دعت "أوكسفام في المغرب" إلى إعادة إطلاق نقاش بين الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، من أجل بلورة سياسة ضريبية فعالة ضد ما أسمته "فيروس الفوارق"، وأيضا من أجل بدء مشاريع التغيير الحقيقية التي يجب أن تكون في صميم إصلاح النموذج التنموي. وأكدت منظمة "أوكسفام في المغرب"، في تقريريها الجديد حول "مؤشر العدالة الضريبية: تحليل النظام الضريبي المغربي"، على ضرورة العمل على تحسين التدرج الضريبي، وفرض ضريبة عاجلة، استثنائية أو دائمة، على الثروات الكبيرة والبيئية، وجعل النظام الضريبي رافعة للإنفاق العمومي الفعال الموجه نحو القطاعات الاجتماعية، وجعل الضريبة على القيمة المضافة أداة في مكافحة اللامساواة الطبقية والمبنية على النوع الاجتماعي. كما دعا تقرير أوكسفام، إلى إنجاز دراسة لمعرفة مدى ملاءمة الإنفاقات الضريبية عن طريق تقليل إعفاءات الضريبية التي لم تنتج الآثار الاقتصادية المنتظرة، أو تلك التي تساهم في توسيع الفوارق الاجتماعية، بالإضافة إلى دعوته إلى ضرورة تحسين حكامة النظام الضريبي المغربي ومحاربة الفساد، وتحسين مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في إعداد الميزانيات. وبحسب التقرير ذاته، فإن التحديات المالية الحالية، والأزمة الصحية في عام 2020 تظهر الحاجة إلى اتخاذ تدابير مالية جديدة لإنقاذ خزينة الدولة، مشيرا إلى أن فرض الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة والكبيرة هو أحد الإجراءات اللازمة للحد من اتساع نطاق أوجه عدم المساواة وتخفيف الضغط على أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط، بالإضافة إلى ذلك تعتبر الضرائب البيئية، في نظر أوكسفام، وسيلة تستحق الاستغلال. وحذرت هذه المنظمة العالمية من خطر تحول البلاد إلى التقشف، في غياب قرار قوي من طرف الحكومة مما قد يدفع في اتجاه زيادة التوتر الاجتماعي وعدم المساواة، على اعتبار أن المغرب لديه واحد من أدنى معدلات كفاءة الاستثمار العام في العالم، ويعتمد فقط على الموارد الضريبية لتغذية ميزانيته، وبالتالي فإن دور الضرائب حاسم للغاية، مؤكدة على أن بلورة نظام ضريبي فعال ومنصف، هو وحده الذي سيمكن المغرب من تنفيذ سياسة إنمائية تعالج الفوارق. وكشف التقرير أن عائدات الضرائب، التي تمثل ما يقرب من 85 في المائة من ميزانية الدولة بين سنتي 2000 و2018، تلقي بثقلها وبشكل غير عادل على فئة صغيرة من المجتمع، كما هو الحال بالنسبة للضريبة على الدخل التي تزيد من الضغط الضريبي بشكل غير عادل على المستخدمين. وأظهرت الإحصائيات الرسمية التي اعتمدها تقرير أوكسفام، مساهمة حوالي 75 في المائة من المستخدمين في إجمالي ضريبة الدخل في المغرب، أي 25 في المائة، فقط من المساهمة في الدخل المهني والعقاري والفلاحي ورأس المال، وأن حوالي ثلاثة أرباع ضريبة الدخل في المغرب يدفعها 47 في المائة من المستخدمين، بالإضافة إلى أن 56 في المائة من الثروة التي ولدها الاقتصاد سنة 2018 تنسب إلى مكافأة رأس المال مقابل 30 في المائة لأجور العمالة. وأوردت منظمة أوكسفام أن المغرب شهد نموا مستداما في الإيرادات الضريبية خلال العقدين الماضيين، إلا أن تحليل مرونة النظام الضريبي المغربي خلال الفترة نفسها، يضيف المصدر ذاته، يبين أن هذا النظام غير قادر على مواكبة تطور الثروة وهذه هي الملاحظة نفسها التي أبداها بنك المغرب مؤخرا في تقريره الأخير حول "القدرة على تعبئة الإيرادات الضريبية في المغرب". ولضمان الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد ال "فيروس كورونا" يجب على المغرب، بحسب أوكسفام أن يضع نظامه الضريبي في خدمة الحد من الفوارق وأن يجهز نفسه بالوسائل الضرورية لتمويل سياسات عمومية أكثر عدلا وطموحا، وأن يتم الإنعاش الاقتصادي على أساس قاعدة أوسع وضرائب تصاعدية. وقالت أسماء بوسلامتي، مسؤولة برنامج الحكامة في أوكسفام في المغرب "نحن ندعو منذ عدة سنوات لإصلاح أعمق للسياسة الضريبية من شأنه أن يحقق المزيد من العدالة الاجتماعية ويعالج أوجه عدم المساواة. لا ينبغي أن يكون الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي للمملكة على حساب انخفاض الإيرادات العامة لأن هذا يؤثر على الدولة بأكملها. هناك خيارات سياسية يجب اتخاذها، لا سيما في سياق الأزمة الصحية، فقد حان الوقت لإعطاء الأولوية لتوليد القيمة الحقيقية والتعاون وتوفير مستقبل أفضل لجميع السكان". وبحسب بوسلامتي يعد توسيع القاعدة الضريبية لجعل مساهمة جميع الفاعلين الاقتصاديين أكثر إنصافا، أحد أكبر التحديات التي يواجهها المغرب في السياق الحالي، مشيرة إلى أن الضريبة على الثروة لا تزال هي إحدى الوسائل التي تم التوصية بها منذ المناظرة الجبائية لسنة 2013 والتأكيد عليها في 2019، مؤكدة على أنه لم يعد هناك أي عذر لتأجيل هذا الإجراء الذي من شأنه أن يعطي الأمل للفقراء، ونقطة تحول من شأنها أن تسمح للنظام الضريبي المغربي بتعبئة الإيرادات، وأن يكون أكثر عدلا وتصاعديا.