كوم-ماريا الغالي يكشف موقع “برلمان.كوم” لأول مرة اسرار ظاهرة اجتماعية تدور وقائعها على الشواطئ المغربية، التي تحولت الى “بيران مفتوحة ” أو معابد لحدام الاله “ديونيسيوس” على طول الخط الساحلي الممتد بين تمارة، الرباط، سلا، القنيطرة الى حدود ساحل دولة الرب المتسامح، تقام نهاية كل أسبوع، وبعد انحدار الشمس حفلات خاصة بفضاءات مفتوحة، و داخل عربات المغادرين طوعا للحانات المغلقة والناشدين لمساحات شاسعة ذات منظر طبيعي جذاب وجو صحي، ولم لا؟ مجاني كذلك، مرافقين حورياتهن اليانعات وحولهم قنينات المشروبات الروحية لقضاء أمسية ممتعة في الهواء الطلق. وللمارين امام معابد ديونيسيوس “الهة الخمر الاغريقي” المشهور، حق التساؤل عن سبب اختيار هذه المواقع لهذه التجمعات الخمرية الساهرة؟ وكيفية اقامتها؟ وماهية طقوسها الخاصة؟ وبداياتها؟ وانطباع المواطنين؟ و كذا موقف السلطات منها؟ لمعرفة اجوبة هذه التساؤلات نتجول بكم داخل هذه “البارات المفتوحة” لنتعرف على روادها. خط زمني مهتز. يصعب الحديث عن فترة يتم بها حصر ظاهرة السكر العلني في بداياته، فقد ظهرت كعدد من الظواهر بشكل تلقائي وعفوي، انتشر بطريقة سلسة وغير مفهومة تبدو بدهية وغير منسقة على الرغم من استتباب امورها ومنهجية مواقيتها واماكنها وسلامة مبتكريها من المتابعة والمضايقة. فهل بدأت منذ فترة طويلة؟ ام انها حديثة العهد؟ يصعب فعلا الحسم في ذلك، ولهذه الصعوبة عواقب خطيرة حتمية لا مبشر او منذر بإنهائها او الحيلولة دونها، فكيف نؤمن بأفول نجم ظاهرة ما ونحن نجهل بوادر ظهورها؟ الساعة تشير الى السابعة مساء من احد ايام شهر ابريل الربيعية، سكون وهدوء على جنبات الشاطئ، وفي الامام سيارات متراصة، يوجد بها عشاق الكؤوس الحمراء. اتجه موفد “برلمان.كوم” صوب “احمد” الرجل الثلاثيني صاحب السيارة الاقتصادية رفقة اثنين من أصدقائه، بعد ان اخفى قنينته عن انظارنا. قال ضاحكا بان شاطئ هرهورة هو وجهته الدائمة منذ ازيد من اثنا عشرة سنة، وعن رفيقه “كريم” الذي اكتشف روعة المكان عن طريق أصدقائه، قال:جعلته مرتادا بانتظام منذ ستة اشهر، ولكن رفيقهم الأخير اضطرب في تحديد الفترة الزمنية التي تحدد اول زياراته للمكان مكتفيا بالقول: “قدومي لهذا المكان منذ فترة لا اذكرها والاساسي انه افضل رقعة للاختلاء بمشروبي المفضل”. طقوس عبدة الهة الخمر” ديونيسيوس” بعد الملاحظة والتتبع يمكن القول اجمالا بان ابرز ملامح هذه الممارسات تتلخص في معاقرة الخمر، تبادل الشتائم، الممارسة الحميمية وسخب الموسيقى، في جو حالم وهادئ لمحاولة عدم لفت الانظار تبدو فيه الاجساد ملتصقة. معظم مرتادي هذه الأماكن شباب في متوسط العمر رفقة فتيات ألغبهن قاصرات على الاغلب، لا تجمعهم ظروف معيشية مشتركة بالضرورة، فبينهم الأغنياء وأبناء الطبقة المتوسطة، فيتخذون هذه الفضاءات ميدانا خاصا لمتعتهم الشخصية، التي تثير ارتياب المارة ومخاوفهم واستياءهم في كثير من الأحيان، للحرج الواقع بين الجنسين في حالة السباب والخوف المستمر من شطحات عقول المخمورين ومخلفات حفلاتهم التي تلوث الفضاء وتفقده حسه الجمالي والصحي. ارض المعبد المدنسة وعن اسباب اختيار “البارات المفتوحة” لمقارعة الكؤوس فان للمرتادين ميلا لعزلة غير مفهومة، تجمع بين مساحة لا تتعدى امتار معدودة من باب الخصوصية وتمركزها في مناطق معظمها مأهولة لا تبتعد عن التواجد البشري كالطريق الساحلي بمهدية و بوقنادل: Des nations وبسلا بالخصوص بالمنطقة المسماة حي النهضة-حي اشماعو وبالرباط قبالة مقبرة الشهداء وبشاطئ الرمال الذهبية ثم الهرهورة، فبوزنيقة الى نهاية الخط عند حدود الدارالبيضاء. تتوسط هذه النشاطات الخمرية والحميمية بعض التجمعات السكانية ولا تنأى عنها، مما يشكل ازعاجا للمواطنين، اذ يلقي بوطأة الحرج والضيق الثقيلة الواضحة في ارتساماتهم المتسمة جميعها باللغة القوية والرافضة لهذا السلوك والتي لا تتوانى أحيانا من التعبير عن تضايقها بطرق شتى مع بقاء حالة العجز عن التصرف بشكل حاسم امام صمت مطبق للسلطة. تقول حنان: “من المشين ان تمر مع والديك لتجد صفوفا متراصة للمخمورين رفقة صديقاتهم وقد يرد الى مسامعك بعض الالفاظ النابية او ترى بعينك تصرفا مخلا للحياء وسط المارة”. ويعلق لحسن: ” هؤلاء لم يتلقوا تربية ملائمة وكل المسؤولية على الاباء الذين لا يهتمون بشؤون أبنائهم ويتركونهم في الشوارع لا يدري احدهم ان ولده متعاط ام زان”. يضيف عزيز: ” من يريد ان يسكر فليدخل بيته ولن يعاقبه احد او يلومه، لكن الشارع للجميع”، و يضيف صديقه متدخلا : “برايي انهم احرار بتصرفاتهم وهم معظم الوقت لا يؤذون أحدا والمهم الا يلوثوا مساحة طبيعية مطلة على البحر بمخلفات زياراتهم، ولكن لكل حريته في فعل ما يريد”. الهروب من الحانات الى ” البارات المفتوحة “ عند سؤالك لكثير من مرتادي “البارات المفتوحة” عن سبب اختيار وجهتهم هاته، لا تواجه الا بجواب واحد: “فين انمشيو؟ فالحانات لكثير منهم اما مكلفة او خانقة او جالبة لشبهات”، هم يسعون للتستر عليها !!، وحين تحاول فهم سبب الاختيار بالضبط للشواطئ تقابلك إجابة مكررة: “لقينا الناس هنا وجينا” ولا احد منا يدري صاحب هذه السُنة بطقوسها خاصة. “احمد” الثلاثيني ذو البنية الممتلئة يقول وهو يخفي قنينته عن انظارنا: ” انا اتي هنا لمشاهدة البحر رفقة الأصدقاء والصديقات ولا أرى عيبا بذلك”. ويقول السيد يوسف الخمسيني ذو الجلسة المرتاحة بسيارته الاقتصادية على انغام عزف الفنان الشعبي حجيب: “لا احد يستطيع ان يمنعك من الجلوس في سيارتك في مكان عام. ما دمت لا تؤذي أحدا ولا تثير ضجة”. وحين سألناه إن لم يكن متخوفا من مداهمة الشرطة لسيارته وبحيازته مشروبات كحولية كرر قائلا: “انه لا يؤذي أحدا والشرطة تتابع المغتصبين و”المشرملين” ومنهم من يعاقر مثلي الخمر” “لمحمد” وخليلته رأيا مغايرا، اذ قال وهو يمسك من خصر خليلته “حسناء” داخل سيارتهما الانيقة: ” المكان مريح ونحاول ان لا نزعج أحدا وكما ينزعج الناس من أصحاب السيارات بهذه الفضاءات، فأنا كذلك انزعج من ان الجميع يملك فكرة مبالغ فيها أحيانا عمن يقف بسيارته على الشاطئ، انا هنا لأجد شيئا من الخصوصية مع صديقتي دون افتعال أي مشاكل او مخالفات، فنحن لا نحتسي المشروب ولا نقوم بشيء مشين، نحن هنا للاستمتاع بالمنظر الطبيعي وسماع بعض الموسيقى الهادئة”. وفي سؤال للفتاة الحسناء بجانبه عن اختيارها لهذا الفضاء اجابت؛ “بانه مكان هادئ والناس لا شغل لهم الا اتباع الاخرين وانها تتحرج من الجلوس بالمقاهي او التسكع في أي مكان وتجد شيئا من الراحة هناك لولا تصرفات البعض غير اللائقة”، وهنا توجهنا بسؤال اخر لمحمد عن الأسباب الأخرى لارتياد هذه الأماكن، قال: “الكثيرون يهربون من الحانات لأثمنتها التي لا تناسبهم، وبعضهم لا إمكانية له للاختلاء في بيته وبعض القاصرين يخشى ان يرى بأماكن مماثلة ولكن في نظري ان معظم الناس اعتاد ان يختلوا اذا ما أرادوا ان يشربوا الخمر فهي عادة مجتمعية قبل كل شيء”. اضافت الفتاة: ومن الناس من يحب البحر ببساطة، وكل شخص مسؤول عن تصرفاته، ليست مسؤوليتي الخاصة ان يرمي احد مخلفاته هنا، او يمارس افعالا شائنة بالمكان او يزعج الاخرين بموسيقى الشعبي”. ونحن نعود ادراجنا تساءلنا عن كيفية حل هذا النزاع وسط استياء الساكنة و تزايد اعداد الوافدين على اطراف الطرق، و موقف السلطة الصامت ان لم نقل المنحاز للمرتادين الذين لا تتم متابعتهم ولا تطبيق أي قوانين تخص السكر العلني والافعال الفاضحة في الطرق العامة في حقهم. وهنا يطرح سؤال نفسه بعيدا عن أي انتصار للأخلاق والقيم الدينية: هل في ارتياد مجموعة من الناس بسياراتهم للشواطئ حاملين قناني الخمر امر معيب؟ ام هو امر ببساطة امر عادي؟ وان كان كذلك فلم الاستياء المشهود منه؟ ام عن كونه مرفوضا وخطأ فما سر الحياد الظاهر من موقف السلطات المستكين؟ بعيدا لكن ليس كثيرا عن ارض الحدود والعقوبات ان الفضاء العام حيز يحفظ لمرتاديه حق التنزه المصون بالحماية والامن ويحثهم على التزام السلوك العقلاني والمحافظ، فان متعاطي الكحول يقعون خارج هذه الدائرة لا لشيء الا لانهم يخرقون هذه القاعدة بغياب الوعي والانضباط الناتج عن المعاقرة في مكان غير محدود وبه شرائح مختلفة من المجتمع قد تتأثر بما يجري، الى جانب كونهم يسوقون عرباتهم تحت تأثير الكحول. والقانون الجنائي المغربي ينص كما يعرف الجميع في الفصل 1 الذي “يعاقب بالحبس لمدة تترواح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين 150 و500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالة كل شخص وجد في حالة سكر بين الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم”. ويمكن أن تضاعف هاتان العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود بحالة سكر في ضوضاء تقلق راحة العموم او بموجب ما تنص عليه مدونة السير في نسخها الأخيرة في حالة حيازة الخمر او السكر اثناء السياقة بعقوبة دونما تمييز بين حالة السكر وحالة الثمل. ويعتبر هذا الفعل جنحة يعاقب عليها بالحبس من 6 أشهر إلى سنة واحدة أو بغرامة تتراوح بين 5000 و10.000 درهم، وكذا سحب رخصة السياقة لمدة تتراوح ما بين 6 أشهر وسنة واحدة كما يعتبر السكر ظرفا من ظروف التشديد في حالة ما إذا أدت الحادثة إلى قتل أو جروح خطيرة أو عاهة مستديمة.. وفي غياب تطبيق لعقوبات القوانين المنصوص عليها نواجه بما لا يدع مجالا للبس، حقيقة أن للمرتادين حقوقَا و حصانةُ وشرعيةً سندهم إما الإخلاص في أداء ضرائب خاصة لاقامتهم أو رعاية الالهة “ديونيسيوس” لرعاياها وخدام معبده الامجد.