قرر المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بالإجماع، خلال اجتماعه الأسبوعي أول أمس الثلاثاء، الخروج من الحكومة، معلنا أنه سيوجه الدعوة لانعقاد دورة خاصة للجنة المركزية، غدا الجمعة 4 أكتوبر الجاري، قصد تدارس هذا القرار والمصادقة عليه وذلك طبقا للقانون الأساسي للحزب. وشدد المكتب السياسي للحزب، في بلاغ أصدره عقب اجتماعه، توصلت بيان بنسخة منه، على أنه اتخذ قرار عدم الاستمرار في الحكومة الحالية، تفاديا للمزيد من “هدر الزمن السياسي الذي نتج عنه تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا”، مذكرا في ذات السياق أن حزب التقدم والاشتراكية، “ظل، طيلة الفترة الأخيرة، يؤكد على حاجة البلاد إلى نفس ديمقراطي جديد من أجل استئناف مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفتح آفاق جديدة تمكن من المضي قدما في بناء المغرب الحداثي والمتقدم القائم على العدالة الاجتماعية والتضامن”. وشدد بلاغ المكتب السياسي أن الحزب “سيظل، من أي موقع كان، حزبا وطنيا وتقدميا يعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية ويناضل من أجل تغيير أوضاع بلادنا وشعبنا نحو الأحسن، معبئا في ذلك وراء صاحب الجلالة، ومصطفا إلى جانب كافة القوى المجتمعية الديمقراطية الحية والجادة، وساعيا إلى الإسهام في النهوض بدور وموقع ومهام اليسار في بلادنا، يساند بروح بناءة كل المبادرات الإيجابية، ويناهض بكل قوة كل ما من شأنه أن يقوض جهود بلادنا وتضحيات جماهير شعبنا من أجل بناء مغرب التقدم والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية”. إلى ذلك، أكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله، أن المكتب السياسي لم يناقش في أي لحظة من اللحظات مسألة المقاعد الوزارية في الحكومة بمناسبة التعديل المرتقب، مشددا على أن مطالب الحزب كانت، منذ سنتين، هي إحداث تغييرات سياسية تحت شعار “نفس ديمقراطي جديد”. وأبرز بنبعد الله في اتصال أجرته معه جريدة بيان اليوم، أن التغييرات السياسية التي طالب بها الحزب لم تتحقق، بل على عكس ذلك فإن “الحكومة أبانت عنK تطاحنات داخلية عدة”، مشيرا إلى أنه “عندما جاء خطاب العرش الأخير، الذي نادى كذلك بتغييرات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، أكدنا للسيد رئيس الحكومة على ضرورة المدخل السياسي”، كمنطلق لأي إصلاح جدي. وأكد الأمين العام لحزب “الكتاب” في حديثه للجريدة أنه “طيلة شهر شتنبر ونحن نناقش من هذا المنطلق، ونؤكد في بلاغات عديدة على ضرورة تقديم أجوبة سياسية حول ماذا ستقوم به هذه الحكومة لتلبية مطامح الشعب المغربي إلى مزيد من الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية، غير أننا لم نتوصل بأي جواب، فقررنا الانسحاب على هذه الأسس”. من جانب آخر، اعتبر نبيل بنعبد الله، في تصريح مماثل لموقع “العمق” بثه أمس، أن قرار الخروج من الحكومة، “لم يكن سهلا، ولم يأت اعتباطيا”، مبرزا أن علاقة حزب “الكتاب” بحزب العدالة والتنمية هي “علاقة احترام وتقدير وستظل كذلك”، مضيفا أنه “في السنتين الأخيرتين، كانت لنا مواقف واضحة، أمام القلق والحيرة الموجودين في الساحة الوطنية ووسط شرائح المجتمع، وكنا نقول بضرورة نفس ديمقراطي جديد”. وأكد أنه “لم يتم التجاوب الإيجابي مع ذلك رغم مجهوداتنا الكثيرة، عكس ذلك لاحظنا تطاحنات داخلية على مستوى الأغلبية، لاحظنا أن الاعتبارات الانتخابوية المرتبطة ب 2021 تطغى على اعتبارات أخرى فجاء الخطاب الملكي الأخير ليؤكد مجددا على ضرورة القيام بتغييرات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي للرفع من القدرات الإنتاجية وتوزيع أعدل لخيرات التنمية”. وأضاف: “طرحنا السؤال بشكل مباشر طيلة مشاورات شتنبر، ما هي السياسات التي ستطبق اليوم للسير قدما في هذا الاتجاه؟ إذا كنا سنواصل نفس السياسة إذن فسيصعب علينا نحن كحزب التقدم والاشتراكية أن نستمر”، مشيرا إلى أنه “بقدر ما كان هناك سعي للنقاش حول التقليص وحول العدد وحول الحقائب ولم ندخل في أي لحظة من اللحظات في هذا النقاش ولمن نقدم لا طلبات مرتبطة بالحقائب ولا أسماء بل كنا ننتظر الأجوبة السياسية، ولم نتوصل بها”. فيما يلي النص الكامل لبلاغ المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية: لقد جاء قرار مشاركة حزب التقدم والاشتراكية في الحكومتين السابقة والحالية في سياق تاريخي مفصلي في مسار وطننا وشعبنا، استدعت أن يكون الحزب قوة فاعلة في مرحلة ما بعد الخطاب الملكي ليوم 09 مارس واعتماد دستور 2011 وما فتحه من آفاق بناء دولة المؤسسات القائمة على العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة. ويعتز الحزب بإسهامه الواضح في ما تحقق من تقدم لصالح بلدنا، سواء منذ بدأ مشاركته في تدبير الشأن العام مع حكومة التناوب التوافقي، أو خلال المرحلة التأسيسية لما بعد الدستور الجديد، وذلك على مستويات عدة، خاصة فيما يرتبط بتعزيز التراكم الديمقراطي، وتقوية البناء المؤسساتي، والتعاطي الفعال مع العديد من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الصلة بالمعيش اليومي للمواطنات والمواطنين. كما ظل حزب التقدم والاشتراكية، طيلة الفترة الأخيرة، يؤكد على حاجة البلاد إلى نفس ديمقراطي جديد من أجل استئناف مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفتح آفاق جديدة تمكن من المضي قدما في بناء المغرب الحداثي والمتقدم القائم على العدالة الاجتماعية والتضامن. لقد ظل الحزب يحمل هذا النداء، ويترافع حوله في ساحة النقاش العمومي، ومن خلال المواقف المتواترة المعبر عنها من قبل هيئاته القيادية، من لجنة مركزية ومكتب سياسي، وذلك في محطات عدة ومناسبات متنوعة، لعل أبرزها المؤتمر الوطني العاشر للحزب سنة 2018 الذي انعقد تحت شعار “من أجل نفس ديمقراطي جديد”. كما ظل حزب التقدم والاشتراكية متطلعا إلى التجاوب المطلوب من قبل باقي الفاعلين السياسيين والمجتمعيين، في إطار نقاش وطني هادئ ومتزن ومسؤول، يمكن من رفع تحديات المرحلة التاريخية التي تجتازها بلادنا مع كل ما يكتنفها من تعقد وصعوبات. ولطالما سعى حزب التقدم والاشتراكية، من موقعه داخل الأغلبية الحكومية، إلى الدفع في اتجاه التركيز على الإصلاحات الكبرى الواجب إنجازها في المجالات والقطاعات ذات الأولوية، وتقوية الحضور السياسي للحكومة وجعل مكوناتها قادرة على الاضطلاع الجدي بدور الوساطة قصد حمل قضايا المواطنات والمواطنين والتفاعل معها، في إطار حياة سياسية سوية وسليمة تمكن من إعادة الثقة لفئات اجتماعية واسعة، وخاصة الشباب، وتحدث التعبئة الضرورية لإنجاز وإنجاح أي إصلاح. وفي المقابل، سجل حزب التقدم والاشتراكية، بأسف، أن الأغلبية الحكومية الحالية، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب السلبي وممارسات سياسوية مرفوضة، حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا. ونتيجة لغياب الحد الأدنى من التماسك والتضامن بين مكونات الأغلبية، تعمق لدى فئات واسعة من المواطنات والمواطنين فقدان الثقة في العمل السياسي، خاصة بعد العجز الحكومي في التفاعل الإيجابي والسريع مع ما تم التعبير عنه من مطالب اجتماعية ملحة من قبل بعض الفئات الاجتماعية والمجالات الترابية، في وقت يعرف فيه النمو الاقتصادي بطئاً واضحاً، وعجز النموذج التنموي الحالي على إيجاد الأجوبة الملائمة للإشكاليات المطروحة على صعيد تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. إن هذه الوضعية وما يميزها من أجواء وعلاقات بين فرقاء داخل الأغلبية السياسية، التي من المفروض أنها تتأسس على برنامج حكومي متوافق عليه، ومؤطرة بميثاق أخلاقي وتعمل بشكل متضامن، (هذه الوضعية) هي التي عمقت من حالة الحيرة والقلق والانتظارية التي انتشرت وتنتشر في أوساط مختلفة من المجتمع، وهو ما سبق لحزب التقدم والاشتراكية، في العديد من المناسبات، أن نبه إلى خطورته على مستقبل البلاد والمشروع الإصلاحي الذي تنشده. بل إن بعض المبادرات والإجراءات الإصلاحية التي لها أهميتها، لم توفق الحكومة وأغلبيتها في حملها سياسيا بالقدر الكافي لشحد الهمم وإنارة الطريق وضمان الانخراط الفعلي للفئات الاجتماعية المعنية وتعبئة الرأي العام حول المشروع الإصلاحي الذي التزمت به الحكومة. وفي هذا السياق، يسجل حزب التقدم والاشتراكية، باعتزاز، المضامين الهامة للخطب الملكية السامية طيلة الفترة الأخيرة، والتي ما فتئت تدعو الحكومة إلى اتخاذ ما يتعين من مبادرات قصد إنجاز الإصلاحات المطلوبة في العديد من المجالات، خاصة منها ذات الارتباط المباشر بالحياة اليومية للمواطنات والمواطنين، ودون أن تتمكن الحكومة من أن تكون في الموعد. ويجسد خطاب العرش لسنة 2019 محطة أساسية في هذا المسار، حيث وقف جلالة الملك على الثغرات والنقائص التي تعتري العمل الحكومي، مشددا على ضرورة التعاطي الجدي مع معضلة محدودية قدرة الاقتصاد الوطني والآلة الإنتاجية على خلق الثروة وتوفير الشغل، وإشكالية العدالة الاجتماعية والمجالية التي تمكن من جعل أوسع فئات جماهير شعبنا، في مختلف المناطق والجهات، خاصة المجالات الترابية المقصية، في هوامش المدن وفي الأرياف والقرى والجبال، تلمس أثر الإصلاح في الاستجابة إلى مطالبها المشروعة وحاجاتها الملحة، وعلى هذا الأساس كان الطلب الملكي بإجراء تغييرات في مناصب المسؤولية في الحكومة والإدارة. ومنذ إطلاق السيد رئيس الحكومة للمشاورات المتعلقة بالتعديل الحكومي، حرص حزب التقدم والاشتراكية، في تفاعل مع توجيهات خطاب العرش، على التأكيد على أولوية المدخل السياسي للتعديل الحكومي الذي يجب أن يتأسس على مضمون برنامجي إصلاحي طموح، تحمله إرادة سياسية قوية معبر عنها بوضوح، وحضور ميداني متواصل يحدث التعبئة المرجوة. كما يسجل حزب التقدم والاشتراكية، بأسف، أنه عوض أن يتم أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، ظلت المشاورات المتصلة بالتعديل الحكومي حبيسة منطق المناصب الوزارية، وعددها، والمحاصصة في توزيعها، وغير ذلك من الاعتبارات الأخرى، دون النفاذ إلى جوهر الموضوع، حيث لا إصلاح دون المدخل السياسي الواضح، والبرنامج الحكومي الطموح المرتكز على الأولويات الأساسية، والإرادة القوية في حمل مشروع الإصلاح ورفع تحدياته وربح رهاناته. لذلك، وبعد تداول معمق لموضوع التعديل الحكومي من مختلف جوانبه خلال اجتماعات عديدة طيلة الأسابيع الأخيرة، في إطار من الجدية والاتزان والمسؤولية، يعتبر المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن الوضع غير السوي للأغلبية الحالية مرشح لمزيد من التفاقم في أفق سنة 2021 كسنة انتخابية، مما سيحول دون أن تتمكن الحكومة من الاضطلاع بالمهام الجسام التي تنتظرها، ولا أن تتجاوب بالقدر اللازم مع التوجيهات الملكية المؤطرة لهذا التعديل. لذا، وتأسيسا على كل ما سبق، يعلن المكتب السياسي، بأسف شديد، أنه اتخذ قرار عدم الاستمرار في الحكومة الحالية، على أساس أن يظل، من أي موقع كان، حزبا وطنيا وتقدميا يعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية ويناضل من أجل تغيير أوضاع بلادنا وشعبنا نحو الأحسن، معبئا في ذلك وراء صاحب الجلالة، ومصطفا إلى جانب كافة القوى المجتمعية الديمقراطية الحية والجادة، وساعيا إلى الإسهام في النهوض بدور وموقع ومهام اليسار في بلادنا، يساند بروح بناءة كل المبادرات الإيجابية، ويناهض بكل قوة كل ما من شأنه أن يقوض جهود بلادنا وتضحيات جماهير شعبنا من أجل بناء مغرب التقدم والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. ويعلن المكتب السياسي أنه سيوجه الدعوة لانعقاد دورة خاصة للجنة المركزية، يوم الجمعة المقبل (4 أكتوبر 2019) قصد تدارس هذا القرار والمصادقة عليه وذلك طبقا للقانون الأساسي للحزب.