ليس عبثا ولا ترفا أن تجهر حناجر ملايين الجزائريين الذين دأبوا على المشاركة في الحراك الشعبي بشعار واحد يتمثل في "دولة مدنية لا عسكرية". والدليل على إسراف النظام الجزائري في العسكرة والتجييش، هو تلكم البلاغات والبيانات الفريدة التي باتت تصدرها وزارة الدفاع ورئاسة الأركان الجزائرية في أعقاب مباريات كرة القدم. ولعل آخر هذه المستجدات هو البلاغ الكروي رقم 1 الذي أصدره نظام سعيد شنقريحة في أعقاب التعادل السلبي للمنتخب الجزائري مع منتخب سيراليون، على هامش مشاركتهما في دور المجموعات من كأس إفريقيا للأمم التي تجري أطوارها حاليا في الكاميرون. ومما يثير الاستغراب هو أن الجيش الجزائري ورئيس أركانه الذي يعيش حاليا على وقع فضائح التسريبات وتهم الفساد، أفرد لهذا التعادل السلبي بلاغا بحمولة عسكرية، وبيانا مذيلا بتوقيع رئيس الأركان، وكأن كتيبة الخضر تخوض حربا كروية طاحنة بدون علم الفيفا والكان الإفريقي. ولم يقتصر البلاغ الكروي رقم 1 الصادر عن سعيد شنقريحة على تجييش اللاعبين وتحفيزهم لاقتحام معاقل العدو، ودك متاريس دفاعه الكروية، بل حدد لهم هدفا أسمى هو "مزيد من الانتصارات في باقي المباريات". فالانتصار في كرة القدم هو ما تبقى للنظام العسكري للتنفيس عن الشعب الجزائري، وصرف اهتمامه وهمومه الناشئة عن ندرة الزيت والحليب والسميد والفول والعدس.. وغيرها من المواد الاستهلاكية الضرورية للمعيش اليومي. والمثير للسخرية في هذا الصدد، هو أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أصدر بدوره بلاغا رئاسيا بنكهة كروية، احتفى فيه بتعادل منتخب بلاده دون أن ينسى شحذ عزيمتهم وتحفيزهم على اقتحام عرين باقي المنتخبات الافريقية المنافسة. وقد أثارت هذه البلاغات العسكرية والبيانات الرئاسية موجة سخرية وتهكم عارمين في مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، إذ تساءل العديد من المدونين والمغردين عن سبب الاهتمام المفرط لرئاسة الأركان والجمهورية الجزائرية بمباريات كرة القدم، في حين غرد البعض الآخر بكثير من الامتعاض "إذا كانت الجزائر تحتفل بالتعادل على المستوى السياسي والعسكري، فيحق لدولة سيراليون التي يصنف فريقها الوطني في الرتبة 106 عالميا أن تخلد هذا التعادل كعيد وطني مدفوع الأجر للجميع، خصوصا إذا علمنا بأن منتخبها الوطني حضر إلى الكاميرون في قوارب مطاطية وليس في طائرات تجارية".