استضاف المعهد الفرنسي بمكناس في إطار أنشطته الثقافية، مساء الجمعة الماضي، الروائي والكاتب بنسالم حميش الذي تحدث بإسهاب عن روايته «مجنون الحكم» المترجمة إلى الفرنسية وعن المنظور الفكر والفلسفي للتاريخ الذي اعتمده في نسج إبداعه الروائي. وفي تقديمه لهذا العمل، الذي قام بترجمته إلى الفرنسية محمد سعد الدين اليمني وأعيد نشره مؤخرا، قال حميش إنه استلهم شخوصه من وقائع ومجريات تاريخية, في محاولة فنية لصوغ التاريخ العربي المفعم بالأحداث والمواقف وإعماله في جنس الرواية وانتزاع مكانة تليق برؤيته الفلسفية بعيدا عن المنظور التقليدي للرواية التاريخية. وتحكي هذه الرواية، التي أحرزت جائزة مجلة «الناقد» اللندنية للرواية للعام 1990، سيرة الخليفة الفاطمي أبو علي منصور الملقب بالحاكم بأمر الله الذي حكم مصر والشام مدة 25 عاما ما بين القرنين التاسع والعاشر ميلادي، وعرف بشذوذه وغرابة أطواره، ولا يزال إلى الآن مثار اهتمام المؤرخين، خصوصا ما يتصل بأوامره وقراراته. ومن ضمن قرارات الحاكم بالله، الذي كان مصابا بمرض، فضل الروائي تسميته ب»السوداوية»، تحريم بعض الأكلات على المصريين ومنع المرأة من الخروج والعمل، وقد ثارت ضده قبائل من المغرب إلى جانب المصريين بقيادة إمام شاب يدعى «أبا ركوة» ولقب نفسه ب»الثائر بأمر الله» لكن هذه الثورة فشلت وقضي على زعيمها بعد القبض عليه في بلاد النوبة. كما أن هذا الخليفة كان يصدر، إبان أزماته «السوداوية»، مراسيم غريبة وقاسية، وعندما يعود إلى حالته الطبيعية، يصبح ذلك الخليفة الطيب العادل والقادر على مواجهة مناوئيه السياسيين، المدنيين والعسكريين، فكان ينزل إلى الأسواق ويصدر أحكاما ضد كل من تبث في حقه الغش، وتطبق في حقه العقوبة أمام الملأ على يد العبد «مسعود» الذي كان يلازمه حتى يكون عبرة للآخرين. وتنتهي حياة هذا الخليفة على يد أخته «ست الملك» التي خلدها المصريون في السير الشعبية. وتنطوي هذه الرواية، كما عبر عن ذلك النقاد، على مجهود واضح في استيعاب فترة حكم الحاكم بأمر الله، حيث نجح الروائي حميش في تقديم عمل فني متكامل. وقد اختتم هذا اللقاء بحفل توقيع هذه الرواية، الواقعة في 250 صفحة من القطع المتوسط, بحضور-على الخصوص- القنصل الفرنسي بفاس ومديرة المعهد الثقافي الفرنسي بمكناس وعدد من الشخصيات من عوالم الفن والثقافة.