تأكيد على ضرورة منح طب الأسنان الأولوية في السياسات الصحية ببلادنا أزيد من 6 ملايين شخص، هو مجموع الأشخاص الذين همتهم حملة «شهر صحة الفم والأسنان»، المنظمة على امتداد شهر مارس الماضي، والموجهة إلى عموم المتلقين وخاصة إلى ساكنة الأحياء الشعبية والعالم القروي وأطفال المدارس. الحملة سبق أن أطلقتها شركة «كولكيت» (COLGATE) -الفاعل رقم واحد في المغرب وفي العالم في مجال المنتوجات المرتبطة بصحة الفم والأسنان- رفقة العديد من الشركاء، على رأسهم المجلس الوطني لهيئة أطباء الأسنان، والجمعية المغربية لأمراض اللثة والأسنان (SMPI)، وكليتا طب الأسنان بالرباط والدارالبيضاء، وأطباء القطاع الخاص، إلى جانب وزارتي الصحة والتربية الوطنية في إطار البرنامج الوطني لصحة الفم والأسنان. وقد قدمت حصيلتها مؤخرا بمدينة الدارالبيضاء أمام ممثلي الصحافة الوطنية ووسائل الإعلام. وتشير الأرقام المقدمة من قبل المنظمين أنه بالإضافة إلى الحملة الإعلامية التربوية، التي استطاعت بلوغ 6 ملايين شخص من خلال الوصلة الإشهارية على قنوات التلفزيون، فإنها همت كذلك 108.952 شخصا، من بينهم 100.000 طفل، استفادوا من عملية تحسيس مباشرة من طرف أطباء الأسنان، إضافة إلى القيام بأزيد من 6650 عملية كشف على الفم والأسنان، قام بها أطباء مختصون ضمن قوافل متحركة، وأروقة خاصة على مستوى المتاجر الكبرى، وداخل مجموعة من الصيدليات وعيادات أطباء الأسنان وغيرها. اهتمام ضعيف بصحة الفم والأسنان أهمية الحملة لا تنبع فقط من كونها أول حملة واسعة على هذا المستوى يريد لها المنظمون أن تصبح موعدا سنويا ببلادنا، لكن أساسا من الحاجيات التي تعبر عنها الساكنة في مجال صحة الفم والأسنان التي تعد مشكلا حقيقيا عندنا. وذلك انطلاقا من الأرقام التي سبق أن كشفت عنها دراسة إبدميولوجية وطنية أنجزت في 1999، حيث أكدت نتائج هذه الدراسة أن تسوس الأسنان يمس 72% من الأطفال البالغين 12 سنة، و82.5% من المراهقين في سن 15، و97.7% من الراشدين ما بين 35 و44 سنة. أرقام تؤكدها كذلك المعدلات الضعيفة جدا لاستهلاك منتوجات صحة الفم والأسنان بحيث تشير أن المغربي يستهلك عبوة معجون أسنان من حجم 50 ملل طوال سنة كاملة، ولا يغير فرشاة أسنانه، إن كانت له فرشاة أصلا، سوى كل أربع سنوات ونصف! ويفسر المحللون هذه النتائج بأنها قد لا تعني أن المغاربة لا يأبهون لنظافة الأسنان ولكنهم يفضلون في أحيان كثيرة استعمال الوسائل التقليدية كالسواك والفحم والمسواك... لكن الأكيد أن الاهتمام بصحة الفم والأسنان يظل متأخرا عند مواطنينا بما أن دراسة أخرى تفيد بان 30% من المغاربة لم يقوموا بأي زيارة لطبيب الأسنان طيلة سنة 2010، التي أنجز فيها البحث. نظام صحي يضع صحة الفم والأسنان في أسفل السلم اللقاء الصحفي الذي نظمته الهيئات المشاركة في حملة «شهر صحة الفم والأسنان، جميعا من أجل صفر سوسة» كان مناسبة سانحة شدد من خلالها مهنيو طب الأسنان على ضرورة منح هذا المجال مكانته المستحقة في السياسات الحكومية، معتبرين أن واقع الحال الذي تعكسه نتائج الدراسات المذكورة يعكس بدوره وجود صحة الفم والأسنان في أسفل سلم الأولويات في السياسة الصحية العمومية، ولا أدل على ذلك، كما يقول المهنيون المشاركون في اللقاء، من أن العلاجات المرتبطة بهذا المجال ما تزال لحد الآن خارج نظام التغطية الصحية الإجبارية الذي جاء من أجل تسهيل ولوج جميع الفئات للخدمات الصحية في مختلف الاختصاصات، الشيء الذي يحذو بالفئات محدودة الدخل إلى اللجوء إلى وسائل تقليدية وخطيرة عوض الذهاب إلى طبيب الأسنان. أضف إلى ذلك سلسلة من المشاكل الأخرى المرتبطة بالعجز الحاصل في الموارد البشرية والمادية المسخرة على هذا المستوى، وغياب التجهيزات المختصة، وكذا تمركز الموارد في مناطق المحور بما يجعل بعض المناطق بعيدة كل البعد عن الشروط الدنيا للتوعية الصحية في هذا المجال، بحيث يجهل بعض المواطنين حتى شكل فبالأحرى وظيفة فرشاة الأسنان! وتحاول القوافل الطبية التي تقوم بها هيئات المجتمع المدني، بشراكة مع وزارة الصحة والمهنيين -ومن بينها مثلا تلك التي نظمت على مستوى مدينتي تمارة ومراكش في إطار شهر صحة الفم والأسنان- سد الفراغ المهول الحاصل في تلك المناطق، إلا أن العجز يبدو أكبر من كل تلك المجهودات، بما يحتم -حسب المهنيين دائما- ضرورة منح طبيب الأسنان وصحة الفم والأسنان مكانتهما الأساسية في نظامنا الصحي، وتوفير الإمكانيات الضرورية من أجل الارتقاء بالخدمات المقدمة في هذا التخصص، من أجل تسهيل ولوج جميع فئات المواطنين لها ومحاربة المشعوذين والمتطفلين على مهنة طب الأسنان وما أكثرهم. صحة جسدك في صحة فمك اللقاء كان فرصة أيضا لإبراز العلاقة الحيوية بين صحة الفم والأسنان والصحة العامة للفرد من خلال التأثيرات السلبية لمشاكل الفم والأسنان على جميع الوظائف الجسدية الأخرى انطلاقا من أداء الأسنان لوظيفة مضغ الطعام الذي يزود الجسد بالطاقة، ومرورا بمختلف التأثيرات السلبية الأخرى على صحة وأداء الفرد في حال حدوث مشاكل في الأسنان واللثة كآلام ومشاكل التسوس، وتقرحات وأورام اللثة وغيرها... هذا فضلا عن الوظيفة الجمالية للأسنان التي يؤدي تردي حالتها وتساقطها قبل الأوان إلى تغير شكل الوجه وشيخوخته. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بما أن بعض الأمراض الخطيرة والمزمنة، قد تبقى أعراضها خفية ولكن طبيب الأسنان يمكن أن يتعرف عليها من خلال بعض الأعراض البسيطة الظاهرة على الفم. وهذا كان موضوع المائدة المستديرة التي نظمتها الهيئات المشاركة في حملة شهر صحة الفم والأسنان تحت عنوان»دور طبيب الأسنان في الوقاية من الأمراض المزمنة»، والتي جدد خلالها المهنيون التأكيد على ضرورة إشراك طبيب الأسنان في سياسات الوقاية والتكفل بالأمراض المزمنة وكذا إدماج صحة الفم والأسنان في البروتوكولات العلاجية لهذه الأمراض.