الإيثار خلق عظيم ومسلك حسن في حياة المؤمن وصف الله به الصحابة الكرام، وبين أن هذا الخلق سر نجاحهم وتمكينهم في الحياة. قال تعالى (ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). ومن خلال هذه الآية بين الله سبحانه أن هذا الخلق لا يمكن أن يسمى إيثارا، إلا إذا كان الإنسان أحوج إلى الشيء وأفقر إليه من غيره، ومع ذلك يوثر غيره على نفسه. وتبين الآية مسألة إيمانية نفسية تقود إلى الفلاح تؤسس وتتقدم في هذا النفع، إذ الأخلاق كلها مرتبطة بهذا المفهوم العظيم. عندما نتحدث عن هذا الخلق، نتحدث عن مستويات في الإيثار ولعل منها مستوى الحياة اليومية في الإدارات، في السوق، في الحافلة...، فعلى الإنسان لا ينقص من قيمة هذه الالتفاتات وهذه الأمور التي قد يظن البعض أنها رمزية، في حين أن هذه الأمور تنبني على أساسين: أولهما حديث "لا تحقرن من المعروف شيئا"، أي أن لا يحقر من الخدمات مهما كانت صغيرة فميزانها عند الله وعند المجتمع عظيمة، وثانيهما أن إيثار المحتاجين له قيمة أعلى، خصوصا إذا تعلق الأمر بالشخص المسن والمرأة، التي يقتضي الشرع تيسير أمرها وتقديم حاجتها، والأصل في ذلك ما ذكره القرآن عن ابنة شعيب )وَلَمَّا وَرَدَ مآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). لكن السؤال هو كيف نربي الناس على هذا الواقع، فخلق الإيثار لا ينمو إلا في بيئة الإيمان، بالمسجد والمدرسة والبيت الذي له الدور الأبرز في التنشئة إذ يتعلم الأطفال من الإيثار من أبيهم ومن أمهم ومن أخيهم...لأن الأخلاق الطيبة تؤسس وتحتضن من قبل الأسرة أولا ثم من قبل المؤسسات الأخرى.