توجد المؤسسة البرلمانية اليوم في عمق النقاش السياسي والإعلامي الجاري في البلاد بمناسبة الحوار المتعلق بالمراجعة الدستورية، ومن دون شك تعتبر دورة أبريل، التي انطلقت مساء الجمعة، فرصة أخرى لتكثيف النقاش حول تأهيل السلطة التشريعية وتطوير عملها وتجاوز ما تعاني منه من اختلالات إن بفعل النص ومحدوديته أو بفعل الممارسة وانحرافاتها. لقد شدد حزب التقدم والاشتراكية، إلى جانب قوى ديمقراطية أخرى، على أن بناء دولة ديمقراطية قائمة على مبادئ الحرية والمساواة والتعددية والتضامن والعدالة الاجتماعية، يرتكز على بناء مؤسساتي قوامه السيادة الوطنية التي يعبر عنها الشعب، من خلال الاقتراع العام وعن طريق ممثليه، وعلى فصل السلط الكفيل بتجسيد الإرادة الشعبية بما يسمح بأن يتبوأ البرلمان، وخصوصا مجلس النواب، مكانة أرقى في البناء الدستوري، وذلك عبر توسيع اختصاصاته في التشريع والمراقبة وتقويم الأداء العمومي. وكانت التعديلات الدستورية المتعلقة بالمؤسسة التشريعية قد احتلت مكانة واضحة ومهمة في الخطاب الملكي لتاسع مارس، ما يعني اليوم أن إصلاح البرلمان وتأهيله وتقوية مكانته الدستورية، يعتبر من ضمن المداخل الجوهرية للإصلاح السياسي، ولتكريس حياة ديمقراطية ومؤسساتية تستجيب للمعايير المتعارف عليها كونيا، وتنخرط في مسلسل إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي. المطلوب اليوم تمتين المكانة الدستورية لمؤسسة البرلمان، وأيضا إعادة المعنى لنظام الغرفتين من خلال جعل الصلاحيات الأكبر تعود إلى الغرفة الأولى لكونها منتخبة بواسطة الاقتراع العام، ثم لا بد أن يقود هذا التأهيل الدستوري إلى تفعيل إصلاحات أخرى على صعيد النظام الداخلي وفي مختلف القوانين الانتخابية، بما يمكن من القضاء على كل الاختلالات التي يعاني منها برلماننا، سواء من حيث طبيعة تركيبته والمستوى المعرفي للأعضاء، أو من خلال القطع مع بعض السلوكات المتخلفة مثل الغياب والترحال. إن تقوية اختصاصات الحكومة والوزير الأول وتكريس فصل السلط وجعل القضاء سلطة مستقلة، كل هذا يفرض امتلاك مؤسسة تشريعية باختصاصات حقيقية وبتركيبة مؤهلة وبمصداقية غير مطعون فيها، حتى تكون فعلا سلطة حقيقية للتشريع، وأيضا لمراقبة السلطة التنفيذية. إن برلمان الغد يجب أن يراقب سير مختلف المؤسسات العمومية وكل الصناديق التي تتصرف في ميزانيات ومشاريع ضخمة. برلمان الغد لا يجب أن يترك مشاريع ومخططات تقرر وتنفذ وتصرف ميزانياتها الهائلة بعيدا عن الحكومة وعن سلطة التشريع والمراقبة. وبرلمان الغد لا يجب أيضا أن تنتهي علاقته بقانون المالية بمجرد المصادقة عليه، بل عليه أن يمتلك آليات المراقبة والمتابعة وطلب المحاسبة. وبرلمان كهذا لا بد أن تتعبأ كل القوى السياسية الجدية وكل الإرادات الوطنية لجعله يتشكل من نخب سياسية حقيقية ذات مصداقية ونزاهة وكفاءة سياسية ومعرفية.