دعا ادريس اليازمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين، إلى تدارك التأخر الحاصل في تفعيل العقوبات البديلة، بإغناء المنظومة الجنائية الوطنية بعدد من هذه التدابير والتسريع بإخراج القانون الجنائي إلى حيز الوجود، وفي انتظار، ذلك اقترح على السلطات المعنية، القيام بتفعيل منشور النيابة العامة الصادر خلال شهر أكتوبر الماضي، الداعي إلى التخفيف من الضغط على المؤسسات السجنية، حتى تتمكن من القيام بأدوارها كمؤسسات لتأهيل السجناء وإعادة إدماجهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. وأوضح المجلس الوطني لحقوق الإنسان في وثيقة تتعلق بمقترحاته حول العقوبات البديلة، عممها على وسائل الإعلام، خلال اللقاء الذي نظمه بداية الأسبوع الماضي من أجل تقييم تنفيذ التوصيات المتضمنة في التقرير الذي أعده المجلس الصادر سنة 2012، حول إصلاح المؤسسات السجنية والنهوض بحقوق السجينات والسجناء، " أن العقوبات البديلة بالرغم من صعوبات أجرأتها، لها ميزتان على الأقل، مكافحة حالات العود وتقليص الساكنة السجنية"، واقترح في هذا الصدد بجعل العقوبات البديلة تحتل مكانة هامة في السياسة العقابية، والعمل على استلهام نهج تطبيق أو بالأحرى تجريب تطبيق هذه العقوبات من تجارب مقارنة بعدد من البلدان. وأكد في هذا الصدد، موضحا معنى العقوبات البديلة، على أنه ينبغي إدراك أنها عقوبات حقيقية تفرض على شخص صدرعنه سلوك اجتماعي مجرم قانونا، وهي تتضمن عنصر إكراه على الشخص موضوع العقوبة مع التأكيد على إرادة عدم إقصائه. وأورد في هذا الإطار مجموعة من تلك التجارب التي ينبغي الاستلهام من خطواتها، مشيرا أنه في بعض البلدان للحيلولة دون تسجيل اكتظاظ في المؤسسات السجنية، تم اعتماد هذه العقوبات حتى قبل المحاكمة، حيث مثلا في بلجيكا، تلجأ السلطات المختصة إلى تقوية دور المراقبة القضائية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي. فيما بلدان أخرى، طورت تنفيذ عقوبات قصيرة الأمد في وسط مفتوح، كما هو الحال بالنسبة لدولة السويد، مع تدبير متدرج للعقوبات متوسطة وطويلة المدة لتفادي الآثار العكسية للخروج غير المراقب أو الإفراج التلقائي المقيد بشروط، وهذه الصيغة تطبق في كل من السويد وكندا. وأشارت الوثيقة إلى توصيات تضمنتها دراسات وتقارير في الموضوع، تم فيها الحث على ضرورة تفضيل اللجوء إلى تدابير التأطير البديلة عن الاعتقال الاحتياطي وأن تدرج في القانون الجنائي إمكانية التعويض والأشغال الجماعية والإقامة الجبرية. وذهب المجلس إلى حد المطالبة في هذا الصدد بوضع فلسفة عامة لمجالات إعادة التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي، واضعا تصورا مفاده ترجمة ذلك عبر مجموعة من التدابير الجنائية التي من شأنها أن تمكن من تفادي وتقليص التدبير الاحتجازي، سواء قبل المحاكمة أو خلال النطق بالعقوبة أو خلال تنفيذها. وقدمت وثيقة المجلس معطيات لإظهار أن العقوبات البديلة كفيلة بإصلاح العطب خاصة على مستوى الإحاطة بظاهرة الاعتقال الاحتياطي بالسجون المغربية، معتبرة أن 20 في المائة من المعتقلين الاحتياطيين كان من الممكن أن لا يكونوا موضوع هذا التدبير، لو تم تطبيق التدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية والتي برهنت عن جدواها وفعاليتها في عدد من البلدان. كاللجوء مثلا لتطبيق تدبير بديل كالصلح، خاصة للمدانين في ملفات تخص تحصيل الديون، وهذا الإجراء يهم وفق معطيات إحصائية لوزارة العدل، نحو 18 ألف نزيل يوجدون حاليا بالمؤسسات السجنية المغربية. فضلا عن تطبيق العقوبات البديلة بالنسبة للمحكومين بعقوبات تقل عن 6 أشهر، وهي مدة غير ذات جدوى بالنسبة للمحكومين بها، بالنظر لصعوبة تطبيق برنامج إعادة الإدماج على هذه الفئة، حيث كان إجراء العقوبات البديلة سيمكن حوالي 3000 نزيل من الاستفادة من مغادرة المؤسسات السجنية والتخفيف من الاكتظاظ. وحول كيفية إدراج هذه العقوبات في المنظومة الجنائية، دعا المجلس إلى إدراج فصل إضافي في القانون الجنائي، مخصص للعقوبات والتدابير البدلية، واقترح من بين أنواع العقوبات البديلة التي ينبغي تضمينها في المنظومة الجنائية، أن يتم اللجوء إلى فرض غرامة على الشخص المعني، أو القيام بتدربي المواطنة، أو الأشغال من أجل المنفعة العامة، أو المنع لمدة محددة من مزاولة نشاط مهني أو اجتماعي إذا كانت التسهيلات التي تمنحها هذه المهنة قد استعملت عمدا لإعداد أو ارتكاب جريمة، والمنع لمدة محددة من ارتياد بعض الأمكنة أو بعض الأصناف من الأمكنة التي تم فيها ارتكاب الجريمة. كما اقترح التنصيص على تدابير عقابية بديلة كالمنع من الالتقاء ببعض المدانين المحددين بقرار قضائي، خاصة مرتكبي أو المساهمين أو المشاركين في الجريمة، الأمر بالخضوع للعلاج، أو فرض العقوبة والتعويض في ذات الوقت، واعتماد التتبع السوسيو قضائي، والوضع تحت المراقبة الإلكترونية الثانية أو المتحركة، ويمكن التفكير أساسا في هذه التدابير بالأولوية في مجال المخالفات وجزئيا في مجال الجنح.