في قراءة سريعة لدلالات وابعاد الحركة الواسعة للتعيينات الملكية التي همت عشرات السفراء، نساء ورجالا ، يظهر جليا ، أن البعد الافريقي للسياسة الخارجية للمغرب، كان حاضرا بقوة ، تكريسا للاستراتيجية التي يقودها الملك محمد السادس في القارة السمراء، ويتجلى ذلك في العدد الهام للسفراء (19 سفيرا) الذين سيلتحقون بممثليات المملكة في مختلف العواصم الافريقية ، خاصة بلدان شرق إفريقيا ، التي ظل المغرب غائب عنها أو بحضور محتشم . إنهم إذن ، 19 ديبلوماسيا بدرجة سفير ، سيدات ورجال ، سيسهرون ، من مواقعهم بالعواصم التي عينوا بها ، على متابعة تنفيذ بنود خطة العمل التي تقوم عليها سياسة المغرب الخارجية على المستوى الافريقي ، في ظل استراتيجية واضحة المعالم، يسهر الملك محمد السادس شخصيا على تنزيلها على أرض الواقع ، من خلال زياراته وجولاته الافريقية المتواترة ، ولقاءاته الرسمية والشعبية في هذه البلدان. ولعل جولته الجديدة لعدد من بلدان شرق افريقيا، التي من المقرر أن تبدأ اليوم السبت ، وتشمل رواندا وتنزانيا وإثيوبيا ، التي تحتضن مقر الاتحاد الافريقي ،لخير دليل على هذا التوجه الافريقي الجديد للمغرب ، الذي ميز عهد الملك محمد السادس. وتوضح لائحة السفراء المعينين في العواصم الافريقية ،لاسيما البلدان الناطقة بالإنجليزية، مدى الاهتمام الذي أصبحت توليه الدبلوماسية المغربية للانفتاح على المحيط الافريقي للمملكة ، انعكاسا للنظرة الاستراتيجية للمغرب في العهد الجديد. وهو توجه يحرص على دعم وترسيخ علاقات التعاون مع هذه البلدان وجعلها واحدة من المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية ، التي ترتكز على مستوى الشراكة “جنوب – جنوب” ، وصيغة “رابح-رابح” “، حقيقية فاعلة ومتضامنة. كما يوجد ملف الصحراء المغربية والدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب في صلب هذا التحرك المغربي على صعيد القارة. هناك أيضا بعد آخر لا يقل أهمية ، يتجلى في عدد السيدات اللائي عززن صفوف السفراء (13 سفيرة) ،في هذه الحركة ،التي تعد الأكبر والأوسع ، التي تشهدها الدبلوماسية المغربية، منذ تولي الملك محمد السادس العرش . وبذلك يتجلى اهتمام المغرب المتزايد بولوج المرأة الحقل الديبلوماسي الخارجي الذي كان تواجد المرأة فيه محدودا للغاية . وهكذا تضمن لائحة ال65 دبلوماسيا ودبلوماسية ، 13 سيدة ، منهن ، دبلوماسيات محترفات تمرسن على العمل الدبلوماسي في دهاليز وزارة الخارجية ومصالحها المختلفة ، ومنهن سيدات ينتمين إلى عالم السياسية وحقوق الانسان وقطاع الاعلام. وبالنظر لطبيعة العلاقات الخاصة، التي تجمع الرباطوواشنطن ، رغم ما تعرفه بين الفينة والأخرى من تقلبات تمليها المصالح والتوازنات ، كان لافتا أن يعين الملك ، شخصية نسائية مرموقة من العائلة الملكية ، هي للا جمالة العلوي ، كأول امرأة سفيرة للمغرب بهذا البلد ، بعد عدة سنوات قضتها كسفيرة في العاصمة البريطانية. ومن المفارقات أن يتزامن هذا التعيين مع الحملة الانتخابية لرئاسة البيت الأبيض ، والمرشحة لها سياسية أمريكية مرموقة أيضا، هي الديمقراطية هيلاري كلينتون ، زوجة الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون. هل يمكن قراءة هذا التعيين كرسالة لكل من يعنيه الأمر في واشنطن ؟ ، كل شيء جائز. البعد الحقوقي ، كان حاضرا أيضا في حركة التعيينات ، من خلال تعيين عدد من الاسماء التي كرست جزءا كبير من حياتها في النضال الحقوقي، خاصة خلال ما اصطلح عليه بسنوات الرصاص. ومن بين هذه الاسماء ، نجد الحقوقي أحمد حرزني، الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان الذي عين سفيرا متجولا، وأمينة بوعياش ،التي عينت في الدانمارك ، وهي ناشطة حقوقية ذات اتجاه يساري ،رئيسة سابقة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وسبق لها أن تولت أيضا الأمانة العامة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان. وقد تم توشيحها بوسام جوقة الشرف الوطني برتبة فارس للجمهورية الفرنسية، تتويجا لمسارها ومبادراتها لفائدة النهوض بحقوق الإنسان. هناك أيضا خديجة الرويسي ،التي تم تعيينها سفيرة بالسويد ، رئيسة منظمة المجتمع المدني “بيت الحكمة” ، وهي مناضلة حقوقية مرموقة ، وبرلمانية وقيادية في حزب الأصالة والمعاصرة. ومن هنا يتضح ، أن حركة التعيينات الدبلوماسية الأخيرة ، التي أطلقها الملك محمد السادس ، ورغم ما قد يؤخذ عليها ، مثل كونها جاءت متأخرة نسبيا ، والتواجد المحتشم لشباب الديبلوماسيين بها ، فإنها ، مع ذلك ، حملت في طياتها دلالات سياسية قوية ، سواء بالنسبة لإنصاف المرأة المغربية للولوج إلى الحقل الدبلوماسي ، أو على مستوى تكريس مفهوم حقوق الانسان في ذات المجال ، وهما مبدآن احتلا موقعا متقدما في الوثيقة الدستورية ل2011 .