في حارتنا لم يكن الونش يحظى باحترامٍ يذكر، رأسُه الثقيل الأشعث أثار غيظنا، وكرشه زاده قُصرا .. لكننا كنا إذا ما غاب؛ افتقدناه .. وذهبنا إلى باب بيتِه، ننادي جماعةً :
يا ... ونش!
أبوه صاحب الشارب الكبير يخرجُ؛ لتقدح عيناه، ونحنُ نقفز متباعدين:
روحوا (...)
هو عبد المقصود ولد الغشوم، حفظه ألله من مكائد الدنيا، وحفّظَته ألتخشيبةُ أسرار حكمتها ..!
اليوم سيفعل ما فعله أبوه .. يوم أنحدر به إلى التخشيبةِ التي تحت الجبل، هناك وقفا بخشوع.. وقد تمهلَ أبوهُ قبل أن يدفع بابها الواطئ .. لم ترتفع الرؤوسِ تحت (...)
التقطَ الجمرَةَ بملقط الحديد ، ثمَّ وضعها على الرأسِ .. سحبت بشفتيها المكتنزتين .. فقرقر الزجاجُ بين ساقيها .. تسلقتها عيناهُ .. قالت: شكرا يا .. ولد!
قالت: لا تنسانا يا ولد .. حين يحررون لكم البلاد ... نفثت الدخان حزمةً طويلةً .. ما لبثت أن تمددت (...)
قصص قصيرة جدا
قال الكبيرُ: حمّموه!
أبقوا عليهِ أشياءه الماكرة: شعرَهُ المنفوش، أسمالَهُ، وحذاءَهُ العتيق!
عيونُ الجدرانِ كانت ذاهلة؛ وهو يتفتتُ؛ قبل أن يقفلوا غطاءَ حوضِ حمضِ الأسيد!
لو كان رجلا!
دفعه عن صغاره؛ فلم يبتعدْ، أرداهُ بالرصاص؛ فلم (...)
خرج الشيطانُ؛ فوجد حناجر العربان قد قامت في البلاد، ورأى الحناجرَ تصدحُ بالهتافِ متفقةً مثلُ نواقيس، والهتافَ يلتفُّ في موجاتٍ تتصاعدُ ثمَّ تهوي على شدقي الحاكمِ كتلا من لهيب؛ بينما أسنانُهُ تتلوَّى مثل كلاليب!
كسر الشيطانُ قرنيه، ودخلَّ يردّدُ (...)
قصة قصيرة جدا
وقبيل الفطامِ أخذتهُ إلى نافذة الليلِ؛ تعلِّمه أولَ ما في الدنيا من أسماءِ.
قالت: أسود!
لحظتها حطَمُوا باب سقيفتهم؛ فهبَّ من اللفة؛ وبحنجرةٍ عالمةٍ صاح:
اترك أبي يا سافل!
لكنَّ وجهَ أبيه في بئرِ الليلِ تباعد؛ وفي اللون الأسود (...)
أخذته؛ لتضربَ في سجادِ ربيع؛ فظللتهما أسرابُ نوارسَ؛ رآها الصغيرُ تحت قرصِ الشمسِ غيمةً تعدو، وجواره أمّه رفعت جذعها؛ كان في عينيها خبرٌ يرتجُّ؛ يدُها النحيلةُ أخذت أمامها تطوف، ومع تنهيدةِ نارٍ سمعها تقول:
- هناك!
لم يفهم؛ لكنها أشعلته:
- تحت (...)
شيخوخة
على سريرِه؛ في غرفة بيتِ المسنين؛ جاءه الصوتُ الأنثويُّ متأوِّها، يقطِّعُه شيءٌ من الأنين، رأسُه سخن؛ ثمّ صار يغلي؛ قام كما لم يقم منذُ زمنٍ، صيحةٌ ناعمةٌ أخرى ممطوطة نادته؛ فاندفعَ إلى السلمِ بسروالِ البيجاما؛ ثمَّ بيديه الناحلتين بدأ (...)
من فوهةٍ معلقةٍ في السماءِ هوى، تقلب مذهولا إلى أن اصطدم بالقاع البعيد، لم يصرخ؛ بل تحسس جانبيه، ثمَّ نهض، فصدَّه بابٌ انقفل، هاجمه، ولمّا انفتح، غرق في ضبابٍ غليظ!
خطا؛ فردَّه بابٌ جديد، وفي نهر الضباب تقاذفته الأبوابُ، فإذا هو في بهوِ يغصُّ (...)