المتغيبون باستمرار، والمقدمون للخدمات الجماعية من مستثمراتهم، وعلى أساس الارتشاء، لا يسألون عما يفعلون... محمد الحنفي إن الكوارث التي يقوم بها الرؤساء الجماعيون في حق الشعب المغربي، وفي حق المواطنين، وفي حق موظفي الجماعات الترابية، لا حدود لها، ولا يقبل بها منطق سليم، ولا يسعى إلى القيام بها مسؤول سليم، من مرض النهب، والتطاول على حقوق المواطنين الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ولا يعمل على النيل من كرامة الموظفين الجماعيين، مهما بلغت درجة الاختلاف معهم، خاصة وأننا نعرف طبيعة الإدارة الجماعية القائمة في الوسط القروي بالخصوص، التي قلما يزورها مواطن يطلب خدمة معينة. وقد سبق أن أشرنا، في إحدى مقالاتنا، إلى أن الرؤساء الجماعيين، الذين تفتقد فيهم النزاهة، والأمانة، واحترام سكان الجماعة، واحترام موظفي الجماعة، يلجأون إلى تصنيف الموظفين إلى مستويين: موظفين موالين للرئيس، وموظفين غير موالين للرئيس. فوظفو الجماعة الموالين للرئيس، يصيرون رهن إشارته، ويخدمون مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما ىيتصورها، ويساعدونه على إعداد وثائق مزورة، من أجل نهب الثروات الجماعية، ومن أجل التصرف في الأراضي الجماعية، وفي أراضي الجموع، وفي الأراضي السلالية، مقابل الامتيازات التي يتمتعون بها، ومن خلال التعويضات المختلفة، التي يخصهم بها، ومن خلال السماح لهم بالانتقال بواسطة سيارات الجماعة، على مستوى تراب الجماعة، وعلى مستوى الإقليم، وعلى المستوى الوطني، وعلى حساب الجماعة، ومن أموال سكان الجماعة، التي تعتبر امتدادا لأموال الشعب المنهوب، في كل الجماعات الحضرية، والقروية، بالإضافة إلى ما يمارس من نهب لهذه الأموال، على مستويات أخرى، من الإدارة المغربية. أما موظفو الجماعة غير الموالين للرئيس، فمغضوب عليهم، ومهمشون، ومحرومون من أي امتياز، ولا يعرفون ما يكلفون به خارج الجماعة، ولا يكلفون باي مهام، وغالبا ما يعتبرون متغيبين، مع أنهم هم الذين يكونون متواجدين في الإدارة الجماعية، التي لا يحضر إليها الموالون للرئيس، وأكثر من هذا، فإن الرئيس الذي يعتبر نفسه فوق العادة، ويمتاز عن بقية البشر، وقراراته اللا ديمقراطية، واللا قانونية، في معظم الأحيان، لا تناقش، حتى وإن كانت قابلة للطعن، وغالبا ما يلجأ إلى الأمر بالاقتطاع من أجور الموظفين غير الموالين له، عن الأيام التي اعتبرها هو، وزبانيته من الموظفين الموالين له، الذين يقدمون له تقارير مفبركة، حتى يعتمدها في اتخاذ القرارات التي تستجيب لنرجسيته، والتي لا يمكن القبول بها؛ لأنها تعتبر جزءا من الفساد الذي يمارسه، كامتداد للفساد الذي أوصله إلى رئاسة الجماعة، والذي لم ينته عند هذه الحدود، بل استمر في ممارسة الفساد في رئاسة الجماعة، وبها، ليلحق المزيد من الأضرار بسكان الجماعة، أي جماعة، ومن خلالهم بالمجتمع المغربي. ولذلك، فحركة 20 فبراير، عندما كانت تطالب بإسقاط الفساد، والاستبداد، كانت تعرف: بماذا تطالب؟ ولماذا تطالب بما تطالب به؟ لأن الفساد، معناه: وجود الفاسدين في مواقع المسؤولية، التي يستغلونها لممارسة كافة أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يلحق أضرارا كثيرة بالمجتمع المغربي، ولأن إسقاط الفساد، معناه: إزالة الفاسدين من مواقع المسؤولية، ومحاسبتهم، ومحاكمتهم عما اقترفوه من فساد، حتى ينالوا جزاءهم، ولأن الاستبداد، معناه: وجود المستبدين الذين يرفضون الإقرار بضرورة تمتيع المجتمع بالممارسة الديمقراطية، ولأن إسقاط الاستبداد، معناه: إزالة المستبدين من مواقع الحكم، حتى تصير السيادة للشعب المغربي، الذي يقرر مصيره بنفسه. وبما أن المغرب يعرف الجمع بين السلطة، والثروة، فإنه من الطبيعي، جدا، أن يصير كل ذي سلطة ثريا. ومن هذا المنطلق نجد أن رؤساء الجماعات الترابية، يبادرون باستغلال السلطة التي صارت لهم، من أجل نهب المداخيل الجماعية، بطريقة، أو بأخرى، حتى يصيروا من كبار الأثرياء؛ لا لأنهم تعبوا من أجل جمع الثروات التي تقع بين أيديهم، بل لأنهم استغلوا نفوذهم الجماعي، وعملوا على تحويل المداخيل الجماعية إلى حساباتهم الخاصة، حتى يعملوا على اقتناء العقارات، التي يدخرون فيها الأموال المنهوبة، وبالتالي، فإن الجمع بين السلطة، والثروة، يتجلى بشكل واضح في ممارسة المسؤولين الجماعيين، كما يتجلى في ممارسة كل ذي سلطة. وهو ما يجعل الشعب المغربي مبتليا بنخبة الجمع بين السلطة، والثروة، التي لا يهمها إلا ما تنهبه، ولا يهمها تطبيق القوانين في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لصالح الشعب المغربي، الذي لم يحرم من حقوقه الإنسانية فقط، بل صار كذلك محروما حتى من حقوقه القانونية، المنصوص عليها في مختلف القوانين المعمول بها، بسبب الجمع بين الفساد، والاستبداد، والثروة، والسلطة، ليصير كل شيء بامرها، ونهيها، بمنطق سيادة الفساد، والاستبداد، وبمنطق الجمع بين السلطة، والثروة، في عرف الرؤساء الجماعيين، الذين يتحايلون على مختلف القوانين، وعلى راسها القانون المنظم للجماعات الترابي،ة وعلى حساب موظفي الجماعات، غير الموالين للرؤساء، وانطلاقا من جمعهم بين الثروة التي ينهبونها، وبين السلطة، وعلى حساب سكان الجماعات، كيفما كانت هذه الجماعات. ولذلك، فحركة 20 فبراير، عندما طرحت ضرورة التفريق بين السلطة، والثروة، لم تطرحه هكذا، بل طرحته انطلاقا من أن رجل السلطة، أيا كان، حتى وإن تمثلت هذه السلطة في اختصاصات الرؤساء الجماعيين، المعنيين بتطبيق القانون، بعيدا عن الاهتمام بمراكمة الثروات. ومن لا يهتم بمراكمة الثروات، فإنه يبقى بعيدا عن ممارسة السلطة، من أجل أن يتصرف في إطار ما هو معمول به قانونيا، الذي يراقبه رجل السلطة. والجمع بينهما لا يعني إلا تجاوز مختلف القوانين المعمول بها، حتى يعمل من يجمع بين الثروة، والسلطة، من أجل الاستيلاء على المزيد من الثروات، التي تقع في دائرة سلطته، والتي تنمو بقدر ما تتسع تلك الدائرة، كما نلاحظ ذلك، ليس في إطار الجماعات الترابية فقط، بل كذلك في إطار الجمعيات، والنقابات، والأحزاب السياسية، التي تتلقى الملايير سنويا. وانطلاقا من استغلال الرؤساء الجماعيين بصفة عامة، ورؤساء جماعات الوسط القروي بصفة خاصة، فإن اهتمامهم يتركز على أمرين اثنين: الأمر الأول: هو التحايل على نهب ثروات الجماعة، والاستيلاء على ممتلكاها الخاصة، بما في ذلك الأراضي التي تصير مملوكة للرئيس، أي رئيس، الذي يقيم عليها مشاريعه الخاصة، بالإضافة إلى الاستيلاء على أراضي الجموع، والأراضي السلالية، وغيرها. والأمر الثاني: هو جعل موظفي الجماعة في خدمته الخاصة، بدل أن يصيروا في خدمة الجماعة، فكأنهم عبيد له، وكأننا لا زلنا في عصر العبودية، حتى يساهموا، بشكل كبير، في تنمية ثروات السيد، الذي ليس إلا رئيسا للجماعة الترابية، ومن قبل من موظفي الجماعة، الذين عليهم أن يصيروا عبيدا في خدمة السيد، حتى يصيروا من المحظيين عنده، يتصرفون كما يشاءون، ويتمتعون بمختلف الامتيازات، ويترقون باستمرار، ويرتشون كما يشاءون، في ظل الاختصاصات المفوضة لهم، ويصيرون بين عشية وضحاها من أصحاب الثروات، القابلة للنمو السرطاني، على حساب ضياع مصالح الجماعة، وعلى حساب موظفي الجماعة، الذين تمنعهم كرامتهم عن قبول صيرورتهم عبيدا، من أجل أن لا يحسب عليهم أنهم ينهبون ثروات الجماعة، أو يرتشون، أو يقدمون خدمات لصالح الرئيس السيد، وحضور هؤلاء إلى مقر الجماعة، أي جماعة، باعتباره مقرا للعمل، لا يشفع لهم، ولا يجعلهم من الموظفين الجماعيين المتفانين في خدمة سكان الجماعة، أي جماعة. وهذان الأمران اللذان يشغلان اهتمامات الرؤساء الجماعيين، هما اللذان يفسران: لماذا يعمل المسؤولون الجماعيون على إفسادالحياة السياسية، وخاصة في المحطات الانتخابية؟ ولماذا يلجأون إلى شراء ضمائر الناخبين الصغار، والكبار على حد سواء؟ ولماذا يحرصون على أن يصير التدبير الجماعي في خدمة مصالحهم الاقتصادية، والاجتنماعية، والثقافية، والسياسية؟ ولماذا يتعامل الرؤساء الجماعيون مع موظفي الجماعات كعبيد لهم؟ إننا نعيش في المغرب، ولسنا في بلد ديمقراطي، حتى لا نكون في حاجة إلى ممارسة كل أنواع الفضح؛ لأننا لو كنا في بلد ديمقراطي، لوفرنا الوقت للقيام بشيء آخر، ولأننا، في المغرب، نجد أنفسنا مضطرين إلى عملية الفضح المتواصلة، رغبة منا في جعل المسؤولين يعملون على إعادة النظر في مجمل الممارسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى نستطيع مواكبة التطور الذي تعيش عليه الشعوب المتقدمة، والمتطورة، المحكومة بالممارسة الديمقراطية، والتي صرفت مجمل وقتها في ابتداع المزيد من وسائل التقدم، والتطور، الذي لا يعرف التوقف عند حدود معينة. ونظرا لأن الذين بيدهم الأمر، والنهي في المغرب، لا يهتمون بتطور، وتطوير الشعب المغربي، فإننا لا نجد منهم إلا تدبير عملية نهب ثروات الشعب المغربي، التي تتحول إلى ثروات لسكان الجماعات الترابية. وهذا التدبير، ومن هذا النوع، يعتبر في حد ذاته ممارسة لا أخلاقية، وإجرامية في حق الشعب المغربي، فكأن الشعب المغربي، وجد لتمارس في حقه كل أشكال التخلف، مهما كان نوعها، ومهما تضاعفت الأضرار التي تلحقه. وقد آن الأوان، لأن يتم استنهاض الشعب المغربي، وقيادة نضالاته، ونشر الوعي في صفوفه، بأوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبالفساد المستشري في الحياة العامة، وفي العلاقة مع الإدارة المغربية، وبخطورة الجمع بين السلطة، والثروة، وخاصة في ممارسة رؤساء الجماعات الترابية، الذين يفترض فيهم أن يكونوا أكثر حرصا على سلامة الثروات الجماعية من النهب الممنهج، وعلى جميع المستويات، والنهوض بها في أفق الارتقاء بها إلى مستوى فاعلية الجماعات الترابية، في البلدان المتقدمة، والمتطورة. فهل تقوم السلطات الوصية بدورها في مراقبة العمل الجماعي، في الجماعات الترابية بصفة عامة، وفي جماعات الوسط القروي بصفة خاصة؟ وهل تقوم سلطات إقليم الرحامنة بدورها، في الوقوف على الاختلالات التي تطال الممارسة اليومية، للرؤساء الجماعيين، تجاه السكان بصفة عامة، وتجاه موظفي الجماعات بصفة خاصة؟ ألا توقف السلطات الإقليمية، عملية التغيب المستمر للموظفين الجماعيين، عن التواجد في الإدارة الجماعية؟ ألا تعمل السلطات في إقليم الرحامنة، على إيقاف ما يقوم به الموظفون العملاء، من ارتشاء، في تقديم الخدمات الجماعية، ومن أماكن مستثمراتهم، وخاصة في مدينة ابن جرير؟ إن الكوارث التي يعرفها العمل الجماعي، مستفحلة على مستوى التراب الوطني، وهذه الكوارث تعتبر أكثر استفحالا في إقليم الرحامنة، وخاصة عندما يتم السكوت على الجمع بين مسؤوليتين تقوم بينهما حالة التنافي، وبموافقة السلطات الإقليمية، والوطنية. ولا من يعمل على تفعيل القانون، لإزالة حالة التنافي تلك.