قراءة في كتاب ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي ج2 الجزء الأول: قراءة الجزء الثاني: الفصل الرابع : الشكل الجديد وجد الشاعر الحديث نفسه، وهو يخوض تجربة شعرية جديدة وبمضامين جديدة مرغما على إبداع تقنيات تعبيرية لا تمد بصلة إلى الوسائل التعبيرية الجمالية للقصيدالتقليدية. وإذا كانت القصيدة التقليدية تخضع في بنائها الفني لشكل واحد، فإن التجربة الجديدة تقتضي في نظر الشعراء الجدد أن تبدع كل قصيدة شكلها الخاص بها. ونتج عن هذا الموقف تداعيين اثنين وهما: أولا: تنقل الشعراء بين أشكال متنوعة لم يمنح لهذه الأشكال وقتا كافيا لتة ثبت، وتنموا وتنضج. ثانيا: تعدد الأشكال ينتج عنه غياب الهدف، مما يوقع القصيدة في الغموض، ويعزل الشاعر على الجماهير. وبقيت فكرة تعدد الأشكال بتعدد القصائد محصورة في إطار ما هو نظيري، أما على مستوى التطبيق فلن تمارس، بدليل أن أغلب شعراء الحداثة متقاربون في أسلوبهم، وفي طريقة التعبير عن تجاربهم، وفي استخدام الصور البيانية، والرموز، والأساطير، وبناء القصيدة العام. كما أن شكل الشعر الحديث غير مكتمل، فهو ينموا مع التجربة، وبطبيعة الحال، ليس هناك زمن محدد ليكتمل هذا النمو. فالشكل: \"ليس نموذجا أو قانونا، وإنما هو حياة تتحرك أو تتغير، فعالم الشكل هو كذالك عالم تغيرات\". (أدونيس، مختارات من شعر السياب، 1966، ص6). ومع ذالك فقد تمكن الشعر الحديث بعد عشرين سنة من ظهوره، أن يتجاوز الشكل القديم. و أهم القضايا المتعلقة بتطور عناصر القصيدة الحديثة في سياقها العام هي: 1. تطوير اللغة: اللغة جزء من الشكل، تنمو بنموه، لكن نموها لم يتجه في اتجاه واحد، فبعضها يتعلق بشخصية كل الشاعر على حدى، والآخر بالإقليم الذي ينتمي إليه، والعلاقة التي تربطه بالثقافة الأجنبية، والتباين الواضح بين تجارب الشعراء. والخلاصة أنه ليس هناك خاصية واحدة للغة بل خاصيات عديدة، وأشار الناقد محمد النويهي إلى أن أهم ما يميز الشعر الحديث مسألتين: \"مسألة اقترابه من لغة الكلام اليومي؛ وثانيهما خروج شكله الجديد عن عادة القواعد العروضية القديمة\". (مقدمة من كتاب: قضية الشعر الجديد، محمد النويهي، ص5). 2. الملامح الحقيقية للغة الشعر الحديث : تتبع الباحث اللغة في الشعر العربي الحديث، واستخلص مجموعة من الملامح: الملمح الأول : النفس التقليدي في لغة الشعر الحديث. ويتضح ذالك من خلال استعمال شعراء هذا الإتجاه للعبارات الفخمة، والأسلوب المتين حتى حين يعالجون مواضع أكثر حداثة، كما الحال عند السياب الذي استعمل تعابير تقليدية مثل: (خيف النخل العارض السحاح الإكثار من الصيغة الصرفية فعللة: هسهسة تهزهز تهدهد لولوة.. ومعاملة غير العاقل معاملة العاقل تشبها بأساليب الأعراب). الملمح الثاني : البعد عن لغة الحديث اليومي. من المعلوم أن لغة الحديث اليومي هي لغة نفعية، مرتبطة بحياتنا اليومية، في حين تميل اللغة الشعرية الحديثة إلى المثالية، فاستشراف شعراء الحداثة إلى التغيير، والمستقبل جعل هذه اللغة تبتعد عن اليومي، وربط الشعراء بين الكلمات بروابط غير متوقعة مما يدهش المتلقي لهذا الشعر، نجد مثلا هذه اللغة حاضرة في شعر عفيفي مطر، أدونيس، وصلاح عبد الصبور: (القمر الجائع يخيط جرح الماء...) الملمح الثالث: السياق الدرامي للغة الشعر الحديث. عندما كان الشاعر التقليدي يبدع قصيدته، فهو غالبا ما يوجهها، ويخاطب بها غيره، أما الشاعر الحداثي، فيهتم أكثر بمخاطبة ذاته، فيما يشبه حوارات ذاتية، أو المناجاة الداخلية/ الجوانية، فتكثر في قصائده الإيماءات، والإشارات، والهمسات، والصور المقتضبة. وتتبع الباحث هذه الخاصية من خلال شعر محمد الفيتوري، وقصيدته: \"معزوفة لدرويش متجول\". الملمح الرابع: التعبير بالصورة في الشعر الحديث. عمل شعراء الحداثة على التخلص من تسلط التراث البياني التقليدي، وفتحوا آفاقا جديدة ورحبة، وتوسيع أفق الصورة البيانية لتتسع لأكبر الإحتمالات الدلالية، والمتصلة بأعماق التجربة الشعرية كما هو الشأن في قصيدة: \"بويب\" لبد شاكر السياب. كما لجأ الشاعر الحداثي أحيانا إلى الحد من جموح الصورة الشعرية، والتقليل من إمكانيات التمدد والتوسع بربطها بسائر صور القصيدة. وتتمتع الصورة البيانية بالخصوبة خصوصا عندما ترتبط بتجربة الشاعر. كما تستمد الصورة الجديدة حيويتها من ثقافة الشاعر، فتصبح قناعاته ترفد المضمون، وتنعكس على الشكل بفيض عاطفي يجعل الصور توغل في الغرابة، مما أبعد تجرب الشعراء الشعرية عن أذواق الناس. كما أورد الباحث عوامل أخرى كانت وراء نفور الناس من الشعر الجديد، وهو الإطار الموسيقي: 1. تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث: إن لجوء الشاعر الحديث إلى القوالب الموسيقية التقليدية بأشطره المتساوية، وقوافيه الموحدة لا يمكن اعتباره إخلالا بالقاعدة المتعلقة بتطور المضمون والشكل في القصيدة الحديثة. فهو لم يشأ أن ينسف الأصول إلا بمقدار ما يسمح بالتعبير عن عواطفه وأفكاره دون عوائق، فارتفعت أصوات تنادي بجعل التفعيلة أساسا لعروض جديد، والتصرف في عدد التفعيلات في السطر الشعري، مع الإلتزام بالتفعيلة الواحدة. 2. الأسس الموسيقية للشعر الجديد: فرضت الأوزان الشعرية نفسها على ذائقة الجمهور والناس بسبب جماليتها طيلة خمسة عشر قرنا، وكل المحاولات التي سعت إلى كسر النظام التقليدي كالموشحات، والرباعيات، والخماسيات، لم تكن سوى تنويعات على هذا النظام. وقد عمل الشعراء وفي كل العصور على إحداث نوع من المرونة في هذا الإطار الموسيقي بلجوئهم إلى الزحافات والعلل لتكسير وحدات الإيقاع، والتخفيف من صرامته، كما أفادت من في إطار الإيقاع الداخلي من موسيقى الحروف اللينة والحروف الصلبة لتشخيص العواطف والأفكار. كقول الخنساء: رفيع العماد، طويل النجاد كساد عشيرته أمردا كما اعتمدوا التضمين لكسر صلابة الوزن، والتخلص من حصر معاني القصيدة في وحدات متساوية. (والتضمين في البيت هو ألا يتم معنى قافية إلا بالبيت الذي يليه). ومع ذالك لم يتمكن الشعراء من تحويل الذوق العام عن النظام الصارم للشكل التقليدي، بل أضافوا قيودا أخرى اختاروها بأنفسهم مثل: لزوم ما لا يلزم القوافي الداخلية... ولم يتطور الإطار الموسيقي للشعر العربي إلا في أواخر الخمسينات من القرن العشرين. 3. مميزات الإطار الموسيقي الجديد: إن تفتيت الإطار الشعري القديم ذي الشطرين المتوازيين بدأ بالبحث عن تسمية بديل لوحدة البيت التقليدي. فنازك الملائكة سمته: الشطر. أما عز الرين إسماعيل فسماه: البيت. وهناك اختلاف بين البيت الشعري الحداثي والبيت الشعري التقليدي، يتمثل ذالك في: أ البيت الشعري الحداثي لا يعتبر وحدة موسيقية ذات أصول تابثة، فطوله وقصره مرتبط بالنسق الشعوري والفكري للشاعر. ب عدد البحور الشعرية في الشعر الحديث أقل منه في الشعر القديم (ينظم الشعر الحديث على ستة بحور، وتسمى البحور الصافية: (الهزج الرجز الرمل الكامل المتقارب المتدارك)، لكن بإمكان الشاعر أن يستخلص من البحر الواحد عددا لا يحصى من التشكيلات الموسيقية. كما استعمل البعض منهم في بعض قصائدهم البحور المختلطة كأدونيس. ويرجع الباحث سبب عدم استغلال شعراء الحداثة لهذه البحور المختلطة إلى عوامل عدة وهي: 1 مسألة الزحاف: استعمال الزحاف في البحور المختلطة بغية كسر إيقاع الوزن التقليدي. 2 تنويع الأضرب: إدخال الزحاف والعلل، وإن كانت غير مقبولة في نظر العروضيين القدماء، مثل مستفعلن يجعلونها مستفعلان. بهدف تنويع إيقاع البحور الصافية. 3 إدماج البحور المتشابهة في قصيدة واحدة: كالمزج بين بحر الرمل، وبحر الرجز، وهو شيء غير مألوف في الشعر القديم. ف \"فاعلن\"، تصير \"فاعلُ\". كقول نازك الملائكة: كأن المغرب لون ذبيح. فاعلن فاعلُ فاعلُ فعلن. 4 مسألة التدوير: فإذا كان البيت الشعري في الشعر الحديث لا ينضبط في عدد التفعيلات إلا للدفقة الشعورية والفكرية، فإن هذه الدفقة قد تتجاوز حدود الشطر الشعري أو البيت الشعري بمفهومهما التقليدي مما يترتب عليه أمرين: الأول: التعبير عن الدفقة الشعورية والفكرية دون اللجوء إلى التدوير، أي تفعيلة خماسية. الثاني: الوقوع في التدوير وإشراك سطر البيت في كلمة واحدة، بأن يكون بعضها في الشطر الأول، وبعضها في الشطر الثاني. وقد فتح التدوير آفاقا أخرى للشاعر الحديث لكي يتخلص من صرامة البيت ذي الشطرين، ومن انتظامه في نسق هندسي رتيب. 4. نظام القافية في الشعر الحديث: عمل شعراء الحركة الذاتية قبل الشعر الحديث على التنويع في القوافي، فربطوها بالمعاني الجزئية داخل القصيدة الواحدة، وظل اجتهادهم محصور في هذا الإطار. لكن شعراء الحداثة، وموازاة مع ما أحدثوه من تغيير في نظام البيت الشعري، فقد انعكس ذالك على نظام القافية باعتبارها جزء من البناء العام للنص. وسجل الباحث أحمد المعداوي ثلاث ملاحظات في هذا الإطار: الأولى: ميل الشاعر الحداثي إلى التعامل مع القافية بصفتها نظاما إيقاعيا يتكون من عدة أحرف مع الحد من بروز حرف الروي، لأن بروزه من شأنه أن يحد من حركة تدفق المعاني، والمشاعر ويربكها. وتطلب هذا من الشاعر أن يتوفر على ثروة لغوية كان الشاعر التقليدي يعلق عليها أهمية بالغة. الثانية: الربط بين نظام قوافي الأضرب المتنوعة والقافية،اعتقادا من الشاعر أنه من شأن اختلاف الأضرب أن يحدث إخلالا في نظام القافية. الثالثة: علاقة نظام القافية في الشعر الحديث بالجملة الشعرية والتي تتحد في نظر الباحث في نقطتين: الأولى: تتعلق بالجملة الموسيقية المسرفة الطول، والتي تمتد فيها الدفقة الشعورية امتدادا يغني بتدفقه عن الوقفات المنتظمة التي تحتاج إليها الأبيات الشعرية القصيرة. الثانية تخص الجملة الموسيقية المتوسطة الطول الواقعة بين الجمل الطويلة، واعتاد الشعراء في مثل هذه الجمل أن يعوضوا عن القافية المتواترة والمترادفة في آخر البت بقافية ذات نبر بارز يختمون بها جملهم المتوسطة. وأهم ما يميز نظام القافية في الشعر الحديث هو المرونة التي تستمدها من قوة المشاعر والأفكار. الخاتمة وفي خاتمة الكتاب يتساءل الباحث عن مسألة الغموض ومنبعه في الشعر الحديث، ويرجع أسباب هذه التهمة إلى حداثته، وهو بذالك يخالف رؤية الناقد شكري عياد الذي يرى أن ظاهرة الغموض في الشعر الحديث تعود إلى مسألتين: الأولى: أن هذا الشعر يقول لنا ما لا نتوقعه. والثاني: في الجهد الشاق في صدق التعبير عند شعراء الحداثة. ويختم بشهادة للناقد الأمريكي ريتشارد حيث قال: \"إن كثيرا من أفضل الشعر مبهم في تأثيره الأول، حتى إن أدق القراء وأشدهم تجاوبا يضطرون إلى أن يقرأوا القصيدة مرة أخرى. وأن يجهدوا أنفسهم قبل أن تتجسم القصيدة في عقولهم بصفاء ووضوح\". 3. قراءة في أسلوب الكتاب ما الأسلوب؟ يعرف الأسلوب عادة بأنه \"نظام من الحركات الذي يضع المرء فكره في إطارها\"، وبناء عليه، سنحاول أن نستخلص أهم مميزات أسلوب أحمد المعداوي المجاطي على عدة مستويات: 1. المستوى المنهجي: وظف الباحث مجموعة من المباهج النقدية في دراسته للشعر العربي في إطار ما يسمى بالمنهج التكاملي، والمتمثلة في: أ المنهج التاريخي: ويتجلى هذا المنهج في الربط بين الظواهر الشعرية محل الدراسة، والظروف التاريخية التي أنتجتها: فحركة الإحياء جاءت لتلبي حاجة الأمة العربية إلى ما تستند إليه لمواجهة الهجمة الشرسة للأمم القوية، ووجد مرتكزاتها في الماضي المجيد (الشعر العباسي الشعر الأندلسي) كما أرجع ظهور الحركة الوجدانية كنتيجة لتبدل المجتمع العربي المصري، وظهور الطبقة البرجوازية الصغرى؛ والتحام الأجيال الجديدة بالتطورات الحضارية الحديثة على مستوى الفكر. أما الحركة الشعرية الحديثة فقد ربطها بانتكاسة فلسطين وهزيمة العرب في حربي: 1948 و1967م، وقيام الأنظمة الثورية الحديثة التي رأت فيها الأجيال الصاعدة الخلاص من التخلف الحضاري والثقافي. ب المنهج الإجتماعي: وظف الكاتب هذا المنهج لتعليل المضامين الجديدة التي أدخلها الشعراء في تجاربهم الشعرية الحديثة، والتي أرجعها إلى حالة اليأس والسخط على قيم مجتمعهم، ويأسهم من الإنسان وحضارته. ورأى أن هذا المنتوج الشعري ليس تقليدا لشعراء الغرب، بل منبعه الواقع العربي الذي يعيش أزمة حضارية حقيقية. ج المنهج النفسي: يرى الناقد أن تجربة الشعر الحديث هو وليد عوامل نفسية داخلية، فالدفقة الشعورية والفكرية المنبعثة من أعماق الشاعر والمتصارعة فيه هي من حتمت عليه الإستعانة بأشكال جديدة للتعبير خصوصا على مستوى الأوزان والإيقاعات. د المنهج الموضوعاتي: استثمر إمكانية هذا المنهج الذي يهتم بدراسة الموضوعات التي تتمحور حولها الإنتاجات الأدبية، ومن خلاله استخلص الباحث جملة من الموضوعات التي تهيمن على الشعر الحديث مثل: الغربة الضياع، وما ارتبط بهما من موضوعات فرعية كالغربة في المكان في الزمان في الحب.... 2. سمات أسلوبية: أ على مستوى المصطلح: هيمن على أسلوب الكاتب مصطلحات ومفاهيم استقاها من حقول معرفية متنوعة، منها: ا/1 الحقل الأدبي: استعمل مصطلحات نقدية وأدبية مثل: الشعر الشعراء القصيدة الوسائل الفنية الإطار الموسيقي التقليدي الزحاف الخفيف النسق.. ا/2 الحقل النفسي: استقى منه جملة من المصطلحات وظفها لتحليل الظواهر الأدبية مثل : التجربة الذاتية تأمل حر الرؤيا الشعرية الأحلام الخلاص مزاج أعماق الذات..... ب/2 الحقل الإجتماعي التاريخي: تصادفنا ونحن نتابع تحاليل الكتاب مفاهيم على شاكلة: الظاهرة التطور التراث عمل حزبي الحقبة التاريخية الشعر الجاهلي العقل العربي........ ج/2 الحقل الذاتي الوجداني: مثل: القلب السعادة المطلقة واقع الهزيمة الأسود سهولة التعبير الوحي مفردات غريبة بواعث شقاء الشاعر....... ب على مستوى التعبير: عرض أحمد المعداوي مادته النقدية بأسلوب حاول أن يشحذ له كل الإمكانيات ليكون سلسا ومقنعا، وإذا تتبعنا المؤشرات الدالة على ذالك لاحظنا ما يلي: ب/1 أسلوب الحجاج: فالباحث يقدم كل فصل بمقدمة يعرض فيها ما يتوخى الوصول إليه، فيعرض فكريه كفرضية، ثم يعمل على تحليلها وشرحها وتفسيرها وتعليلها متدرجا من العام إلى الخاص. ب/2 عرض الأدلة والحجج: يدعم الكاتب أفكاره مستعينا بأدلة من التاريخ، والأدب وأقوال الدارسين، والنقاد، ومن الأشعار، واقفا على المميزات الفنية للكل مقطع شعري أو نقدي. ب/3 المقارنة: شكلت المقارنة إحدى الوسائل الأسلوبية التي عمد إليها الناقد من أجل الكشف عن التشابه أو الإختلاف بين أشعار الشعراء المستشهد بهم. كما تميز أسلوبه بجملة خصائص نجملها فيما يلي: 1 الدقة في الصياغة: فقد كان المعداوي يختار مفاهيمه، ومصطلحاته بعد أن يعرفها ويحدد دلالاتها بدقة وذالك حتى يجنبها العموميات، ويجعلها أدوات منهجية صالحة ليحلل بها المقاطع الشعرية التي يختارها للدراسة. 2 الإطناب: ظاهرة أسلوبية ملفتة للإنتباه في الكتاب إلى درجة تشعرنا أحيانا بالملل، ولكن الكاتب يراها ضرورية من أجل التوسع في شرح وتحليل مضامين الشعر الحديث، وخصائصه الفنية والجمالية. وعموما يمكن القول بأن أسلوب المعداوي يتسم بالبساطة التي لا تخل بفصاحة اللغة، والسهولة التي لا تسقط في الإسفاف، فقد حرص على أن تكون المقدمات مناسبة للفصول، والفصول مترابطة فيما بينها ارتباطا دلاليا، مستعملا إحالات تذكر القارئ بما سبق، وبذالك أكسب مؤلفه التماسك والإنسجام. 4. القراءة التركيبية كتاب: ظاهرة الشعر الحديث\" لأحمد المعداوي المجاطي، يشكل إضافة جديدة لما كُتب في هذا الجانب حول الشعر العربي الحديث، وهو من طلائع الكتب المغربية والعربية التي أنجزت في هذا الباب. وفي هذه القراء التركيبية للكتاب سنحاول إجمال ما طرح فيه سواء على مستوى المضمون أو المنهج في الخلاصات التالية: 1 لقد قدم الباحث في كتابه حول ظاهرة الشعر الحديث، آخر ما تفتقت عليه موهبة الشعراء العرب، في سياق تاريخي تدرجي ليوضح الجديد الذي أتت به القصيدة الحداثية. فاستهل بحثه بحركة الإحياء، ثم أتبعها بحركة النزعة الذاتية التي ولدت في أحضان ثلاث تيارات شعرية وهي: جماعة الديوان الرابطة القلمية جماعة أبولو، انتهاء بحركة الشعر الحديث. 2 استعراض خصائص وتوجهات كل اتجاه أو جماعة: فالحركة الإحيائية وجدت في التراث الشعري العباسي والأندلسي نموذجا رفيعا للشعر فاقتفوا أثرة، وساروا على نهجه، فقلدوا الشعراء القدامى في لغتهم وأساليبهم البيانية، ومعانيهم وإيقاعاتهم العروضية. أما التيار الوجداني، فقد سعى إلى توجيه الشعر إلى الذات بدلا من توجيهه إلى خارج كما فعل الشعراء القدامى، واختلفت بعد ذالك الجماعات المنضوية في فهم هذا التوجه الجديد للشعر: فجماعة الديوان تتفق على أن الشعر تعبير عن الوجدان، لكنهم اختلفوا في فهم ما تعنيه كلمت وجدان. أما الرابطة القلمية فتعاملت مع الوجدان على أساس \"كل ما هو قريب من النفس والحياة والعالم\"، كما تعني الإحتماء بالطبيعة/الغاب، طريقا للهروب من الواقع الذي لا يرجى بعثه. في حين توزعت أحلام ومشاعر جماعة أبولو بين التعبير عن حاجيات الذات، ومتطلبات الواقع: فزكي أبو شادي بعد يأسه من قدرة الشاعر على الدفع بمجتمعه إلى تجاوز تخلفه الحضاري والثقافي سكت عن قول الشعر. في حين ارتمى إبراهيم ناجي في أحضان الحب والعشق، فراح يتغنى بالمرأة. في حين هام أبو القاسم الشابي عشقا بالطبيعة والجمال. وانتهى إلى الكشف عن العوامل التي ساهمت في ولادة الشعر الحديث، والمتمثلة في إحساس الشاعر الحداثي بالحرية، وتزوده بثقافة إنسانية ذات مشارب مختلفة: عربية غربية فارسية. كما كانت ثقافتهم موسوعية تنهل من: التاريخ علم النفس التراث الفلسفة الأدب، فنزع الشاعر الحداثي إلى التصوير البياني، والجمع بين البحور الشعرية وتنويع القوافي. 3 استعراض العوامل التي كانت خلفيات معرفية وراء توجه كل حركة: فثقافة شعراء الحركة الإحيائية كانت عربية خالصة، ولم يتح لهم الإتصال بالثقافة الأجنبية. في حين اٍرجع اختلاف جماعات حركة الإحياء إلى الإختلاف في فهمهم لما سمي بالوجدان. 4 تتبع حركة الشعر الحديث، وعرض أهم خصائصها، والوسائل التقنية التي قدمت فيها هذه الحركة تجربتها الجديدة، ومن هذه الخصائص: إعادة النظر في مفهوم الشعر. تتبع المعاني والبحث عنها في مصادر مختلفة، عربية، أجنبية، محلية، إنسانية.. تناول الموضوعات الجديدة التي لم يتطرق لها الشعراء القدامى والمتمثلة في موضعين أساسين: الغربة والضياع، والحياة والموت أما الوسائل التي توسط بها شعراء الحداثة للتعبير عن مواضعهم، وتجاربهم الشعرية فهي: التخلي عن التعابير والصيغ المتوارثة والمألوفة والتي تحولت إلى تعابير مسكوكة وعادية. البحث عن صور شعرية تتسم بالجدة والفرادة اعتمادا على الأسطورة والرمز. التنويع في التشكيل الموسيقي الجديد كالمزج بين البحور، والإكثار من الزحافات والتنويع في الأضرب، والإعتماد على نظام التفعيلة، وتنويع القافية، ... 5. وتبنى الباحث في دراسته على أسلوب تميز بتوظيف مصطلحات مستمدة من حقول معرفية متنوعة شملت مفاهيم علم النفس، والنقد، والإجتماع، والتاريخ، والوجدان. كما اعتمد المنهج التكاملي في تحليله للظواهر الأدبية، والإستشهاد بأقوال المبدعين، والنقاد، عرب وأجانب. كما بنى أسلوبه بناء محكما تميز بالدقة، والإنسجام. وأخيرا لابد من الإشارة إلى أن الأحكام التي يصدرها الناقد في ثنايا تحليله للظواهر الأدبية رغم حرصه على تقديم الأدلة المناسبة، والإستشادات الملائمة، لا تخلوا أحيانا من الإنطباعية باعتبار النقد التأثري لا يخلو من ذاتية، وتسرع في الحكم على الإنتاج الأدبي من وجهة نظر نقاد ما يسمونه: \"النقد الموضوعي\" مع العلم أن الكتاب نقدي يخلو من النقد التأثري.