أطلقت جماعة العدل والإحسان خلال الأيام القليلة الماضية حملة ممنهجة لنشر “أوسام افتراضية”، أو #هاشتاغات كما يصطلح عليها المدونون والمغردون في منصات التواصل الاجتماعي، تزعم فيها بأنها تطالب بالحرية لمن تعتبرهم “أولاد الشعب”، وتدعو لتنظيم أشكال احتجاجية بالشارع العام دفاعا عن “الحرية” كقيمة إنسانية كونية. وقد أثار انخراط جماعة العدل والإحسان، بشبيبتها وناطقها الرسمي ومختلف أقلامها، في حركية التدوين الافتراضي بالهاشتاغات، مجموعة من ردود الأفعال المشككة في نوايا وأهداف هذه الحملة المكثفة، إذ اعتبر معظم المدونون بأن “الجماعة إنما تقوم بتصريف رسائل سياسية للدولة، كدأب عادتها دائما في قضايا مماثلة، محاولة الركوب على الأحكام القضائية الصادرة في حق معتقلي قضايا نشر المحتوى المسيء، دون أن يكون همّها الحقيقي هو الانتصار لقيم الحرية كما هي متعارف عليها دوليا، ودون أن يكون هاجسها هو الدفاع عمن وصفتهم بأولاد الشعب”. واستشهد هؤلاء المدونون بمرجعية عبد السلام ياسين حول الحرية، والتي تختلف عن الحرية بمعناها الوضعي في المرجعيات والشرائع الدولية، متسائلين كيف لجماعة بلحاف ديني يعتبر مرشدها ومؤسسها في مؤلفه “مقدمات في المنهاج” بأن “الحرية التي تعتبر شعارا مطلقا كثيرا ما تخفي نيات الاستعباد”، أن تناصر الحرية كتيمة من تيمات الفكر التنويري الليبرالي؟ كما أردف أصحاب هذا التوجه كيف لجماعة ما زالت تطرح أسئلة مبدئية حول الحرية أن تطالب بها كقيمة إنسانية؟ فالفكر العقدي للجماعة لازال يتساءل “عن نوع الحرية التي نطلبها لرقابنا المملوكة فرادى وأمة. حرية اليمين الليبرالي أم حرية اليسار؟ الحرية السياسية الرأسمالية أم الحرية الاقتصادية في ظل النظام الاشتراكي؟ التحرر ممن؟ التحرر من ماذا؟ التحرر إلى ماذا؟” فالذي لازال يطرح مثل هذه الأسئلة المبدئية لا يمكنه أن يدافع عن الحرية للمغاربة، يقول أصحاب هذا التوجه. وفي سياق متصل، يرى الأستاذ الحبيب حاجي، المحامي والناشط الحقوقي، بأن “موقف جماعة العدل والإحسان يثير كثيرا من الارتياب، ويطرح العديد من علامات الاستفهام حول حقيقة اصطفافها إلى جانب حرية المغاربة، قبل أن يخلص إلى تكوين قناعة ثابتة وراسخة مؤداها أن جماعات الإسلام السياسي لا يمكنها أن تكون صادقة في دفاعها عن الحرية، وإنما مدفوعة إلى ذلك بأجندات سياسوية”. وأردف المتحدث قائلا “بأن الحرية هي قيمة كونية مطلقة، وهي مسألة لا تتقاطع ولا تلتقي بأي شكل من الأشكال مع فكر جماعة لازالت تعتبر الإنسان الذي يتصور نفسه حرا إنما هو أسير لأناه وهواه، بل إن مرشدها كان يعتبر مثل هذا الإنسان (غافلا) لأنه يعتبر حريته هي استقلال أنانيته عن كل وازع أخلاقي أو ديني”. وتساءل الناشط الحقوقي: “كيف لجماعة تفرض قيودا أخلاقية ودينية على الحرية أن تطالب بها كحق مطلق لعموم المغاربة؟”، قبل أن يستطرد كلامه بأن “حملة الهاشتاغات التي أطلقتها الجماعة تنطوي على تناقض صارخ وبرغماتية خطيرة: فالجماعة التي تعتبر الحرية مسؤولية، وأن لا حرية مع التهور واللامسؤولية، هي نفسها التي تنادي بالحرية لمن تتابعهم الدولة في قضايا المحتوى المسيء للمؤسسات!!”، خاتما تصريحه بأن “الحرية يجب أن تبقى بعيدة عن الدين، وخصوصا عن المتأسلمين و(دهاقنة ) جماعات الإسلام السياسي”. وعلى صعيد آخر، رأت العديد من التدوينات في حرب الهاشتاغات التي انخرطت فيها جماعة العدل والإحسان بأنها “تكتيك مفضوح ومعروف ضمن ما يسمى بأدبيات استنزاف الدول، وقد سبق الركون إليه من طرف جماعة الإخوان المسلمين إبان الثورة المصرية في سنة 2011 ومن طرف الحركة الشيعية في البحرين في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، إذ تتم المراهنة على إشهار الورقة الحقوقية واستهداف المؤسسات الأمنية والقضائية، فضلا عن شغل الفضاء الرقمي بنقاش حول الحرية، في محاولة لتقديم المشهد العام وكأنه يغلي ويحتقن، بيد أن الذي يغلي هو فقط صفحات وحسابات هذه الجماعات على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الجماهيري”. وعلاقة بنفس الموضوع، أبدى رواد العالم الأزرق امتعاضهم مما وصفوها “حملة الكذب” التي انخرطت فيها شبيبة العدل والإحسان، والتي قالوا أنها “وصلت حد تحريف الحقائق ونشر محتويات زائفة، عندما أدرجت -بشكل ملتبس ومشوب بالتحريف- ضمن قائمة (معتقلي الرأي) شخصا أضرم النار عمدا في العلم الوطني وتجاهر بذلك في مدينة خنيفرة، وشخصا اعتدى على عنصر للقوات المساعدة بضواحي طاطا، في محاولة لتقديم هؤلاء المدانين ضمن قضايا الحق العام على أنهم معتقلين من أجل حرية التعبير”. يذكر أن جماعة العدل والإحسان لم تكتف فقط بإطلاق هاشتاغات “الحرية” في مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما وجهت دعوات صريحة للاحتجاج بالشارع العام، وهي مسألة تصعيدية يرى فيها المدونون بأنها يمكن أن “تنساق بقضايا بعض المعتقلين نحو أتون التسييس، وتعطي لتلك الجرائم مخرجات سياسية بعدما كانت منطلقاتها قانونية”، وهي المسألة التي قد تنذر بتصدعات بين المحامين وعائلات المعتقلين من جهة، وبين جماعة العدل والإحسان من جهة ثانية، إذ لم يسبق لقضية أن كان مآلها الانفراج وهي تختزل في طياتها خلفيات سياسية برداء ديني.