تشهد الشوارع الرئيسية لمدينة الدارالبيضاء، منذ يوم السبت الماضي، حركة دؤوبة لعدد من الشابات، يرتدين لباسا برتقاليا دونت عليه دعوة خارجة عن المألوف: "ما تحرش بيا.. وسائل النقل ليك وليا"، ويوزعن عددا من الملصقات على السائقين في وسائل النقل العمومي وفي السيارات الخاصة، قبل أن يدخلن معهم في حوارات لا تخلو من حماس. فيما لاحظ سكان المدينة أيضا أن العديد من حافلات النقل العمومي تزيت بدورها باللون البرتقالي حاملة نفس الشعار. هذه المظاهر تأتي متزامنة مع "اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة" الذي يتم تخليده في 25 نونبر من كل سنة، وتندرج في سياق حملة واسعة أطلقتها "جمعية التحدي للبيئة" و"مركز التحدي للمواطنة" التابع للجمعية، وترمي إلى "تكسير الصمت حول ما تتعرض له النساء من معاناة مع التحرش والاعتداءات اللفظية والجسدية خلال استعمالهن لوسائل النقل العمومي". وافاد كل من مهدي لايمينة، رئيس الجمعية، وبشرى عبدو رئيسة المركز، خلال ندوة صحفية، نظمت يوم الخميس الماضي، اللدار البيضاء، بالمناسبة، أن المبادرة تسعى إلى التواصل مع 10 آلاف من مستعملي وسائل النقل العمومي، نساء ورجالا، بالموازاة مع حملة مماثلة تستهدف جمهورا عريضا من مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار توسيع وإغناء النقاش الوطني حول ظاهرة التحرش الجنسي، خاصة بعد توالي أخبار الاعتداءات على الفتيات والنساء في وسائل النقل العمومي، كما تتوخى "استخلاص الدروس ومعالم الفعل المستقبلي على المستوى التشريعي والإداري والإعلامي" بهدف الحد من المظاهر والآثار السلبية ظاهرة ما فتئت تتضاعف في مجتمعنا. كما ترمي الحملة إلى تعزيز الملف الترافعي للجمعيات النسائية حول مطلب إخراج قانون شامل لمحاربة جميع أشكال العنف ضد النساء، وهو وحده الكفيل، كما قالت بشرى عبدو، خلال الندوة الصحفية، بحماية النساء والفتيات من مختلف الاعتداءات التي يواجهنها يوميا بسبب النوع في جميع الفضاءات العمومية، في العمل، والشارع، والحافلة، مضيفة أن الحملة ترمي أيضا، فيما ترمي إليه، إلى تكسير الطابو المحيط بظاهرة التحرش الجنسي والعنف المبني على النوع، وتشجيع النساء على الجهر والبوح بهذه المعاناة والتبليغ عن كافة الحالات، مما سيضطر المسؤولين، كما تقول عبدو، إلى التعاطي بجدية أكبر مع هذا الملف، والعمل على اتخاذ التدابير التشريعية الضرورية من أجل الحد من الظاهرة، ووضع حد للمتحرشين بالنساء والمعتدين عليهن. وبالفعل، فإن تفاقم ظاهرة التحرش لم يعد في حاجة إلى تأكيد، بحيث تقر الجهات المسؤولة بانتشار الظاهرة وبحجمها المتزايد وآثارها المدمرة على المجتمع. وفي نفس السياق، قدمت الباحثة سعاد الطاوسي، خلال الندوة الصحفية، نتائج الدراسة الميدانية التي أنجزها "مركز التحدي للمواطنة" والتي كشفت أن 54 بالمائة من النساء المستجوبات في الدراسة أعلن تعرضهن للتحرش، تتراوح أعمارهن بين 19 و39 سنة، في حين لم تسلم النساء المسنات والطفلات القاصرات من هذه الظاهرة. وأوضحت الدراسة التي همت عينة من 200 امرأة، تم استجوابهن بمدينة الدارالبيضاء، أن نسبة 5 بالمائة من المتحرش بهن يتجاوزن ستين سنة، و12 بالمائة هن في سن 18. وأشارت الدراسة إلى أن 71 بالمائة من النساء المستجوبات عبرن عن عدم ارتياحهن لاستعمال وسائل النقل العمومي حيث يتم انتهاك كرامتهن وحرمة أجسادهن، ويمارس عليهن العنف اللفظي والنفسي والجسدي، فضلا عن تعرضهن للسرقة والاعتداءات. وأضافت نتائج الدراسة أن معظم النساء يتعرضن للتحرش بغض النظر عن لباسهن وسلوكهن، وذلك خلافا للخلط الذي يحاول البعض أن يسبغه على الظاهرة بربطها بالشرف أو الدين. واعتبرت الطوسي أن الظاهرة ترتبط أكثر "بعقلية ذكورية سلطوية متجذرة في المجتمع المغربي، تعتبر أن الرجل يجب أن يفرض على المرأة سلطته بجميع الأشكال وفي جميع الظروف وبجميع الوسائل، وأولها وسيلة التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية". ودعت الدراسة إلى توفير الأمن في وسائل النقل العمومي، وزيادة عدد وسائل النقل العمومي، وتحديد عدد الركاب، ومنع السكيرين، والمنحرفين من ركوبها، واحترام القانون، وإقرار وتنفيذ عقوبات زجرية بحق المعتدين. كما شددت الأخصائية النفسية، نسيبة بنشقرون، في مداخلة خلال الندوة، على ضرورة إيلاء أهمية أكبر للتربية الجنسية للناشئة، سواء داخل الأسرة أو في المدرسة، وذلك للوقاية من مختلف التمثلات والسلوكات المنحرفة التي تشوب وتؤثر بالسلب، لاحقا، على علاقة الرجال بالنساء في المجتمع.