كثيرا ما يقودنا النقاش حول السبب في تردي أوضاع مجتمعاتنا وسبل إصلاحها إلى الحديث عن التربية كعامل للتغيير. لكن الآراء تتباين عند تحديد المسؤوليات . يشير البعض إلى الدور المركزي للأسرة في التربية في حين يركز البعض الآخر على مسؤولية الدولة ؛ فما هي حدود المسؤولية لكل منهما؟ مما لاشك فيه أن الأسرة ليست وحدها من يتدخل في عملية التربية؛ فهذه المهمة مشتركة بين كل مؤسسات التنشئة الإجتماعية (الأسرة؛ الأقران؛ المدرسة؛ وسائل الإعلام؛ المسجد؛ الشارع؛ الدولة...). تختلف درجة مساهمة كل واحدة من هذه المؤسسات بحسب قربها من الطفل وبحسب إمكانيات اشتغالها وامتلاكها لمقاربة أو استراتيجية للاشتغال. تمسك الأسرة في السنوات الأولى من حياة الطفل بزمام الأمور حيث تعمل على تربية الطفل وفق منظورها للأمور وبطريقتها الخاصة مع العلم أن هذه الرؤية وهذه الطريقة تتأثران بالمستوى الإقتصادي والسوسيوثقافي للأسرة وغالبا ما تركز الأسرعلى الجانب الوجداني وتتأرجح بين الشدة والدلال دون أن تكون لدى الأسر مقاربة واضحة واستراتيجية للعمل وهو ما سينعكس فيما بعد على دور الأسرة. مع بدء خروج الطفل إلى الحي يلتقي الأقران فتبدأ أولى التدخلات في التربية خارج الأسرة تمتد هذه التدخلات لتشمل مؤسسات أخرى للتنشئة الإجتماعية حيت يقل اتصال الطفل بوالديه حيث يقضي الجزء الأكبر في المدرسة ؛ أمام التلفاز؛ مرتبطا بشبكات التواصل الإجتماعي ؛ مع أقرانه ؛ في الشارع دون تأطير و أحيانا ضمن تنظيمات المجتمع المدني. لتحقيق الإندماج المطلوب كهدف أساسي للتربية يجب أن تشتغل كل مؤسسات التنشئة الإجتماعية في تناغم وتكامل وتفاعل وليس بمنطق التعارض والصراع بل والمكر أحيانا. وهنا نصل إلى دور ومسؤولية الدولة بما لها من الإمكانيات والقدرات والشرعية لتحديد المشروع المجتمعي الذي تنبني عليه استراتيجية العمل في كل المجالات ومجال التربية من أهمها. فطنت بعض الدول إلى الدور المركزي للأسرة والوالدين خصوصا في مجال التربية فأصبحنا نسمع كثيرا عن "حرفة الوالدية" حيث تتم مصاحبة ومواكبة الوالدين في تربية الأبناء بل يوجد من الجامعات من أدخل تربية الأبناء ضمن المقررات التي يتلقاها الطلبة خلال مدة دراستهم إضافة إلى فن العيش. الأسرة إذن فاعل أساسي ومحوري في عملية التربية لكن يحب على الدولة بما لها من الإمكانات أن تدعم الأسرة وتضع استراتيجة لاشتغال كل مؤسسات التنشئة الإجتماعية بشكل يضمن فعاليتها وعدم وجود أي تعارض يعيق تحقيق المشروع المجتمعي. عبد الرحيم السعداوي؛ مستشار في التوجيه التربوي