ما يجمع عفاف برناني وهاجر الريسوني هو أكثر ما يفرقهما. فكلاهما اشتغلا ردحا من الزمن في مكتب الأريكة الملغومة بعمارة الأحباس الشهيرة بمدينة الدارالبيضاء، وكلاهما جايلا وعاصرا فترة الاتجار بالبشر ومسلسل الاغتصاب والأجر مقابل الجنس. فالأولى، اشتغلت بتفان ظاهر في تكنيس المكاتب وتنظيف الأريكة بعد استغلالها الآثم من طرف مدير النشر السابق، لتتفرغ بعد ذلك للرد على المكالمات الهاتفية وتحويلها لزملائها من الصحفيين والتقنيين، قبل أن تنتقل اليوم، ببركات "الصحافة المستقلة"، من رصيف شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس إلى رصيف 22 في لبنان، في تحول اجتماعي ومهني غير مسبوق ولا مفهوم، من سيدة تشتغل "مهندسة نظافة" وموزعة للهاتف، بدون سوابق صحفية تذكر اللهم سوابقها العدلية، إلى صاحبة سرديات وحكايات نقدية في السياسة والصحافة والأمن، تُقدم الدروس والتحاليل العابرة للحدود الوطنية. ولئن كان هذا التحول الجذري في مسار عفاف برناني غير مفهوم ولا منطقي، لدرجة أن توفيق بوعشرين نفسه لم يكتشف مواهبها الدفينة رغم أنها كانت في مرمى قلمه الدفين، غير أن سر اهتمامها بخلفه سليمان الريسوني يبدو للوهلة الأولى أكثر اتساقا مع المنطق والواقع. فالريسوني هو من أدى تذكرة سيارة الأجرة التي أقلّت عفاف برناني من مدينة الدارالبيضاء إلى مطار محمد الخامس، إيذانا بانطلاق رحلتها من "أريكة العار" إلى رصيف شارع الحبيب بورقيبة، ومنه إلى ناصية رصيف 22، وهو أيضا من نسّق مع المعطي منجب عملية تهريبها من قصاص العدالة المغربية تحت مسمى "المنفى الطوعي". واليوم، عندما تمنح عفاف برناني إسمها لتذييل المقالات الموقعة على بياض نصرة لسليمان الريسوني والمعطي منجب، فإنها كمن يرد للأول مقابل "سيارة الأجرة البيضاء التي تدين له بها"، وللثاني نظير تهجيرها غير المشروع خارج المغرب، علاوة على محاولتها لملمة ما تبقى من "شظايا بكارتها" التي تداعت بفعل تداعيات فضيحة الأشرطة الجنسية التي تحدثت عنها، بإسهاب كبير، هيئة دفاع ضحايا توفيق بوعشرين. أما هاجر الريسوني التي تشترك مع عفاف برناني في الإسهال التدويني الأخير على قارعة الرصيف 22، فإن دفاعها عن توفيق بوعشرين تبدو فيه متصالحة مع الذات، بسبب ترسبات الإجهاض الأول (الراكد بالعامية) الذي كشفته الخبرة الطبية المنجزة، دون أن تكشف عن صاحب النطفة الموءودة، مما أفلت العنان للتنجيم والتكهن في محراب الصحافة المستقلة عن هوية الواطئ المجهول. أما دفاع المعنية بالأمر عن سليمان الريسوني فإن الرحم أولى وأسبق من المهنية، حتى ولو كانت جرائم هذا الأخير هي انتهاك الحقوق الجندرية وهتكها بالعنف والترهيب بذريعة "تصوير فيلم وثائقي للدفاع عن الاختيارات المثلية". وهاجر الريسوني التي انتقلت بشكل إرادي للعيش في السودان، في إطار الحركة الاعتيادية للالتحاق بالأزواج، وإن تدثرت بالكذب عندما ادعت أنها في منفى قسري، فإنها تمعن هذه الأيام في عرض خدماتها على المواقع التي تراهن على "الجيو-إعلام"، أي تلكم المواقع الإخبارية التي تراهن على كثيبة من "مرتزقة الكتابة والتدوين" لتصريف رسائل جيوسياسية وجيو اقتصادية عبر مقالات صحفية. ولم تجد عقيلة الحقوقي السوداني غير مواقع الخليفة الجديد "أردوغان"، كمنصات ثابتة لإطلاق مقالاتها التسطيحية نحو المغرب، وأيضا رصيف 22 لتمارس فيه وعليه "إباحية الاستهداف المجاني للمؤسسات المغربية". لكن السؤال الذي تستنكف عن الإجابة عنه كل من هاجر الريسوني وعفاف برناني في مقالاتهما الموقعة مجازا أو حقيقة، هو لماذا صدحت حناجر وأصوات كل تلك النساء المشتكيات بتوفيق بوعشرين بمآسي الجنس المغصوب، بينما آثرن هما معا الدفاع عنه في الأرصفة الصحفية؟ الجواب يجد تقعيده فيما قاله الشاعر العربي الكبير محمد الماغوط "ما أسهل الحياة لولا الكرامة"، والكرامة هي التي جعلت حفصة بوطاهر وغيرها يكسرن طابوهات الصمت وينددن بجلاديهن، بينما اختارت "الباقيات غير الصالحات" إشاعة الكذب والبهتان فوق قارعة الرصيف القابل للعد والحساب.