لا يختلف اثنان على أن الربيع العربي الذي عرفته العديد من الدول العربية دفع مجموع الأفراد المكونة للجماهير للانخراط في هذه الموجة ب كل عفوية، مرددين الشعارات التي هي أقرب الى معتقدات العرق والدين وبالتالي لم يكن مفاجئا رفع شعارات إسلامية تتماشى والشخصية الأساسية للمجتمعات الاسلامية. غير أن الجماهير العفوية، والساذجة أحيانا، غالبا ما يتم السطو عليها من طرف تيارات سياسية أو دينية من أجل الركوب على الأشكال النضالية وتوجيه الجماهير وفق أجندات خاصة لم تكن هي الأرضية الأساسية لخروج الجماهير. وكما نعلم فإن الفَرْد (كما يقول فرويد) “ما إن ينخرط في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقا. أو قل إنها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها أو التعبير عنها بمثل هذه الصراحة والقوة”. من هنا عمل التنظيم الدولي للاخوان المسلمين على استغلال خروج الجماهير والتلاقي الايديولوجي والديني مع توجهات الجماهير العربية والاسلامية من أجل وضع استراتيجية محكمة للسطو على ثمرات الربيع العربي. هذه الاستراتيجية، ليست بغريبة ولا بجديدة على طريقة تعامل جماعة الاخوان المسلمين مع حركات الجماهير، حيث أن الجماعة كانت دائما تستغل ظروف نزول الجماهير وتنقض على أول فرصة للركوب على مطالبها وترويضها وفق أجنداتها السياسية، مستغلة في ذلك سذاجة ولا عقلانية الجماهير المشحونة غالبا بمجموعة من الانفعالات الوطنية ومكرسة بواسطة العقائد الايمانية القوية، حيث غاليا ما تكون بعيدة كل البعد عن التفكير العقلاني والمنطقي. هذا التحليل ينطبق بدقة على حزب العدالة والتنمية المغربي، و إذا ما استقرأنا التاريخ القريب للحزب نرى أنه ينطبق تماما مع استراتيجية التنظيم الدولي للإخوان. من خلال الدراسة المعمقة لطبيعة تنظيم الاخوان المسلمين، والسياق التاريخي لنشأة وتطور الحركة. ورصد التبعية الإيديولوجية والتنظيمية لحزب العدالة والتنمية لحركة التوحيد والاصلاح، فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في المغرب. بالإضافة إلى تحليل استراتيجية تعامل حركة الاخوان المسلمين في سعيها لحسم السلطة السياسية لصالحها، نسجل التماهي الكبير للتدبير السياسي لحزب العدالة و التنمية مع المشروع العالمي للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين، بتوجيه من المركز الفعلي للقرار السياسي المتمثل في حركة التوحيد والإصلاح. هذا التماهي يجد ما يصوغه في اتباع حزب العدالة و التنمية نفس الأساليب التي تم انتهاجها من طرف حركة الاخوان المسلمين في مصر والتي يمكن رصدها في محورين رئيسيين: إن حزب العدالة والتنمية، ومن خلا ل الدراسات المنجزة حوله والأبحاث الأكاديمية تبرز أن جل زعمائها هم قياديين من الصف الأول في صفوف حركة التوحيد والاصلاح والمتتلمذين على يد أهم المنظرين منهم حسن البنا وخصوصا سيد قطب الذي يعتبر كتابه “معالم في الطريق” بمثابة الدستور التطبيقي للحركات المنضوية تحت لواء التنظيم الدولي للاخوان المسلمين من أجل الوصول إلى الحكم. وسيد قطب هو المنظر لفكرة “الحاكمية” التي تتحقق (سياسيا) من خلال سيطرة حزب سياسي ذات توجه ديني اسلامي في الحياة السياسية ولو عن طريق القوة والاغتيالات. كما أن كتاب سيد قطب “معالم في الطريق” يعتبر بمثابة وثيقة تعد الأخطر فى تاريخ الحركات الإسلامية لما يحتويه من أفكار تكفيرية تؤصل للإرهاب الفكري وللمواجهة مع الأنظمة السياسية ويتحاشى الإخوان دائمًا الحديث عن هذا الكتاب. وقد التف حول تلك الأفكار الإخوان المسلمون وآمنوا بها، وكانت من أهم الأسماء التى تربت على تلك الأفكار عبد الإله بن كيران باعترافه على قناة الحوار في برنامج مراجعات. ويرى حزب العدالة والتنمية أنهم وحدهم الجديرون بتغيير المجتمع الجاهلي والكافر.. وأنهم وحدهم من يملكون الوصاية والقداسة وحق تطبيق شرع الله كما يفهمونه هم”. ومن بين القيادات الحركية المغربية التي تأثرت بفكر الاخوان المسلمين نذكر، عبد الالاه بن كيران، محمد الحمداوي، سعد الدين العثماني، الحبيب الشوباني، مصطفى الرميد، أحمد الريسوني، والذين يكونون القاعدة الأساسية للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين بالمغرب. على هذا المستوى، يتلاقى ما قاله السيد محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد و الإصلاح مع ما جاء على لسان السيد عبدالاله بن كيران في لقائه مع قناة المحور سنة 2008 حينما كان قياديا في حركة التوحيد و الاصلاح والذي يقر، من خلاله، أنه تأثر بكتاب سيد قطب “معالم في الطريق”. وأنه “شبه مقتنع أن الحركات الاسلامية بالمغرب بمختلف مدارسها وتشكلاتها هي من مدرسة الاخوان المسلمين”. في نفس السياق، يقر السيد عبد الالاه بن كيران أنه بعد قراءته لكتاب “معالم في الطريق” لسيد قطب، اقتنع بتفكير الاخوان و أقر أنه بايعهم مبايعة شرعية كما قال مقدم الحلقة ولم ينكرها السيد بن كيران . كما يؤكد السيد عبد الإله بن كيران في الحلقة الثانية من نفس المراجعات على كون “العلاقة بين الحركة وجماعة الإخوان المسلمين كانت و لا تزال علاقات جدية”. إن ضعف البنية الحزبية و التأطير القاعدي للجماهير من طرف التشكيلات السياسية فسح المجال لحزب العدالة و التنمية للسطو على مطالب الحركات الاحتجاجية و بالتالي الفوز بالاستحقاقات الانتخابية للسابع من أكتوبر 2016 التي مكنته من قيادة الحكومة الجديدة. 1) استراتيجية التحالف مع المؤسسة الملكية تعتبر محاولة الحزب الفوز بالثقة الملكية من أجل الهيمنة على المشهد السياسي من أبرز سمات الخط السياسي للحزب، ولم يترك السيد عبدالاله بن كيران أية فرصة تمر دون التعبير على مدى ولائه للعرش ويقدم نفسه كحليف استراتيجي والوحيد القادر الاعتماد عليه من طرف المؤسسة الملكية. غير أن هذه الاستراتيجية تدخل في نطاق “التقية السياسية” ولعبة “المصالح المشتركة مع الطاغوت” التي تم اسيرادها من الحركة الأم بمصر. وفي هذا، يؤكد بن كيران في جميع خرجاته على موقفه المعلن من الملكية بالقول: “ملك المغرب هو سليل أسرة تحكم منذ أربعة قرون، ورثت الحكم عن أسر تحكم منذ إثنى عشر قرنا، و بيته من كبار بيوت الشرفاء و يصل نسبه إلى الرسول صلى الله عليه و سلم، و هو أمير المؤمنين في المغرب باعتبارنا أمة من المؤمنين و هذا أميرنا، و تسمية أمير المؤمنين تضمن الصفة الدينية للدولة وهذا هو الذي يعطي الفرصة للمطالبة بتطبيق كل ما أمكن من الدين الإسلامي لأننا في دولة إسلامية ملكها أمير المؤمنين”. ويبقى الهدف الغير المعلن هو محاولة الاستحواذ على السلطة وعزل المؤسسة الملكية في علاقتها مع باقي القوى السياسية في أفق توجيهها وفق ما تقتضيه رؤيتها ورؤية التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، مستغلين في ذلك الوضع الديني للملك بصفته أمينا للمؤمنين وهو أولى بتطبيع الشريعة والبلوغ بمقاصدها وتنزيلها. وتعتبر هذه مرحلة حاسمة لإحكام قبضتهم على المؤسسة الملكية، في أفق الانفراد بها والقضاء عليها بدعوى فشلها في إقامة شرع الله وتطبيق الشريعة الإسلامية عقيدة ومذهبا. وقد ساعدهم في ذلك ضعف التواجد الحزبي وفقدان الثقة في القوى السياسية مما جعل الحركة والحزب في مواجهة منافس واحد: هو المؤسسة الملكية، حيث لا تتردد القواعد الحركية والحزبية على توجيه انتقاداتها اللاذعة للاختيارات الملكية ومحاولة تحريض العامة على التجرؤ على حرمة المؤسسة الملكية وسط تزكية ضمنية في الحركة والحزب. كما أن الإعلان المتكرر على التناغم الشديد بين الحكومة والملك وأن هذه الأخيرة تستمد قوتها من المؤسسة الملكية، تعتبر رسالة للقوى السياسية مفادها أن التشويش على الحكومة إنما هو تشويش على الملك رأساً. 2) حركية الجماهير و استراتيجية الضبط الاجتماعي أتباع الحزب والاستيلاب العقلي يتميز الجو العام داخل أركان حزب العدالة والتنمية بسيطرة العاطفة على العقل وتسود وسطه الانفعالات البدائية والتي يمكن ان تتكرس وتتقوى بالعقائد الإيمانية السائدة وسطه. لقد أصبح أتباع الحزب قوة عمياء في يد زعيمها، وأصبحت تنساق ورائه دون تفكير او جدال، حيث أنها على عكس المواطن الحر، لا تقتنع بالعقل والمنطق بل تتأثر بالصور والايحاءات والشعارات الحماسية والأوامر المفروضة. إن هؤلاء القادة “الدينيين” مثل بن كيران ومن هو على شاكلته ليسوا غالبا رجال فكر، ولا يمكنهم أن يكونوا كذلك، وإنما رجال ممارسة وانخراط، وهم قليلوا الفطنة وغير بعيدي النظر، فبعد النظر يقود عموما إلى الشك وعدم الانخراط في الممارسة والعمل. وأيا تكن عبثية الفكرة التي يدافعون عنها أو عبثية الهدف الذي يطاردونه، فإن كل محاجة عقلانية تذوب وتتلاشى أمام قناعاتهم الايمانية والعاطفية والاحتقار الذي يلقونه من الآخرين أو الاضطهاد لا يفعلان إلا أن يزيدا من إثارتهم وتهييجهم أكثر فأكثر. فهم مستعدون للتضحية بمصالحهم الشخصية وبعائلاتهم وبكل شيء إذا لزم الأمر، وحتى غريزة حب البقاء تمحى لديهم إلى درجة أن المكافأة التي يرجونها غالبا هي الاستشهاد، والمصطلحات الايمانية تعطي لكلامهم قوة تحريضية كبيرة”. إن أخطر ما يميز قادة حزب العدالة و التنمية في علاقتهم مع حركية الشارع هو محاولة الحلول تدريجيا محل السلطات العامة كلما تركت هذه الأخيرة نفسها عرضة للمجادلة والإضعاف والنقض، ويستطيع هؤلاء “المحرضون الجدد” عن طريق “الديكتاتورية الدينية”، البعيدة عن روح العقيدة الإسلامية، أن يحصلوا من الجماهير على طاعة وانقياد أكبر بكثير مما تحصل عليه الدولة في كثير من الأحيان. لقد برزت الجماهير في الوقت الراهن بقوة على وجه المسرح السياسي وأصبح الشعب يرى نفسه المصدر الوحيد والاخير للسيادة، وأضحى تجيش الشارع وتعبئة الناس في مسيرات حاشدة وسيلة للتدافع السياسي خارج الاطر التقليدية التي كانت على علاتها تشكل ساحة التعارك السياسي “الآمن” بين الفرقاء.