أثار التعديل الذي تقدم به فريق العدالة والتنمية في إطار جلسة مساء الخميس الماضي حول الأجور العليا مناقشة عاصفة تجاوزت حدود النقاش السياسي إلى حد الإساءة الشخصية لبعض النائبات، واتهام فريق العدالة والتنمية بالمسؤولية المعنوية عن أحداث 16 ماي من لدن رئيس الفريق الاشتراكي. وكان فريق العدالة والتنمية قد تقدم بتعديل في هذا الصدد على الشكل التالي: >يجب أن لا يتعدى مجموع سقف الأجور والعلاوات في الإدارة العمومية والقطاع العام راتب الوزير. ويحدد سقف المعاشات الاستثنائية في 10000 درهم شهريا. وعلل فريق العدالة والتنمية هذا التعديل بأنه تعديل يهدف إلى تقليص الأجور العليا لتصبح مناسبة في دولة نامية مثل المغرب، وبالتالي سيمكن الميزانية من موارد إضافية لتغطية مختلف النفقات ويسهم في تخليق الحياة العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية. وعارض الفريق الاشتراكي على لسان رئيسه إدريس لشكر هذا التعديل مبررا اعتراضه بأنه تنبغي مراعاة قانون العرض والطلب وأن تحديد سقف الأجور العليا يحرم الإدارة من خيرة الأطر الذين يستقطبهم القطاع الخاص وإلا فإن الإدارة لن تستقطب سوى الرداءة. واستغرب النائب عبد الإله بنكيران من فريق العدالة والتنمية الاحتجاج بمنطق العرض والطلب وتأسف أن يصدر مثل هذا الاحتجاج من لدن الإخوان في الاتحاد الاشتراكي الذين ظلوا زمنا طويلا يدافعون عن الطبقات المحرومة ويستنكرون التفاوتات الطبقية الحادة، مؤكدا على أنه لا يعقل أن يكون سقف الأجر الذي يتقاضاه الوزير الأول لا يتجاوز 100.000 درهم في حين نجد مدراء عامين لشركات عمومية يتجاوز 300.000 درهم و500.000درهم، على اعتبار أن أكبر منصب في الحكومة هو الوزارة الأولى، وأن هذا المنصب هو الذي ينبغي أن ترصد له تلك الكفاءات التي استحقت تلك الأجور الخيالية في الوقت الذي تتسع فيه دائرة الفقر والفاقة والبطالة. تدخل النائب عبد الإله بنكيران، رغم أنه كان نقاشا سياسيا يندرج في إطار الاختلاف المشروع ولم يخل بالاحترام اللازم في حق الفريق الاشتراكي، يبدو أنه استفز رئيس الفريق المذكور الذي لم يقف عند حد الدفاع عن عدم تحديد سقف الأجور العليا بمنطق ليبرالي غريب عن التوجه الاشتراكي، بل إنه تجاوز ذلك ليتهجم بكلام غير لائق في حق نائبات >محترمات حيث اتهمهن بإصدار ضحكات مقيتة< >وحركات تتنافى مع الوقار<، وهو ما أدى إلى استنكار من لدن نواب فريق العدالة والتنمية ونائبات من مختلف الفرق. مما اضطر رئيس الجلسة إلى رفعها حيث ظلت مرفوعة إلى ما بعد منتصف الليل، حيث استئنفت الجلسة بكلمة لكل من رئيس الفريق الاشتراكي سعى فيها إلى تبرير ما صدر عنه بتعرضه للاستفزاز، بينما تقدم النائب عبد الله بها رئيس فريق العدالة والتنمية احتج فيها على التعرض لنائبات محترمات يساهمن بفعالية في إثراء العمل النيابي، كما احتج على التهجم على حزب العدالة والتنمية بنفس المعزوفة التي رددتها جهات معروفة والتي سعت إلى ربط الحزب بأحداث 16 ماي التي كان حزب العدالة والتنمية أول من أدانها. النقاش الساخن حول تحديد سقف الأجور العليا، والذي أدى إلى خروج رئيس الفريق الاشتراكي على طوره، يأتي ولم تهدأ بعد الزوبعة التي أثارتها الزيادة في تعويضات البرلمانيين. كما يثير تساؤلات كبيرة حول الانعطاف الذي وصل إلى 180 درجة في موقف بعض الاشتراكيين الذين انتقلوا من خطاب كان في زمان غابر يدافع عن الطبقات المستضعفة، إلى زمان أصبح يدافع فيه على زيادة الشحمة في ظهر المعلوف . أليس غريبا أنه في الوقت الذي أشهر فيه وزير المالية الفصل 51 في وجه تعديلات تتجه إلى تخفيف الأعباء الضريبية على الطبقات المسحوقة وتخفيف أعباء بعض الأمراض المزمنة مثل الربو والسكري والقلب والكلي، وأن يدافع السيد الوزير والأغلبية الحكومية عن إعفاءات بعض المواد الكمالية التي تستهلكها الطبقات الغنية مثل السيكار والسيارات التحف، في حين رفضت تعديلات ترمي إعفاء الخواص والشركات التي تنشط الاقتصاد الوطني؟!