-\"اليوم الرابع في فصل الربيع...وأنت في يومك التاسع سيدي الربيع... كيف تسبقني؟ ألا تنتظرني وتتوقف معي لأحكي يومياتك يوما بيوم...؟\" -\"أنت لا تستطع أن تكتب عني يوما بيوم يا سي المصطفى؟\" -\"ولماذا؟ -\"أنا ربيع الكون،عمري كعمرك يجري،هل توقف عمرك يوما...وأنت واحد من الكون...كم من واحد وواحدة في الكون؟ثم لا تنسى أن اليوم الرابع في الربيع صعب، يومي في يومياتك رابع، فصلي رابع...وربيع وأتزعم حلف الفصول الأربعة،أتكون قد نسيت... أنا الربيع قي كل مكان في الكون، والربيع في أغاني جاك بريل... ليس هو الربيع في أغاني فهد بلان...وأيام شبابك يا فهد وأنت تغني \"وا اشرح لها\" وتلوح لها بمنديلك الأبيض الربيع في سهول تادلة غير الربيع في جبال لبنان... وجبال أفغانستان،... حالي يتبدل من مكان إلى مكان... فأنا في بلاد الإسكيمو لوني أبيض... وفي إفريقيا بني وأخضر ... وفي بلاد النيل والرافدين أسمر... وفي شدو فيروز وتوقيتي واحد لا يتبدل،كتوقيتكم على الكون...تحسبونه هنا بتوقيت غرينتش...هل وحدها غرينتش توجد على هذا الخط أم أن الإستعمار استعمرنا واحتل حتى خطرط الطول والعرض في الكون... ياما من بلادات أجمل من غرينتش وهذه ليست سوى فرية صغيرة تتنتج الضباب والبرد القارس في بلاد الإنجليز... هل وحدها غرينتش بنيت تمام التمام على هذا الخط الوهمي لمادا لم يسمى خط طنجة،مملكة هرقل أو بلاد دكالة...ولما لا خط نواديبو في بلاد الأشقاء الموريتانيين...وتحسبون أن وقتكم مضبوط على هذا الخط بالمقارنة مع الخطوط الأخرى...هل سألت نفسك يوما يا المصطفى ماهو توقيت بيروت على خط النار بالمقارنة مع توقيتها على خط شارع الحمراء في بيروت وأيام زمان ماهو توقيت غزة على خط المحنة بالمقارنة مع توقيت منظمة التحرير الفلسطينية على مائدة المفاوضات مع بني صهيون في ضيافة مصر ولاتنسى أن تضيف توقيت مصر إلى هذا التوقيت وتحسبه هو الاخر بالمقارنة مع توقيت البيت الأبيض... يبدو أن اليوم الرابع في فصل الربيع سيكون درسا في الجبر وحساب الوقت لأني أراه اليوم بدأ صباحه معي بالأرقام وقبل أن يفطر، ما إن فتح عينيه وهو مازال داخل الفراش...وقد سبقته في الاستيقاظ بأكثر من ساعتين،وأكثر...حتى سألني عن ساعات كل الكون منذ الصبا أستيقظ قبل أن يستيقظ الفجر... أضبط المنبه على ساعة السهر، يوقظني وقت السحر... أطمئن معدتي بكوب ماء وعصير الليمون موجود بالمطبخ على مدار السنة ريثما يغلي الماء فوق النار... أرفع وجهي إلى السماء أتلو على وجهها أحوال الطقس،وأبلغها ببرقية مستعجلة إلى مصالح الأرصاد الجوية على جناح واحد من الطير المهاجر... أهيأ \"البراد\"،-إبريق الشاي- ارمي فيه قليلا من شاي الصحراء ...والنعناع أو كما يسميه الحسانيون في شعرهم\"الورﯕة\" والزعتر ...والقدر الكافي من السكر...وأنتظر جالسا إلى جانب الموقد أرقب النار تلتهم الحطب وتفترش الرماد...وزفير الماء عليها يخرج البخار من فم \"المقراج\" يسمونه بالعامية \"السبولة\" أي السنبلة مجازا لأن بخار الماء اللازم لصنع الشاي يجب أن تنتظر اللحظة التى يخرج الماء من فم \"المقراج\" شبيها بالسنبلة... أصب بعدها الماء الساخن في البراد وأعيد البراد إلى النار ليغلى الشاي من جديد...وتضيف إليه خيطا أو خيطين من الزعفران ليحمر لون الشاي...وفي انتظار غليان الشاي أهيئ \"الصينيية\"وهي انية توضع عليها الكؤوس ويجب أن تكون مملوءة عن اخرها بالأكواب ومن الصنف الممتاز المتوفر بالدار فهذه الكؤوس تعلق في المنزل بالدولاب للزينة و لا تقدم إلا للضيوف... أما في الأيام العادية فنحن نشرب الشاي في كؤوس \"حياتي\" وهي صنف من الكؤوس الرخيصة سماها الشعب هكذا \"كؤوس حياتي\"، عندما كنت طفلا كنت أشتري لوالدتي نصف دزينة بدرهم واحد يوم كان الدرهم في المغرب له شنب أما اليوم فإن درهم واحد لا يشتري لك قعر الكأس الواحد ولا يرضى النادل في المقهى أن يقبضه منك كمصروف خاص به على الخدمة...ما علينا، هيئت لسيدي الربيع الشاي في موكب الفطور بزيت عود الزيتون والعسل الحر وسمن لبن الماعز وجبن محلي...و\"خلاب\" خاص بالحليب ألا تعرفون الموروث الشعبي حين يغني عن \"الحلاب \" ويقول حلاب أسيدي حلاب أبويا الحليب...وإضافة الليمون فالربيع فضله هذا الصباح أكله طبيعيا وأجل شرب عصيره إلى ما قبل الغذاء...فالخبراء في قطاف الليمون الوادطين هذاه الأيام إلى الضيعات الكبيرة المجاورة للجنان ينصحون بشرب عصير الليمون قبل الغذاء بقليل دون الإفراط فيه طبعا فنحن ديننا شعاره نار على علم \"لا إفراط ولا تفريط\" كل تمام...والأم تادلة تدخل المطبخ عائدة من الحقل وهي هكذا طول العمر تصلي الفجر في الخلاء ولا تعود إلى البيت إلا وقت الضحى... -\"صباح الخير يا سي المصطفى...هل استيقظ الضيف؟ وتادلة أيضا هكذا مع الضيف...عول أن تبدأ معك كل الأسئلة بالسؤال أولا عن الضيف -\" نعم إنه مازال داخل الفراش سهرنا بالأمس إلى وقت متأخر مع الفرسان بالإصطبل الطبيعي للفروسية في الهواء الطلق...ورأيت يا أمي تادلة بأم عيني كيف الحب بين الحصان والفرس في بهيم الليل...أيظن بني الإنسان وحده يعرف أن يتفلسف في الحب عندما نفطر أفرجك على الشريط ... وتقوم الأم تادلة بتهييء مكان الضيف في المطبخ تضيف إلى فراش الأرض \"زربية\" سجادة محلية من الصوف الممتاز وحمراء وكأنها يساط مقتطع من ملعب فريق بايير دو مونيخ الفرق بساط الملعب أخضر وبساط الأم تادلة أحمر يانع ،تضيف ثلاث وسادات واحدة في الخلف للظهر والأخرتين للركبتين وقت التربيعة ونسمي هذا المكان بمكان السلطان بعد أن تضيف فوق الزربية كسوتين ظاهرتين واحدة للماعز والثانية للخروف نسميها \"الهيضورة\" يصل الفطور إلى المائدة بموكب أميري و بشعار الأم تادلة \"إفطر كما يفطر الأمراء...وعندما تتغدى لا تشبع وتعشى بما يتعشى به الفقراء\"... وأيام الضيف الثلاثة خلت واليوم الرابع هل في الجنان مع الربيع وقد استيقظ مولعا بالحساب وجبر الوقت وضعت الأم تادلة صينيةالشاي بلوازمها أمام مكان الضيف وقد دخلت مع الربيع إلى المطبخ تعجب من المكان وراح يرقبه جالسا عليه الهوينا يسمع الأم تادلة تسأله كيف كان نومه وكيف قضى ليلته وتخبره بأنها وإلى ساعة متأخرة من الليل استمعت إلى سمرنا واستحسنت الإصغاء إليه وتستفضله إلى صب الشاي...وأعجب الربيع جدا بهذه المهمة الموكلة إليه في التكلف بإفراغ الشاي لكن نبهته أن يصب منه أولا رشفة أو رشفتين حتى يتذوق طعمه هل هو حلو...أم كله تمام ويصب بعدها الكأس الأول ويعيده إلى البراد وينتظر قليلا ليستجمع الشاي أنفاسه حتى يعطر المكان أحسن...والأم تادلة تسأله -\"كيف هو الشاي سيدي الربيع، إن السي المصطفى هو من صنعه... ويرد عليها الربيع بدبلوماسية سفير جاء إلى جنان الأم تادلة يقدم لها أوراق اعتماده كسفير دائم للفصول الأربعة هنا -\" والله إنه شاي مثل الربيع ترى كيف يصنع السي المصطفى الشاي في الصيف...وكيف هو طعمه في الخريف أما الشتاء فنحن هنا إن شاء الله حتى نصنع لنا الشاي من ماء المطر... وأخرج من دائرتي لأن الربيع هنا دق على الوتر -\"والله يا سيدي الربيع أموت في الشاي المصنوع من ماء المطر ...كم مرة يا أمي شربتيه صفي للربيع مذاق الشاي عندما يكون مائه قادما من السماء...إنه أحلى بكثير من الماء الذي تزوده بنا مصالح البلدية في شبكة مترهلة...تلاشت مع مرور الزمن ومع كسل المصالح المذكورة وانعدام بعد النظر فمنذ أيام الإستعمار لم تقم مصالحها بتجديد شبكة توزيع الماء الحلو...أما الماء الحار فلا تسأل في بلديات يجري فوق الأرض وترد عليه الأم تادلة -\"إن السي المصطفى عندما يصنع الشاي يصنعه بشاعرية كبيرة... ويرمقني الربيع وكأنه يستفهمني تعجبه من الأم تادلة تتحدث عن الشاعرية، وتفهمه الأم في لمح بالبصر وتضيف بسرعة... لمادا تنظر إلى سي المصطفى هكذا أتحسبني لا أفقه في الشعر...والسي المصطفى عمره كله يقرأ علي الشعر وعرفني بكثير من الشعراء والأدباء والفلاسفة...فهو كل صباح يسألني أي شاي تريدين يا أمي أن تشربيه هذا الصباح...فالشاي شراب عالمي لكل الشعراء والفلاسفة والكتاب والأدباء...وهلم ولا تجر...ويقول يوما ستشربين الشاي الذي يحبه محمود درويش رحمه الله وأسكنه فسيح جنات المؤمنين \"الحنينين\"...ويوما يعدل الشاي كما يعدله الشعراء الحسانيين في قصائدهم عن الشاي...احك للربيع يا سي المصطفى عن الشاي وأنه إلى وقت قريب كان ممنوع في موريتانيا... وصرح الربيع بأن هذه المعلومة لا يعلم بها... وأكدت له الأمر...فعندما عرف الموريتانيون الشاي في أواخر القرن التاسع عشر تحفظت بشأنه قبائل \"البيظان\" اصبح معه الشاي موضوعا ناقشه الفقهاء في ذلك العهد وذهب بعضهم إلى تحريمه ويقول أحد الشعراء الحسانيين يولاد الناس المعولومين لا تفن لعمار افذ الصور كاس الجهل امحال فالدين ؤكاس أتاي اعل المال اغرور \"الشاي في الأدب الحساني\" لمحمد أمين لكويري وتلتفت إلي الأم تادلة -\"ألم تقل هذا الصباح قصيدة...قل للربيع قصائدك وأنت تصنع الشاي... -\" لا تصدقها سيدي الربيع مرارا يا أمي تادلة قلت لك أنني لا أكتب شعرا أكتب فقط نصوصا نص بنص ونصين بنصف نص...ولا أنسى من أكون وكيف كنت...ولابد من أن يكون في النص بعض من أحلامي...في اليقظة والنوم...ودائما من معي يكون حاضرا في النص كما أنت الان أيها الربيع... لست شاعرا وأصغر أصغر شاعر وبكثير أكبر رويدا رويدا وكلما كبرت أصغر أكثر وبيني وبين الشعر بحور الشعر... ومركبي صغير بالكاد يقطع نهر... أكتب نصوصي بماء الصنبور كي لا يضيع في مجاري الأودية الحارة... أكتب على شط بحر ومن شدة ملاطفة الموج لما أكتب تتناثر الكلمات ولا تضيع الأحرف من الشط... أسأل البحر متى أركبه يرد علي بأنه يخشى علي من الغرق... وأن مركبي بالنسبة لأساطيل تقطع البحر طولا وعرضا وفي العمق، زورق من ورق تمدد الربيع أكثر على وسادة الظهر،وما شبع من الشاي...لقد أضافت الأم تادلة برادا اخر سنشربه في الخارج...أي داخل الجنان لتحسبوني مهاجر مع الربيع لتناوله في بلاد الطاليانيين \"الإيطاليين\"...سوف لن نغادر الجنان هذا الصباح...سألف مع الربيع نطمئن على الأرانب...وأوكار الحمام من خشب صنعها لهم الأب الأطلس من أغصان الأرز ...ريثما يطلع النهار لنذهب معا وصحبتكم نتفرج على الفروسية \"التبوريدة\" ولا بد أن نصل وقت تقديم الفرسان أنفسهم للضيوف ويتسلمون حصتهم من البارود وشمع تنظيف حجرة بيت النار،سترون معنا أيضا أنتم أيها الأعزاء المشاهد بأم العين... وقد زرنا أمس إصطبل الأحصنة في الهواء الطلق والفرسان نصبوا خيامهم أنذاك سنختار خيمتنا نكرم فيها اللوحة وبإشراف بنت الجيران الخضراء ونرفع في الساحة راية الجزائر وأعلام كل الشعوب وفرجة ممتعة وفي اليوم الخامس إن شاء الله ننرجم كلام الزجال الأمازيغي يتغنى حرارة الشوق ولهيب طول الطريق وينادي في سكان الغابة أن يطلقوا سراح أسد الأطلس من العرين يريد أن يلتحق بالسرب ...ليساعده في البحث عن شوقه كي لا يطول عليه الطريق في البحث أما الشدو في الشريط الثاني يحكي عن خير مشيوه بموت الفارس في الميدان ويؤكد الزجال في مطلع الزجلية بأن الخبر لم يتأكد بعدو بالكف عن العويل فإن قلبه يتألم ويدعوهم إلى الغناء معه لأن الجندي في ساحة القتال لا يموت...لا تبكوا فالبكاء يغيب الإنتصار \"إسول الخبار أو رد ايتويض\". اللهم استرها يا رب واملأ قلبنا بالعفة والحب... [VIDEO=http://www.youtube.com/watch?v=22lJIjH8ooE]WIDTH=400 HEIGHT=350[/VIDEO] [RAM]http://www.youtube.com/watch?v=22lJIjH8ooE[/RAM] http://www.youtube.com/watch?v=8w0Bz_hQT2U المصطفى الكرمي اليوم الرابع من الربيع العاشر في قرن كل المصائب