمين تمرير كل العلوم والفنون والآداب والثقافات والحضارات.. لن يتم باستعمال لهجات (الدارجة بالمغرب مثلا…)، تتغذى يوميا بكلمات وجمل ينفثها الشارع والحي والدوار.. ولن يتم باستعمال لغات أجنبية عن الشعوب.. لأنه عند الترجمة تضيع الأفكار والمعاني؟؟.. إنها فعلا مأساة تعيشها اللغة العربية مع اللغو العربي… بقلم: بوشعيب حمراوي