الحج ركن الإسلام الخامس، لا يعد المسلم مسلما إذا كانت عنده الاستطاعة وانتفت الموانع الشرعية ولم يؤد فريضة الله عليه. وإن بعض الناس ليتهاونون بشأن هذا الركن من دينهم وإسلامهم فيسوفون ويؤملون حتى تكون عندهم الأموال الطائلة أو يتقدموا في السن أو غيرها من تلبيسات إبليس. والاستطاعة لا تنتظر، ولكنها تكتسب، يكدح المسلم المحب لدينه من أجل الحصول عليها، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، فينبغي على المسلم أن يضع برنامجا للاستطاعة حتى يصل إليها، وإلا فإن عدم الالتفات إلى هذه الحقيقة يجعل الاستطاعة مستحيلة، لعدم التفكير فيها والسعي لها. وإن هذه الاستطاعة شرعا تعني الزاد والراحلة، وإن أصحاب الزاد والرواحل كثيرون يحرمون أنفسهم بدعاوى وتعليلات غير شرعية. وإن الأيام القابلات لا يدري الإنسان ما الله فاعل به فيهن، ولذلك أمرنا بأن نحج قبل أن لا نحج، ففي الحديث: «حجوا قبل أن لا تحجوا. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»(أحمد)، وهذا الحكم هو الذي فهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عمر بن الخطاب فيما رواه البيهقي عنه أنه قال: «لقد هممت أن أبعث رجالا على هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين». ولذلك علم صلى الله عليه وسلم ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها حين شكت لخوفها وهي تريد الإحرام أمرها بقوله: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني.. إن حبسني حابس (منعني مانع) فمحلي حيث حبستني»(البخاري). فاستقرت شروط وجوب الحج في الاستطاعة، والتي حددت في الزاد والراحلة. فضلا عن الإسلام والعقل والحرية التي أصبحت مجرد شرط تاريخي، والزاد هو مصاريف أكله وشربه، والراحلة توفر وسيلة النقل التي توصل إلى بيت الله الحرام وترجعه. يقول أبو زيد القيرواني في حكم الحج، وشروط وجوبه في الإسلام: «وحج بيت الله الحرام ببكة فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين مرة في عمره، والسبيل: الطريق السابلة، والزاد المبلغ إلى مكة، والقوة على الوصول إلى مكة إما راكبا أو راجلا مع صحة البدن»، والمقصود بالطريق السابلة: المأمونة. وتعقب بعض الشراح قوله «والزاد المبلغ إلى مكة» بقولهم :يراعى ما يبلغه ويرجع به. كما ولا بد أن يترك لأهله الذين تحت نفقته ما يكفيهم في غيابه. وهناك من الفقهاء، من زاد شرطا آخر في حق المرأة وهو وجود المحرم للحديث الذي رواه مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: «يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك» وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، ولم يشترط الشافعية ذلك واستدلوا على ذلك بحديث عدي بن حاتم الطائي، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحداً إلا الله...» الحديث رواه البخاري. وتوسط المالكية فقالوا بالرفقة المأمونة للمرأة المأمونة، جاء في الموطأ: باب حج المرأة بغير ذي محرم: قال مالك في الضرورة من النساء التي لم تحج قط، أنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها، أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج لتخرج في جماعة النساء». بعض المراجع: الرسالة لأبي زيد القيرواني باب الحج والعمرة ، والثمر الداني شرح رسالة أبي زيد القيرواني للشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري.