لفت انتباه المتتبعين رسالة رفعها مؤخرا، التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي تنضوي تحت لوائه جل جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي ومن بينها المغرب، ممثلة في حزب العدالة و التنمية (البيجيدي)، رفعها التنظيم، إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يكيل له فيها المديح والثناء على الدعم الذي ما فتئ يقدمه للإخوان. ومما جاء في هذه الرسالة التي وقعها باسم التنظيم الدولي للإخوان، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، “في ظل الحملة الإعلامية الشرسة على جماعة ” الإخوان المسلمون ” وفكرها، تلقينا تصريحات فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تتحمل دولته مسئولية رعاية الملايين من ضحايا الظلم والاضطهاد في العالم، ورفضه كرئيس دولة وصْف جماعة الإخوان بالإرهاب، وإعلانه في تصريحاته أن ” الإخوان المسلمون” جماعة فكرية منتشرة في أماكن مختلفة من العالم و لم تقم بأي عمل مسلح، وإذا تمت معاملتها معاملة الإرهابيين فإن ذلك لن يكون صحيحا”. ويضيف تنظيم الاخوان، الذي على الرغم من سقوط نظامهم في مصر (نظام محمد مرسي)، ما زالوا، انطلاقا من تركيا يرتبون أمورهم وينسقون خططهم للاستلاء على الحكم في عدة أقطار، (يضيف) في رسالته أن “هذا الموقف العادل والصريح من الرئيس أردوغان ليس غريبا عليه كصاحب مواقف قوية ومبدئية ومنصفة”. وتؤكد الجماعة على أنها “لن تخذل” الرئيس اردوغان “مهما زادت الضغوط وكثرت الافتراءات” (…) وأنها “لن تتخلى عن منهجها السلمي كثابت من ثوابت فكرها، من خالفه فليس منا”، مذكرة بمقولة للمرشد العام للإخوان المسلمين ،”سلميتنا أقوى من الرصاص”. لا شك أن مضمون هذه الرسالة يتبناه قلبا وقالبا إخوان ابن كيران في حزب العدالة والتنمية، ولو سرا لا علانية في إطار ما يسمى ب”التقية السياسية”، باعتبارهم، حسب كل الدلائل والمؤشرات، يمثلون فرع المغرب للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأيضا بالنظر لكونهم يجعلون من أسلوب حزب العدالة والتنمية التركي وتجربته في الوصول إلى الحكم وتمكين زعيمه طيب رجب أردوغان من التربع على السلطة، نموذجا يستلهمون منه الكثير سواء على مستوى الأفكار أو الطرق الموصلة إلى الهدف. طبعا هذا ليس كلام يطلق على عواهنه كما يقال، بل تؤكده العديد من الدلائل والوقائع وكذا المواقف والتصريحات الصادرة عن قيادات الصف الأول في “البيجيدي”. ممارسات “البيجيدي” تتماهى حد التطابق مع استراتيجية الاخوان المسلمين بالنسبة لعلاقة حزب عبد الإله ابن كيران بفكر وفلسفة الاخوان المسلمين وفهمهم للاسلام السياسي وتصورهم لتكتيك التغلغل وسط مختلف شرائح المجتمع وتمكنهم التدريجي من التموقع في مفاصل الدولة ومؤسساتها، أمر يؤكده العديد من الباحثين والمتخصصين في سلوك وفكر جماعات الإسلام السياسي، حيث يجمعون على أن حزب العدالة والتنمية المغربي يسير على خطى تنظيم الاخوان المسلمين، متماهيا حد التطابق مع استراتيجيتهم في الوصول إلى الحكم. و”البيجيدي”، في تطبيق خطته، كما يرى هؤلاء المحللون، يوظف، فضلا عن وسائل الاتصال الحديثة، مجموعة من أدوات القرب، التي تمثل أذرعه التنفيذية وفي مقدمتها حركة التوحيد والإصلاح في المجال الدعوي، وغيرها من التنظيمات الموازية في قطاعات أخرى مثل الشبيبة والنساء والمجال الحقوقي. وعن تطابق نهج العدالة والتنمية مع ما سار عليه الاخوان المسلمون في مصر، يقول المتخصص في الجماعات الإسلامية، محمد رضا الرحماني، إن جل زعماء حزب المصباح وقيادييه من الصف الأول ترعرعوا في صفوف حركة التوحيد والاصلاح وتتلمذوا على يد أهم منظري الاخوان، وخاصة سيد قطب الذي يعتبر كتابه “معالم في الطريق” بمثابة الدستور التطبيقي للحركات المنضوية تحت لواء التنظيم الدولي للاخوان المسلمين من أجل الوصول إلى الحكم، بما في ذلك نظرية “الحاكمية” التي تتحقق (سياسيا) من خلال سيطرة حزب سياسي ذات توجه ديني اسلامي في الحياة السياسية ولو عن طريق القوة والاغتيالات. ويضيف الباحث أنه من بين قيادات الحركة الإسلامية المغربية التي تأثرت بفكر الاخوان المسلمين يوجد عبد الاله ابن كيران، محمد الحمداوي، سعد الدين العثماني، الحبيب الشوباني، مصطفى الرميد، أحمد الريسوني، وهم الذين يكونون القاعدة الأساسية للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين بالمغرب. ونقل الباحث عن ابن كيران قوله في لقائه مع قناة “المحور” سنة 2008، إنه تأثر، حينما كان قياديا في حركة التوحيد والاصلاح، بكتاب سيد قطب “معالم في الطريق”، وأنه “شبه مقتنع أن الحركات الاسلامية بالمغرب بمختلف مدارسها وتشكلاتها هي من مدرسة الاخوان المسلمين”. في نفس السياق، يقر زعيم “البيجيدي” أنه بعد قراءته لكتاب “معالم في الطريق” اقتنع بتفكير الاخوان، وأنه بايعهم مبايعة شرعية، كما قال مقدم الحلقة ولم ينكرها ابن كيران. إخوان ابن كيران معجبون بنموذج نظام أردوغان وأسلوبه في الوصول إلى الحكم بالنسبة لعلاقة ابن كيران وقيادات العدالة والتنمية بالرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه التركي، الذي يحمل نفس الاسم، كل المتتبعين يسجلون مدى تهافت إسلاميي “البيجيدي” في المغرب على ما يصفونه ب، “النموذج” التركي في الحكم، وطريقة تمكنه من السيطرة على مختلف دواليب الدولة ومؤسساتها وفق تكتيك وخطة محكمة لحزب أرودغان وتنظيماته. وكان أمين عام المصباح قد أشار في حوار سابق مع موقع “قنطرة”، إلى نقط التشابه العديدة بين الحزبين، عبر عنها بالقول: “نتشابه معا في محاولة كل منا الاستفادة من الروح الدينية المتواجدة في المجتمع للدفع بعجلة الإصلاح إلى الأمام وتمتيع الشعب بحقوقه الطبيعية والتقدم في تصحيح مجال حقوق الإنسان والحريات، لكن في إطار المرجعية الإسلامية وحدودها الممكنة”. ولعل من المفيد التذكير بأن أردوغان كان أحد أول المسؤولين الدوليين الذين اتصلوا بابن كيران هاتفيا لتهنئته على تعيينه رئيسا للحكومة سنة 2011، ودعاه في تلك المكالمة إلى زيارة أنقرة. كيف لا، وابن كيران من أكبر المعجبين بأردوغان وتجربته، بل إن ابنيه درسا في تركيا، كما فعل العديد من إخوانه وأبنائهم في قيادة الحزب وأذرعه المختلفة. وبعد تشكيل حكومة ابن كيران، زار تركيا مرارا وتكرارا العديد من الوزراء في الحكومة المحسوبين على “البيجيدي”، في مقدمتهم وزير الخارجية والتعاون السابق، سعد الدين العثماني والحبيب الشوباني وعزيز الرباح وعبد القادر عمارة، الذي كان ضمن ركاب سفينة “أسطول الحرية” التركي، الذي حاول عام 2010 كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، قبل أن يتعرّض لهجوم عسكري من طرف قوات تل أبيب. الاستئناس بالأسوب التركي لترويض “الدولة العميقة” من بين القضايا التي استهوت إسلاميين المغرب في النموذج التركي ترويض ما يسمى ب”الدولة العميقة”، أو ما يطلق عليه إخوان ابن كيران ب “التحكم”، آملين في الاستفادة من الأسلوب المهادن الذي اعتمده حزب العدالة والتنمية التركي في السنوات الأولى لتأسيسه سنة 2001 تجاه المؤسسات الماسكة بزمام السلطة في البلاد، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية والقضاء، وهي مؤسسات كانت تبدي تخوفا من سيطرة الإسلاميين على دواليب الحكم كمقدمة لتقويض النهج العلماني للدولة الذي أقامه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى أتاتورك . مؤشر آخر على قرب عبد الإله ابن كيران وحزبه من النظام التركي بقيادة أردوغان، يتمثل في سرعه تهنئه لأروغان على فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها عناصر من الجيش التركي في يوليوز من السنة الماضية. وبالإضافة إلى رسالة التهنئة التي بعث بها ابن كيران والتي جاء فيها “يتقدم حزب العدالة والتنمية بالمغرب بالتهنئة لكم ولحزبكم وعبركم للشعب التركي العظيم وقيادته المنتخبة”، قام وفد يضم قيادات “البيجيدي” بزيارة سفار تركيا في الرباط. ومن هنا يظهر جليا، لماذا يتبنى إخوان ابن كيران ، المتماهي حد التطابق مع إخوان مصر، رسالة الشكر والتنويه التي وجهها تنظيم الاخوان المسلمين لأردوغان ونظام أنقرة، باعتباره يمثل السند القوي والحصن الحصين لهم، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها جماعات الإسلام السياسي في شرق العالم العربي ومغربه.