قد يتجلى سوء معاملة الأبناء لآبائهم على شكل أعمال شغب وعنف، يقدم عليها الابن داخل المنزل وتكون موجهة ضد الأبوين قصد إزعاجهما والانتقام منهما بسبب ما يكنه الابن من مشاعر العداء نحوهما أو نحو أحدهما. ونتيجة لذلك، يتولد لدى الإبن شعور بالذنب لأنه يعتقد أن رغبته في الانتقام منهما ستتحقق، ويخشى أن يكتشف الأبوان رغبته في الانتقام منهما، مما يجعله يشعر بالخوف من أن يفقد حب والديه وأن يعاقب من طرفهما، وربما أن يطرد من المنزل. ويخطئ بعض الآباء، تحت تأثير أفكار كانت شائعة في بعض الوقت، عندما يتركون الأطفال يعبرون عن غضبهم دون أي تدخل من جانبهم بحجة أن ذلك سيساعد الأطفال على التخلص من مشاعرهم العدوانية. ويذكر «سبوك» في كتابه (مشاكل الآباء في تربية الأبناء) بأن بعض المجرمين الذين يرتكبون جرائم بشعة يتركون في مكان ارتكابهم للجريمة رسالة يقولون فيها: «أوقفوني».. «امنعوني» «اجعلوني أتحكم في نفسي».. مما يؤكد أن ترك الحبل على الغارب للطفل يشعره بالقلق وعدم الاطمئنان، ووضع ضوابط لسلوكه من لدن والديه يعطيه شعورا بالأمن، ويساعده على التحكم في مشاعره عندما ينفعل، رغم ما يبديه من تذمر ظاهري من تدخل والديه في سلوكه. إن جميع الآباء والأمهات يحبون أبناءهم، إلا أن حب الأبناء لا يجب أن يكون مبررا للانسياق مع رغباتهم كيفما كانت والخضوع لهم وقبول جميع ما يصدر عنهم من سلوكات حتى ولو كانت غير لائقة. وإذا كان الأطفال بحاجة إلى الحب والعطف، إلا أنهم وفي الوقت نفسه بحاجة إلى من يضبط سلوكهم ويوجههم ويعودهم التحكم في رغباتهم ومشاعرهم ويعدهم للاندماج في المجتمع، حيث يخضع السلوك الإنساني لمعايير أخلاقية واجتماعية وقانونية.. والآباء هم المؤهلون للقيام بهذا الدور في جو من الحب والتعامل مع أطفالهم باعتبارهم بشرا لهم حاجياتهم ومشاعرهم وحقوقهم. وقد يبدو للبعض أن زجر الطفل وردعه في بعض الأحيان يتعارض مع المطالبة بأن يعامل بعطف وحنان. إن حاجة الطفل إلى الزجر لا تقل عن حاجته إلى الحب والحنان، فعن طريق الزجر يتعود الطفل أن يتحكم في مشاعره ورغباته ليوجه قدراته نحو اكتساب خبرات ومعارف جديدة. ويكاد يكون من المسلم به أنه لا يمكن لأية حضارة أن تقوم بدون وضع حد للردع والزجر الذي يمارس على غرائز الأفراد ودوافعهم الأولية. ولا ينبغي للزجر أن يصبح غاية في حد ذاته وإلا فقد وظيفته التربوية والاجتماعية. وهكذا تتساوى القسوة المفرطة مع الدلال المفرط في كونهما يسيئان إلى الطفل ويكسبانه سلوكا عدوانيا يسقطه على ذاته أو على الآخرين. أستاذ التعليم العالي بكلية علوم التربية بالرباط