تعتبر الدورة الربيعية لسنة 2003 دورة استثنائية في تاريخ البرلمان المغربي، وهي التي عاش المغاربة خلالها حدثا كشف عن مواطن القوة والضعف في بنيات المجتمع ومؤسساته، كما كشف عن حقيقة ثقافة المواطن المغربي وقدرته على تجاوز الصعاب وإدراك حقيقة ما يجري ويدور، فأثبت أنه ليس بالخب ولا الخب يخدعه. إن تداعيات أحداث 16 ماي 2003 الأسود تنوعت وتعددت، وبلغت حد إغناء القاموس السياسي بمصطلحات مثل التكفير السياسي والاستئصال والاستئصاليون والمسؤولية المعنوية والابتكار المغربي والمحاججة... تتعدد بين الحماقة والعقلانية، حماقة الاستئصاليين الذين طالبوا بحل ثالث قوة سياسية في البلاد وتجفيف منابع التدين، وعقلانية التيار الإسلامي المعتدل وحزب العدالة والتنمية الذي اختار عدم المزايدة، فدبر الأزمة بالثبات على الاختيارات، دون أن ننسى الشرفاء من السياسيين والمثقفين وغيرهم ممن بادروا إلى مؤازرة الاعتدال. ومن أبرز الاختلالات التي كشف عنها الحدث المؤلم ما يلي: 1 التشوه الحاصل في البنية الفكرية عند من تحولوا من الاشتراكية العلمية إلى الليبرالية المتوحشة، فما أن وقعت التفجيرات حتى غاب الشعور ليشتغل اللاشعور فانغمسوا في الماضي وعاشوا حلمهم القديم، بإدانة الدين والتدين، فبينما ابتسامة النصر على شفاههم، استفاقوا كما يستفيق طفل من حلم جميل، ليجدوا الدين في أمن وأمان، وقد ازداد حماته وصلب عوده، إن هذا التشوه مرده إلى كفر مضمر بالديمقراطية لدى هؤلاء، إنها عقيدة مشوهة لزعماء الخوصصة، عقيدة مشوهة لإقطاعيي محامي طبقة البروليتاريا. 2 ظهور أعراض الانقراض الحزبي، حيث أصاب مرض الخرف وعمى الألوان زمرة من قيادات الأحزاب اليسارية، مما ينبئ بانشقاقات لأسباب مصلحية بحثا عن موقع للذات، إنه انقراض حتمي مصحوب بتفريخ، المولود فيه يحمل من التشوهات ما سيشل حركته، في انتظار قانون للأحزاب يقبر كل حزب مات شعبيا ومن هذه الأعراض: سوء تدبير بعض الوزراء للمرحلة العسيرة التي مر منها المغرب إثر تفجيرات الدارالبيضاء، بالمبادرة والإصرار على شق الصف المغربي من أجل حسابات سياسوية ضيقة بصب الزيت على النار، زد على هذا فشل هؤلاء الوزراء وهم القياديون في أحزابهم في النهوض بالوزارات التي يديرونها بعد أن سلبوا عقول الناس، أيام كانوا في المعارضة، بالخطابات الرنانة والاقتراحات الكاذبة والمزايدات الفارغة، وهو ما جاء الخطاب الملكي ليشير إليه بوضوح كبير الغيرة المزيفة للبعض على الدين بالغيرة من احتكار المرجعية الإسلامية، فلا هم قادرون على الانقلاب الإيديولوجي بإعلان القدرة على إنتاج اجتهاد إسلامي وطني منافس، ولا هم قادرون على مصارحة الشعب بعدم اقتناعهم بشمولية الإسلام وقدرته على بناء مشروع مجتمعي ناجح وفعال. وأعطوا الأسبقية للمبادئ الكونية والمواثيق الدولية، وأصبحت الذيلية جزء من ثقافتهم، إن هذه التقية ستسقط تحت ضغط الحاجة الشعبية لنموذج وطني يمزج بين التجذر والأصالة والأخذ بعناصر التقدم الإيجابي للحضارة الإنسانية. الشيخوخة الفكرية وبلوغ بعض القيادات التاريخية للأحزاب اليسارية أرذل العمر، فأصبحوا لا يعلمون من بعد علم شيئا، فالعلم عنصر من عناصر البناء الحضاري، فالصبية من أمثال بعض كتاب الدولة تلقوا أفكارا ونشؤوا عليها ليقحموها في الديمقراطية وإيمانها بالتناوب والحق في الاختلاف، فلم يجد تلاقح الأفكار لأن من يبحث عن ذاته خارجها لا يجلب إلا التشوهات، فبدلا من أن ينقلب الإيمان بالاختلاف إلى الإقصاء تطور ليصبح استئصالا. لحسن شاكيرا