م.ع.أ صدرت مؤخرا بموسكو، الترجمة العربية لكتاب “قضية الصحراء الغربية بين الأسطورة والواقع” لمؤلفته المؤرخة الروسية ناتاليا بودغورنوفا. ويعتبر هذا العمل ثمرة مجهود كبير قامت به المؤلفة ومرجعا مهما للقارئ الروسي إلى جانب السلسلة القيمة من الوثائق والمستندات التي نشرت لها سابقا تحت إشراف معهد إفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية. وتناولت هذه الدراسة، بشكل دقيق وموثق، الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية لتاريخ المنطقة وطبيعة سكانها وجذورهم واختلافاتهم العرقية، حيث تطرقت إلى فترة الاستعمار، وكذلك إلى جانبين أساسين يهمان تقرير المصير والوحدة الترابية. وسلطت المؤلفة، التي اشتغلت كمترجمة بسفارة الاتحاد السوفياتي سابقا بالرباط ما بين سنتي 1966 و1969، الضوء على الدعم الذي كانت تحظى به الجمهورية الوهمية من طرف ليبيا (القذافي) والجزائر، مستعرضة جل المراحل التي قطعتها قضية الصحراء المغربية. كما تناولت جوهر القضية وأسباب نشوئها ومواقف الجهات المعنية بالنزاع وبعض المنظمات الدولية وتطوره وسبل تسويته. ويعتبر هذا العمل دراسة لموضوع محدد وفي الوقت نفسه ختام سلسلة (قضية) الصحراء التي تتكون من أربعة أجزاء تعكس وجهات نظر جميع الأطراف، بما فيها الدول والهيئات التي ترغب في إيجاد تسوية لهذه القضية. وتهم هذه الأجزاء التي صدرت في عامي 2011-2012 “نظرة إلى الصحراء الكبرى” و”نظرة إلى المغرب العربي الكبير” و”نظرة من البلدان الثالثة والمنظمات الدولية”، وتغطي الفترة ما بين 1956 و2012. وأوضحت الكاتبة في دراستها التي اعتمدت على وثائق ومراجع تاريخية، أن القبائل الصحراوية كانت دائما تقدم الولاء لسلاطين المغرب وفي مقدمتهم الشيخ ماء العينين. ويبرز المؤلف أن موضوع البحث يكتسي أهمية كبرى وإن كان لا يستقطب الاهتمام الذي تحظى به، على سبيل المثال، قضية الشرق الأوسط، مؤكدة أنه جد مهم بالنسبة لسكان بلدان شمال غرب إفريقيا الذين يعانون منذ فترة طويلة من هذا النزاع الذي يعود إلى منتصف السبعينيات. وكرست المؤرخة الروسية ناتاليا بودغورنوفا، التي حصلت على دكتوراه الدولة في علوم التاريخ من معهد إفريقيا التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية، وبدأت تشتغل بنفس المعهد كأستاذة باحثة بقسم دراسة دول شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، هذا البحث لقضية الصحراء، التي لم يسبق لأحد من الباحثين الروس الاشتغال عليه. ويبرز المؤلف مواقف دول المنطقة من قضية الصحراء بما في ذلك الجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا والمغرب وجبهة “البوليساريو”، موضحة أن هناك دورا أساسيا وجهودا تقوم بها الدول والمنظمات الدولية والإقليمية في البحث عن حل عادل لهذا النزاع. كما استعرضت المؤلفة النزاعات التي خلفها الاستعمار بالقارة الإفريقية التي تنقسم ما بين مبدأ تقرير المصير الذي تستغله بعض الدول المتشبثة بإيديولوجية الحرب الباردة والذي يؤدي إلى تقسيم المنطقة ودعم الحركات المتطرفة، ومبدأ الوحدة الترابية واحترام الحدود المصادق عليها بعد خروج القوى الاستعمارية. وخلصت الباحثة إلى أن حل هذه القضية يكمن في إيجاد طريق للمفاوضات المباشرة بين المغرب وجارته الجزائر التي تحتضن المرتزقة بترابها وتدعمهم ماديا ومعنويا.