في وقت توجه فيه كل دول العالم تركيزها نحو الشأن الداخلي لمواجهة وباء فيروس "كورونا"، أكد العديد من الباحثين المغاربة والأجانب في الشأن الاقتصادي والسياسي على ضروة التفكير بطرق يستطيع من خلالها فاعلون خارجيون تقديم المساعدة للدول الفقيرة، "ويجب أن تتم الاستجابات في إفريقيا من خلال تنفيذ أفضل الممارسات فيما يتعلق بالتعاون الدولي". وفي ذات السياق دعا الخبراء، وجلهم مسؤولون عن مراكز دراسات أوربية وإفريقية ذات صيت عالمي، من بينهم الخبير الاقتصادي المغربي كريم العيناوي، مدير مركز السياسات من أجل الجنوب، إلى ضرورة تفعيل مراكز عمليات الطوارئ، واستخدام التكنولوجيا لتتبع تفشي فيروس "كوفيد-19" في الوقت الحقيقي، واستحداث وسائل بين أكثر الفئات عرضة للخطر، لإبطاء سرعة انتشار الفيروس والقضاء عليه، والعمل على تعزيز القدرة الاحتياطية في أنظمة الرعاية الصحية، بالإضافة إلى التخفيف من حدة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة. “برلمان.كوم” ينشر النص الكامل لهذه الدراسة نظرا لأهميتها العلمية: الداء كالفقر لا يبقى في بيته لا بد أن يغير فيروس كورونا سياسة العالم. فقد اكتشفنا للأسف أن سرعة انتشاره على نطاق واسع وفداحة أثره ليستا عبارة عن أخبار كاذبة. فبينما يتربص الفيروس بالأشخاص في مختلف أنحاء العالم، تبقى السيطرة على أثره مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى توفر الموارد وبعمق أنظمة الحكامة. لهذه الأسباب، يتعين على قادة العالم التركيز على أثره على الفئات الأكثر هشاشة، لاسيما في إفريقيا. قبل ثلاثة أشهر فقط، في 31 ديسمبر 2019، أبلغت السلطات الصينية مكتب منظمة الصحة العالمية في بكين باحتمال اندلاع وباء. وفي غضون 100 يوم، أجبر ثلاثة مليارات شخص في مختلف أنحاء العالم على ملازمة بيوتهم، وهو ما يعد مقاربة جذرية لمواجهة حالة طوارئ متعلقة بالصحة العامة. لكن ماذا يعني هذا بالنسبة للبلدان التي لا تتوفر على البنيات التحتية الصحية الأساسية، وتفتقر إلى المرافق والوسائل العمومية؟ فإذا كانت كافة الأمم مهددة وتكافح لتفادي الوقوع في الهاوية، من الضروري أكثر من أي وقت مضى التفكير بشكل شمولي وتكييف الجهود محليا لحماية المجتمعات الأكثر هشاشة في العالم. فهي ليست مهددة بالفيروس وحده، بل أيضا بما سيليه من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية. فالجوائح العالمية مكلفة، ويتطلب التصدي لها إمكانيات باهظة، خاصة بالنسبة للدول الفقيرة. وللتذكير فقط: تشير التقديرات إلى أن جائحة نقص المناعة المكتسب/الإيدز قد استنزفت ما بين 2 و4 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي في دول إفريقيا جنوب الصحراء. كما أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن وباء إيبولا في الفترة ما بين 2014 و2016 قد كلف ما يناهز 12% من الناتج المحلي الإجمالي المشترك للدول الثلاث الأكثر تضررا، وهي غينيا وليبيريا وسيراليون. بيد أن كليهما لا يقارنان بعمق أثر فيروس كورونا واتساع نطاقه. وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، أدى انهيار سوق الأسهم المترتب عن تفشي الفيروس إلى خسارة 9 تريليونات دولار من القيم. وقد تصل تكلفة انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى ما يقدر بتريليونين إضافيين. كما تلوح إجراءات الإغلاق المقبلة في الاقتصادات الكبرى بالمزيد من الآثار الكارثية. ويبدو أنه لا محيد عن ركود عالمي حاد. وستشعر إفريقيا على وجه الخصوص، حيث يعاني السكان من الفقر الشديد أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، بوطأة هذه الآثار، في ظل انعدام شبه تام لمدخرات يمكن اللجوء إليها. زد على ذلك أن إفريقيا تأوي معظم فقراء العالم. وبالرغم من أن معدل السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر في العالم قد انخفض من 36% في 1990 إلى %10 بعد 25 سنة، وهو انخفاض يفوق المليار نسمة، أدى تباطؤ وتيرة النمو في إفريقيا وارتفاع عدد السكان إلى زيادة عدد من يعيشون تحت عتبة الفقر من 278 مليون في 1990 إلى 413 مليون في 2015. وقد تجاوز معدل الفقر في إفريقيا جنوب الصحراء 40%، حيث تضم القارة 27 دولة من أصل الدول ال28 الأفقر في العالم. إن اجتماع ضعف أنظمة البنية التحتية وتداعي المؤسسات ووهن الحكومات يعد تركيبة خطيرة في الأوقات العادية، حيث تؤدي إلى انتشار العمل غير النظامي أو البطالة المقنعة وانخفاض الدخل وعدم انتظامه. وتقدر منظمة العمل الدولية أن 74% من الأفارقة يشغلون وظائف “هشة”، أي أنهم يعانون من البطالة أو البطالة المقنعة، مقارنة بالوضع على مستوى العالم حيث تبلغ النسبة 45%، وذلك في قارة تكاد تنعدم فيها أنظمة الرعاية الاجتماعية الوطنية. ويبلغ متوسط دخل الفرد في إفريقيا جنوب الصحراء 1585 دولارا أمريكيا، أي 14% فقط من المعدل العالمي. وفي الوقت الراهن، وفي ظرفية تتسم بضغط شديد، قد يكون هذا المزيج بين المداخيل المنخفضة والموارد المحدودة بمثابة ضربة قاضية. علاوة على ذلك، تتعرض البلدان والسياسات الإفريقية لضغوط إضافية بفعل انهيار أسعار النفط، وضعف الأمن الغذائي، وتعطيل التجارة وسلاسل القيمة العالمية الذي يؤثر بشكل خاص على الاقتصادات الإفريقية التي تشهد نموا سريعا والتي تسعى لتحقيق التكامل، فضلا عن التوقف المفاجئ للتدفقات السياحية والاستثمار الأجنبي المباشر، والظروف الصعبة التي تعرفها الأسواق المالية. في وقت توجه فيه كل دول العالم تركيزها نحو الشأن الداخلي لمواجهة الوباء، يجب علينا التفكير بطرق يستطيع من خلالها فاعلون خارجيون تقديم المساعدة لمن هم أقل حظا. ويجب أن تتم الاستجابات في إفريقيا من خلال تنفيذ أفضل الممارسات فيما يتعلق بالتعاون الدولي، بما في ذلك ضرورة تفعيل مراكز علميات الطوارئ، واستخدام التكنولوجيا لتتبع تفشي فيروس “كوفيد-19” في الوقت الحقيقي، واستحداث وسائل لإبطاء سرعة انتشاره والحد من هذا الأخير خصوصا بين أكثر الفئات عرضة للخطر، والعمل على تعزيز القدرة الاحتياطية في أنظمة الرعاية الصحية، بالإضافة إلى التخفيف من حدة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة. وبالرجوع إلى أزمة الإيبولا، فإننا نجد أن إفريقيا قد أظهرت كيف يمكن التحكم في الأوبئة ومن ثم القضاء عليها بشكل شبه مطلق بفضل تدابير المساعدة الدولية المناسبة. وبصفتنا مجموعة من الباحثين المنحدرين من أوروبا وإفريقيا، فإننا نرى بأنه من الأهمية بمكان أن يوجه انتباه العالم أجمع إلى أثر وباء كورونا على إفريقيا. إن هذه الأزمة تمثل نقطة التقاء بين العولمة والفقر العالمي، ويجب أن تصبح فرصة للتعاون الدولي. يونس أديتو، معهد دراسات السلام والأمن، إثيوبيا كريم العيناوي، مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، المغرب توماس غومار، معهد العلاقات الدولية، فرنسا باولو ماغري، معهد الدراسات السياسية الدولية، إيطاليا غريغ ميلز، مؤسسة “برينتهورست”، جنوب إفريقيا كارين فون هيبل، المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية، لندن غوترام وولف، مركز الأبحاث “بروغل”، بروكسل.