مسيرتان شهدهما الشارع المغربي لا يَفصل بينهما سوى أسبوع واحد، مسيرة الوحدة الترابية، ومسيرة إلغاء المرسومين. فما المُستفاد من المسيرتين؟ المسيرة الأولى يوم الأحد 13 مارس بالعاصمة السياسية الرباط، كان موضوعها قضية الصحراء، تنديدا بتصريحات "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة، لم تُعرف الجِهة الداعية لها، لكن المواطنين عُبئوا عبر الإعلام الرسمي وعبْر أعوان السلطة، وحُشدت لها وسائل النقل العمومية والخصوصية، واللوجستيك، وأُنفِق عليها من المال العام فيما يخص التنقل والطعام وغيرها... وقد مرت المسيرة –بحسب الفيديوهات المنشورة- في أجواء من سوء التنظيم والتضارب في الشعارات والتصريحات التي بلغت حد الإساءة إلى الأشخاص... وقد حظيت المسيرة بتغطية إعلامية من القنوات التلفزيونية الرسمية، التي وصفتها بالمليونية !!. المسيرة الثانية يوم الأحد 20 مارس بالعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، كان موضوعها قضية إلغاء المرسومين، وهي المسيرة الرابعة من نوعها، دعت إليها التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين في إطار نضالها منذ 5 أشهر ضد المرسومين اللذَين أصدرتهما وزارة التربية الوطنية الصيف الماضي، حيث يَحْرمُ الأول الأساتذة المتدربين من التوظيف بعد التكوين، في حين يُقلّص الثاني من قيمة الأجرة التي يتقاضاها الأستاذ المتدرب خلال مدة التكوين إلى حدود النصف. مسيرة الأساتذة المتدربين لم يواكب الإعلام الرسمي تفاصيل التحضير لها، كما أن المشاركين فيها أنفقوا من جيوبهم للتعبئة والتنقل والمبيت والطعام... وتجشموا عناء إعداد اللافتات وكل اللوجستيك المتعلق بالمسيرات... وطبعا الإعلام الرسمي لن يتحدث عن التنظيم المحكم والشعارات القوية، والمطالب العادلة والمشروعة لهذه الفئة الاجتماعية... إن لم يتجاهلها بالمرة. إنهما مسيرتان حول قضيتين هامتين: قضية الوحدة الترابية التي أساء المنطق الاستبدادي للدولة تدبيرها حين احتُكِر الملف من طرف "الجهات العليا" ... وقضية العدالة الاجتماعية التي أساء إليها منطق الفساد حين احتُكرت ثروات البلد من طرف "جهات متنفذة"... تجسدت إساءتها في الهواجس المالية التي أصبحت تدفع الحكومات العاجزة بحجة "تضخم أجور الموظفين" إلى نهج سياسة الخوصصة، واتخاذ قرارات مُجحفة في حق فئات المجتمع المستضعفة وضرب الطبقة المتوسطة والتخلي عن القطاعات الحيوية، وعلى رأسها التعليم... فكان مرسوم فصل التكوين عن التوظيف أحد تلك القرارات الجائرة التي دفعت الأساتذة المتدربين مدعومين شعبيا إلى الاحتجاج. إن هيمنة منطق الاستبداد والفساد في تدبير الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا يؤدي إلا إلى مزيد من ضعف الموقف الدولي، ومزيد من تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي لفئات عريضة من أبناء الوطن. إن مسيرة الأساتذة المتدربين بالدارالبيضاء، جاءت بعد مسيرة الصحراء بالرباط، لتقول: لا حل لقضية الوحدة الترابية دون حل لقضية العدالة الاجتماعية.