مدخل لبناء الخطاب يعرض هذا المقال التحليلي للخطاب الإسلامي في الغرب بين الإشكاليات والبناء. وتلك قضية كبيرة تشغل بال المسلمين المقيمين بالغرب عامة والمفكرين والزعماء منهم خاصة. يورد الدكتور خالد الطراولي (مدير تحرير مجلة مرايا بباريس) في أول الأمر إشكاليات الخطاب، ثم يتبعه بمحاولة للبناء. نقدم الجزء الثاني المتعلق ببناء الخطاب بعد أن نشرنا الجزء الأول المتعلق بإشكاليات الخطاب يوم أول أمس. د. خالد الطراولي مدير تحرير مجلة مرايا باريس الوسطية والجمالية هذا الخطاب هو خطاب الوسطية والجمالية، وقد تناول محمد عمارة في الخطاب العام الإسلامي(1) ذكر بعض محدداتها عبر ثنائيات نزيد عليها : الله والإنسان، الفكر والمادة، الجبر والاختيار، الوحي والعلم، النص والاجتهاد، الدين والدولة، الرجل والمرأة، الفرد والجماعة، الطائفة والأمة، الوطنية والإسلامية،، دار الإسلام ودار العهد. وتتشكل فسيفساء هذا الخطاب الوسطي والجمالي عبر الإجابة الميسرة والموضوعية والبراغماتية لهذه الثنائيات.ولعل فقه الموازنة يعتبر خير الطرق والوسائل لملامسة هذه الثنائيات وغيرها حتى ينجلي البعد الوسطي والجمالي لهذا الخطاب. وهي موازنة بين المصالح بعضها وبعض من حيث حجمها وسعتها ومن حيث عمقها وتأثيرها، ومن حيث بقاؤها ودوامها، وأيها ينبغي أن يقدم ويعتبر وأيها ينبغي أن يسقط ويلغى...(وكذلك للمفاسد)..والموازنة بين المصالح والمفسد إذا تعارضتا بحيث نعرف متى تقدم ردء المفسدة على جلب المصلحة، ومتى تغتفر المفسدة من أجل المصلحة.(2). سلمي تعارفي وهو خطاب سلمي تعارفي، وهذه السلمية ليست ظرفية ترتبط بحالة الضعف والقلة التي نعيشها، ولكنها حالة مبدئية وهيكلية وحاسمة للخطاب، لا رجعة فيها ولا تردد، تستمد أصولها من المقدس الذي نحمله والذي تجعل من بني الإنسان أخوة متعاونين ومتعاضدين قبل اختلاف العقيدة والرؤى والتصورات والمقاربات اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة(حديث). وهي ليست رمزا خافتا لمرحلة فانية وظرفا متعديا، ولكنها ميزة ثابتة لمشروع هداية، شعاره يأيها الناس ادخلوا في السلم كافة (البقرة 208) لتنفض الكثير من الغبار عن ترهلات في تاريخنا، وتأويلات منحرفة في حاضرنا أضرت بنا قبل أن تضر بغيرنا. إنساني وهو خطاب نحو الإنسان، حتى أن الصفة الملحقة به يجب أن تتمثل البعد الإنساني فيكون الخطاب إنسانيا ذو توجه إسلامي. لقد كان القرآن كتابا إنسانيا في طرحه وفي جمهوره {يأيها الناس، يابني آدم، يأيها الإنسان}، كان كتابا للإنسان وليس كتابا للمسلمين، وهذا يجعل الخطاب يحمل توظيفا دقيقا لهذا الإنسان وتوظيفا مناسبا له فيه التكريم والتشريف والاعمار والاستخلاف. مرافق ودليل وهو خطاب المرافق والدليل لفهم الإسلام وليس خطاب الأستاذية، حتى في جانبه الأخلاقي التي علا فيه صخبنا، وقدناه تنظيرا وأفلسنا فيه ممارسة وتنزيلا. فخطاب المعية يؤدي إلى إثراء ونقاش حول أشياء تبدو مسلمات بالنسبة لنا وهي غير ذلك عند الآخر، على عكس الأستاذية التي غالبا ما تنحو منحى الجمود أو التحرك في نفس النقطة. توفيقي هذا الخطاب توفيقي أساسا، فإذا كانت هناك فجوة قائمة دائما بين الخطاب والفكرة من ناحية، والواقع من ناحية أخرى، فلأن الخطاب يكون غالبا أقرب إلى المثالية، إذ أنه نتمتع بمنهجيتين لطرق هذا الواقع، إما تغييره بالمجاهدة >ولكن هل هذه مهمتنا؟ وهل هي من مصلحة الخطاب ومصلحة ضيوفه؟<، أم نتوافق معه عبر استنباط الدلالات من النصوص، وطرق باب الاجتهاد بكل قوة وإخلاص، وهذا يستلزم جرأة وعلما ووعيا، يقول الدكتور جمال الدين عطية في شأن الفقه العام، والحديث جائز في غيره : ولكن الذي لا ينتبه إليه الكثيرون هو ضرورة إعادة النظر في المسائل القديمة، أي الاجتهاد مجددًا في المسائل القديمة. فإن من المقرر أن لتغير ظروف الزمان والمكان والأشخاص أثره في تغير الاجتهاد والفتوى. ولا نوافق على حصر دور المجتهد في هذه الحالة على الانتقاء من بين الآراء القديمة رأيًا يكون أصلح أو أوفق ولو كان مرجوحًا في نظر أهل الترجيح من القدماء. فللمجتهد المعاصر أن يصل إلى رأي لم يقل به الأقدمون طالما أن له مستنده الشرعي في هذا الاجتهاد. ونحن لا نوافق على مقولة إنه إذا كان للقدماء ثلاثة آراء في المسألة (أو أربعة) فللمجتهد المعاصر أن يختار أحدها وليس له أن يقول برأي رابع (أو خامس) لم يقل به أحد من قبله، على أساس أن الآراء القديمة استنفدت بالقسمة العقلية جميع الاحتمالات؛ فهذا حَجْر على المجتهد لا أساس له من الشريعة(3). نحو أصول فقه الأقليات وهنا يطرح بقوة ماصطلح على تسميته بفقه الأقليات والذي لنا عليه بعض التحفظات، لأننا لا نريده أن يبقى في مستوى فقه الفتوى والنصيحة وردّ الفعل ودعها حتى تقع! ولكنه يجب أن يكون له تصور كامل ومستقل عن الفقه العام، في مستوى أصوله على الأقل. ليس فقه الأقليات فقه الضرورات والحاجات والنوازل والمصالح المرسلة، وليس فقه العابد ولا العالم فقط، وليس فقه الواعظ والعارف فقط، بل هو كل ذلك، هو فقه رجل الشرع ورجل الاختصاص. وهو ليس فقها اقتصاديا فقط يفتي بجواز التملك والتصرف فقط، ولا يجب أن ينحبس مدراره في قضايا الفقه العام المتنوعة والتي غلب عليها في تاريخنا الجانب العبادي والشعائري وضمور البعد السياسي والحقوقي، بل يجب إدراك ما للسياسة من دور أساسي في استقرار الجالية وتمرسها بوسائل المدنية الجديدة وتعاملها في إطار ديمقراطي رحب وتعددية فكرية وسياسية متمكنة، والتركيز على بروز فقه سياسي متطور يحترم الموروث الاجتهادي نقدا أو تجاوزا ويثبت المقدس ولا يتخاصم مع الواقع. لقد عدّد الدكتور القرضاوي تسعة ركائز لبناء وبلورة فقه الأقليات، نعتبرها تلم بالنواقص و تضفي شروطا موضوعية وواقعية لنجاح الخطاب الإسلامي في الغرب ونجاح هذه الأقلية في التفاعل السليم مع محيطها، وهي على التوالي: لا فقه بغير اجتهاد معاصر قويم، مراعاة القواعد الفقهية الكلية، العناية بفقه الواقع المعيشي، التركيز على فقه الجماعة لا مجرد الأفراد، تبني منهج التيسير، مراعاة قاعدة تغير الفتوى بتغير موجباتها، مراعاة سنة التدرج، الاعتراف بالضرورات والحاجات البشرية، وأخيرا التحرر من الالتزام المذهبي(4). علينا أن نبحث إذا عن الثوابت في خطابنا التي لا تقبل التغيير وحصرها، والبحث عن ثوابت الواقع الغربي التي لا تقبل التبديل، والتحرك إثر ذلك في متغيرات الواقع واجتهادات المبدأ، بوعي وفهم داخل مؤسسة ومن خلال خطة عمل. خطاب مؤسساتي وهذا يجرنا إلى صفة أخرى لهذا الخطاب، وهو أنه خطاب مؤسساتي، تحمله مؤسسة وتنزّله مؤسسة، بما يحمله هذا المصطلح من آليات وقوانين تبعدنا عن الفردية والمذهبية والطائفية واللاواقعية. خاصة ونحن في مجتمع المؤسسات ولا يمكن أن توجد لنفسك ولخطابك قدما وصوتا إذا كنت تغردّ خارج السرب، بعيد عن المؤسسة من جمعيات ونوادي ومراكز وأحزاب. ذو أولويات لهذا الخطاب أولويات في التنظير والتنزيل، ونعود في هذا إلى مصطلح لم يخل منه خطاب إسلامي، وهو فقه الأولويات، أو فقه المرحلة كما يقول فهمي هويدي، أو فقه المسار وفقه محطاته. وهو الفقه الذي يعني وضع كل شيء في مرتبته، فلا يؤخر ما حقه التقديم أو يقدم ما حقه التأخير، ولا يصغر الكبير ويكبر الصغير، كما يقول الشيخ القرضاوي. وهذه الأولويات يحددها فقه بالأحكام وبالضوابط من ناحية، وفقه بالواقع من ناحية أخرى، فالحالة الفرنسية مثلا وما تمثلها اللائكية من وجود قانوني وثقافي وتاريخي متميز في البلد ولدى المواطن، تدفع إلى رؤية وأولوية لمعالجة قضية العلاقة بين الإسلام والعلمانية وحسم هذه الثنائية قبل غيرها، على عكس المجتمع البريطاني مثلا الذي تنعدم فيه هذه الثنائية أو لا تطرح فيه بمثل هذه الحدّة. حسن العرض إن حسن عرض هذا الخطاب يمثل جزء من نجاحه، وهو محدد أساسي لتمكنه، فحسن عرض البضاعة جزء من تسويقها وشغف الناس بها. فالكلمة الطيبة وسعة الصدر والحوار الرصين وقبول الآخر، واللين والرفق، والمعاملة على أساس البرّ حينا والقسط أحيانا أخرى، تمثل مناهج عمل وتعامل، تقارب ولا تباعد، وتبني ولا تهدم وتضفي على تواجد الخطاب وحامليه شرعية وتقبلا وتيسيرا ينعدم في أطر أخرى ومن خلال مناهج الرفض والانعزال والعداوة.ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن(النحل 125) قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني(يوسف 108) فلا ننسى أبدا أننا مازلنا ضيوفا على أهل الديار حتى وإن تم الاستقرار، فذهنية الضيف عند الآخر وتخوفه على ثقافته واجتماعيته، لا يزالان قائمين ويجب تفهمهما، وأن تاريخ تواجدنا لا يزال لم تجف أحرفه، ويجب التعامل معه بلطف ورفق وصبر ومجاهدة للنفس وكثيرا من الأناة. هجرة الحبشة والنموذج المنشود بالرغم من أن هجرة الصحابة الأوائل إلى الحبشة لم تكن هجرة استقرار وتوطين، غير أنها وقعت في ظل أوضاع محيطة إقليمية وجهوية وداخلية ونفسية تشبه في الكثير منها أحوال المسلمين في هذا الزمان، حيث كانت حال الاستضعاف و العسر والغربة والتهجير واللجوء التي عاشها المسلمون الأوائل تماثل نسبيا ما يعيشها أحفادهم اليوم، من ديار غادروها لم يسعدوا بجوارها إلى أرض فيها بقية من عدل وصدق. فلما رأى رسول الله ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية لمكانه من الله ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه(5). ورغم أن كتب السيرة لم تتوقف كثيرا عند السنوات الطوال التي قضاها هؤلاء الصحابة ضيوفا لدى ملك الحبشة، غير أنها أثبتت بعض الدروس والمغازي التي لم تستنفد أغراضها، والتي يمكن أن تمثل نبراسا في طريق التعامل الرصين والواعي والرشيد بين المهاجر وبلاد الهجرة. كل امرىء من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور ومفتون أنا وجدنا بلاد الله واسعة تنجي من الذل والمخزاة والهون كانت اللقطات الأولى لهذا اللقاء التاريخي بين المهاجر المستضعف في دينه والفار بحريته والمكبل بانتماءاته، وبين المجتمع الجديد الممثل في طبقته العليا وحكامه، أول المشاهد المعبرة والمحددة لهذه العلاقة، فإما قبول وسماح بالتواجد والاستقرار، أو رفض ومنع وطرد. فكان الخطاب الأول مصيريا، وكان هذا اللقاء محدّدا للبقاء أو العودة، لذلك وقع اعتماد الأكفأ والأنسب والأصلح حملة ومضمونا لإيصال هذا الخطاب، فتكفل جعفر بن أبي طالب بالرد. * وضوح الخطاب والثقة في النفس، وعدم اعتماد الظاهر والباطن، وترك الخطاب المزدوج، فلا خطاب للداخل وآخر للخارج ولكن مبدئية وشفافية حتى تُبنى العلاقة على أساس من الثقة والأمانة والاحترام المتبادل ثم أرسل (النجاشي) إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا :نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن(6). * الأخلاق العالية نظرا وممارسة التي حملها المسلمون في خطابهم الأول، من رفعة وتواضع وشجاعة وتركيز على البعد القيمي والفضيلة والحرية والعدل التي يحملها مشروعهم الفارين به، وترك لما سواه من رذائل وفحش وظلم : :أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف...حتى بعث الله إلينا رسولا منا... وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات... (7). * حسن العرض والمنهجية السليمة والرقيقة في تقديم الخطاب، فقد اختار جعفر سورة مريم وما بها من رقة ومشاعر ولطف في قصة مريم والمسيح عليه السلام، حتى بكى النجاشي واخضلّت لحيته وبكى أساقفته حتى اخضلّوا مصاحفهم. * فن العلاقات العامة وإتقان اللطف في المعاملة، واحترام منازل الرجال ودرجاتهم فلما قهرونا وظلموا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلَم عندك أيها الملك(8). * قوة الإقناع وقبول الحوار والمناظرة مع الخصم والصديق على السواء. * المشاركة في معايشة هموم البلاد وأحداثها بالقدر المسموح به، والمساعدة على نصرتها ونجاحها بالوسائل المتاحة ولو بالدعاء. فقد نزل أحد الرجال ينازع ملك النجاشي ووقعت بينهما معركة فاصلة، لم تسمح للمسلمين المشاركة المباشرة فيها مع جيش الملك غير أن الجميع بقوا يتابعون الأمر بوجس وخيفة على النجاشي وأقاموا الأدعية لنصرته فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده..فو الله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى فلمع بثوبه وهو يقول: ألا أبشروا فقد ظفر النجاشي، وأهلك عدوه، ومكّن له في بلاده...فو الله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها(9). * سعة الصدر والقبول بالاختلاف بين أصحاب الخطاب وعدم التعرض لمن انزوى برأي ولو كان في المعتقد والدين نفسه. فقد تنصر عبيد الله بن جحش بعد أن كان مسلما لما قدم أرض الحبشة، فكان إذا مر بالمسلمين يقول: فقّحنا وصأصأتم، أي قد أبصرنا ولم تبصروا بعد. فلم تقع بينهم مشادات ولا تكفير ولا مضايقات وهو ما لم تذكره السيرة. * التدرج في المكاسب والرضاء بالنتائج القليلة في إطار من الانسجام الجماعي، والاستقرار والنجاح للبلاد وأهلها وعدم القفز على الواقع والقبول بالعمل في نطاق المسموح والمناسب، حتى لا يقع المحظور من رجّ عنيف وردّ أعنف منه، فينهزم المشروع وذووه، ويخيب المسعى. فقد أسلم النجاشي وأعلم بذلك صحابة الرسول (ص) وأخفى إسلامه على قومه، خوفا من بطشهم له ومعرفته لهم بشدتهم ورفضهم استبدال دينهم. ولم يسع المسلمون إلى تجاوز هذا الخط واكتفوا بهذا النجاح البسيط، واحترموا الرجل ومواقفه، ولم يدفعوه إلى إظهار دينه والدخول في مواجهة يمكن أن تلحق الأذى به وبالبلاد والعباد وبالمسلمين أيضا. ختاما إن هذا الخطاب الإنساني ذو التوجه الإسلامي في الغرب، يبقى نجاحه رهين حملته وأعضائه، ولا يبقى حبيس النظرية والإنشاء، ولكن يجب أن يتمثل في ممارسة واعية ورشيدة، يدخل الأسواق والمتاجر، ويستأنس داخل البيوت والغرف، ويشعّ عبر سلوكيات حضارية في المدرسة والطريق والنوادي، حتى لا يكون النموذج النظري في واد وممارساتنا في واد آخر فنخسر على المستويين، نظر فيه نظر، وفعل عليه حجر وتوجس وعداء. ولعل من تأويلات الأثر المشهور عن رسول الله (ص) أن الدين سيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء، أن مصطلح الغريب يكون من الغرابة، وهو ما سوف يلقاه هذا الخطاب عند غير بني ذويه. والغرابة محطة نفسية وثقافية يليها إحدى المسارين، إما تفهم وقبول وحتى تبني، أو رفض ومواجهة وعدوان، فإما الطوبى أو الخسران، وهذا يبقى رهين منهجيتنا في التعامل، وطريقة عرضنا لمشروعنا، ومدى وعينا بأمسنا ويومنا ومستقبلنا. كانت هجرة يوسف عليه السلام مثالا حيا للهجرة السليمة والاستقرار المفيد والمستفيد، من بدوي في الصحراء إلى حافظ لخزائن البلاد في الحضر، أحسن إلى قومه وعمل للصالح العام، فخدم مشروعه الإنساني وأفاد وطنه ومجتمعه وذويه. 1 محمد عمارة معالم المنهج الإسلامي دار الشرق، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الثانية .1991 2 د. يوسف القرضاوي أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة 3 أ.د. جمال الدين عطية تجديد الفكر الاجتهادي موقع إسلام أو لاين 25 فيفري .2003 و كتاب تجديد الفقه الإسلامي د. جمال الدين عطية ود. وهبة الزحيلي، حوارات لقرن جديد، دار الفكر سوريا، الطبعة الأولى .2000 4 د. يوسف القرضاوي في فقه الأقليات المسلمة، حياة المسلمين وسط المجتمعات الأخرى دار الشروق، الطبعة الأولى، سوريا ,2001 ص: .5740 5 ابن هشام السيرة النبوية المجلد الأول، دار الفكر دمشق، ,1994 ص:.272 6 مرجع سابق، ص:.572 7 المرجع السابق ص:.582 8 المرجع السابق ص:.682 9 المرجع السابق ص:.782