من المؤكد أن بلدنا لم يشرع في العناية بمسألة الأرشفة إلا في وقت متأخر، ولعل أبرز دليل على ذلك أنه لم يتقرر إنشاء مؤسسة أرشيف المغرب سوى خلال بداية العقد الأخير، وهو ما أدى بدون شك إلى ضياع رصيد مهم من الملفات والوثائق ذات القيمة التوثيقية، إما بسبب تلاشيها وإما بسبب تهريبها أو شيء من هذا القبيل. الوعي المتأخر بقيمة الأرشيف في صيانة الذاكرة المغربية، سيجعلنا في صراع مع الزمن، خصوصا إذا علمنا بأن القانون المنظم لمهنة الأرشيفيين لم يخرج بعد إلى حيز الوجود. إن أي دولة لا تعنى بأرشفة الوثائق التي تنتجها مختلف قطاعاتها، سواء تلك التابعة للعموم أو للخواص، لا شك أنها تفتقد إلى الشفافية والوضوح .. وبالتالي لا يمكن لها أن تحقق أي نهضة. الأرشيف لا ينحصر فقط في ما تتحصل عليه المؤسسة الوصية على هذا القطاع، وهو دون مستوى التطلعات، بل يمكن لكل مؤسسة أن تنتج أرشيفها الخاص، غير أنه مع شديد الأسف نجد المؤسسات والجمعيات لا تعنى بأرشفة وثائقها، مع أنها هي المعنية بها أكثر من غيرها. نعيش هذا الوضع المتردي في ما يتعلق بالأرشفة، في الوقت الذي تحققت ثورة تكنولوجية على مستوى الاتصال، وبات من اليسير جدا تصنيف وترتيب وتسجيل وتخزين مختلف الأشغال التي نقوم بها، باعتبارنا أفرادا أو مؤسسات. *** حول الأغنية المغربية الجديدة: بات من الملحوظ أن العديد من الإنتاجات الغنائية المغربية المعاصرة، ذات طابع متشابه، سواء من حيث الكلمات أو اللحن أو حتى الأداء الصوتي والعزف. حين يتم استشعار أن منتوجا غنائيا ما قد حظي بإقبال كبير عليه – مع العلم أنه ليس كل ما يحقق انتشارا هو بالضرورة منتوج ناجح- نجد أن أغلب الفنانين يصدرون ألبومات غنائية على منواله. لقد رأينا كيف أن أغنية لمطرب من الجيل الجديد؛ قد استمدت ألحانها من الإيقاعات الخليجية وحظيت بانتشار واسع في مختلف البلدان العربية، وكيف أن فئة من الفنانين الشباب الطامحين إلى تحقيق الشهرة والغنى الفاحش السريع، قد سارت خلفه محاكية أسلوبه في الغناء والأداء وفي انتقاء الكلمات الألحان، وبالتالي تم الابتعاد كثيرا عن أصول الغناء المغربي المعاصر. إن الثقافة المغربية زاخرة بالإيقاعات الفنية، وكان من المفروض في الأجيال الجديدة أن تشتغل على هذه الإيقاعات، لأجل تقديم أعمال تعكس هويتنا وحضارتنا، غير أنه مع الأسف الشديد تم الانسياق نحو الجاهز من القوالب الفنية وتقديمها باعتبارها منتوجا من المغرب، وإن كانت لا تمت بصلة إليه. عبد العالي بركات [email protected]