بعيدا عما صورته أفلام «هوليود» التي تشد انتباه المشاهد في كل أرجاء العالم، من معارك طاحنة تدور رحاها داخل السجون الأمريكية وطرفاها بطل نبيل وعصابات تطارده، وعناصرها أحيانا قوى المخابرات ومشتبه في جرم لم يرتكبه.. كشفت دراسة أولى من نوعها أصدرتها مؤسسة «بيو» الأمريكية للأبحاث الخميس الماضي، عن «معركة» لم يسلط عليها الضوء من قبل، تتعلق بالتنافس على استقطاب السجناء القابعين وراء القضبان لاعتناق دين أو مذهب جديد. الدراسة الجديدة خاضت في الانتماء الديني والعقائدي لنزلاء السجون الأمريكية، ورسمت مشهدا أكثر وضوحا –على ما يبدو- فيما يخص تغيير القناعات الدينية والعقائدية لأشخاص يعيشون سنوات أو طور العمر وراء القضبان، وكشفت للعالم تفاصيل «معركة» حمي وطيسها السنة الماضية دون أن يعلم بها سوى المشرفون عن السجون من «رجال الدين».. وأبرزت قوة الإسلام في تأثيره في غير المسلمين دون أن يتخلى عنه معتنقوه. 12 جماعة دينية سجلت المؤسسة الأمريكية في أول دراسة من هذا النوع في العالم، أن 12 جماعة دينية تحاول كل واحدة منها إقناع نزلاء السجون المنتشرة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية بالانتساب إليها خلال السنة الماضية. معتمدة على استطلاعات للرأي همت القائمين الدينيين الموظفين بالمؤسسة السجنية والذين يوجدون عادة في الهيئات والمؤسسات لتمثيل أديان معينة في الدول العلمانية التي لا علاقة لها بالدين، وأشارت أن نسبة 85 في المائة منهم قساوسة، و62 في المائة يحملون شواهد جامعية عليا فضلا عن أن معظمهم محافظين سياسيا واجتماعيا. ويبلغ عدد السجناء في الولاياتالمتحدةالأمريكية مليون و600 ألف، يتابع حوالي 87 في المائة منهم تحت سلطة الولاية القضائية لسجون الدولة. وأوضحت الدراسة، أنه من الصعب تقديم الانتماءات الدينية الخاصة بالنزلاء، على اعتبار أن الإدارة لا تقدم أي معلومات بهذا الشأن، وتكتفي بتقدم بيانات خاصة بكل معتقل تتعلق بالسن والعرق والجنسية والمستوى التعليمي.. رغم ذلك، وبناء على نسب مئوية تقريبية قدمت الدراسة تقديرات «موثوقة» عن الانتماء الديني، وصورة «انطباعية» عن البيئة الدينية التي يعمل فيها المشرفون الدينيون الذين يعملون داخل السجون (chaplain's)، حيث يشكل المسيحيون ثلثي عدد السجناء موزعة بين 51 في المائة من البروتستانت و15 في المائة من الكاثوليك و2 في المائة ينتمون إلى جماعات مسيحية أخرى، بينما يشكل المسلمون نسبة 9 في المائة من عدد السجناء، في حين تتوزع نسبة 5 في المائة المتبقية على الجماعات الدينية الأخرى. ويعتنق غالبية السجناء الأمريكيين دينا محددا أو مذهبا معينا مع وجود نسبة قليلة من الملحدين، ووفقا للدراسة، فإن السجناء يعتنقون الإسلام والمسيحية بأنواعها المختلفة (بروتستانت وكاثوليك والأرثوذكس) واليهودية، وينتسبون إلى الوثنية والروحانية والبهائية والبوذية والمورمونية والهندوسية. اشتداد المعركة! انطلاقا من التعدد الديني الذي يميز المجتمع الأمريكي، رغم أن الدين المسيحي يعتنقه غالبية الشعب، كشفت معطيات أفرزها الاستطلاع الذي أجرته الدراسة في صفوف 1474 من القائمين الدينيين في سجون 50 ولاية خلال الفترة الممتدة بين 21 شتنبر و23 دجنبر 2011، –كشفت- أن 73 في المائة من المشرفين الدينيين أكدوا أن هناك مجهودات «كبيرة» يقوم بها السجناء فيما بينهم لإقناع غيرهم باعتناق ديانة جديدة، واعترف حوالي 31 في المائة بشكل مطلق على أن حرب «الأديان» تشتد داخل السجون في الوقت الذي شدد حوالي 43 في المائة أنه إلى حد ما تشهد السجون «حربا» لتبادل الأديان، في حين عبر 26 في المائة فقط أن الغاية ليست كذلك إطلاقا. وأفادت الدراسة، أن حوالي 84 في المائة من القائمين الدينيين (chaplain's) الذين شملهم الاستطلاع داخل السجون التي يعملون بها يملكون برامج لتوثيق الانتماء الديني، ونسبة 76 في المائة يتوفرون على أنظمة تسجيل التغيرات في الانتماء الديني. وأضافت أن هذه البيانات تبقى سرية لم يسبق الكشف عنها من قبل، لذلك فإن المسح الذي قامت به مؤسسة «بيو» يوفر نظرة فريدة من نوعها، فيما يتعلق بالحجم النسبي والنمو داخل الجماعات الدينية وراء القضبان، استنادا إلى «رجال الدين» أنفسهم، طبقا للدراسة. وفي إطار التدافع بين الأديان، سجلت الدراسة التي قامت بمسح شامل ل50 ولاية، أن نسبة التبادل أو تغيير الأديان تراوحت بين 26 في المائة و51 في المائة، حسب تقديرات المستطلعة آرائهم. سلاح التطرف! منذ هجمات 11 شتنبر 2001، ارتبط الإسلام بكل قضية «تطرف» رغم أنه بريء من هذه الاتهامات، وفي هذا الاتجاه، نقلت الدراسة عن ما أسموتهم «خبراء» أن السجن قد يكون من أهم العوامل التي تغذي التطرف الديني، مما يفرض على القائمين على السجون محاصرة مد الأنشطة الدينية داخل السجون ومراقبتها عن كثب. غير أنها أبرزت أن 12 في المائة فقط من المشرفين الدينيين اعتبروا أن التطرف الديني شائع جدا داخل السجون الأمريكية، وأصر 29 في المائة أيضا أنه منتشر بنسبة قليلة، في الوقت الذي كشفت أن نحو 58 في المائة شددوا على أن السجن ليس مرتعا للإرهاب والتطرف الديني كما هو مشاع، وأوضحت أن 4 في المائة فقط من ممثلي الأديان تشبثوا بمقولة أن التطرف الديني يشكل تهديدا أمنيا حقيقيا داخل السجون. وفي الوقت الذي أبعد فيه حوالي 43 في المائة من «رجال الدين» شبهة التطرف عن المسلمين الذين يقضون بعض أو معظم حياتهم وراء القضبان بالسجون الأمريكية، فإن القائمين على الأديان بالمؤسسات السجنية وبنسبة فاقت النصف بالنسبة للمستجوبين أكدوا أن الأديان الأخرى لا تعرف أيضا شيوع التطرف، وبعملية حسابية بسيطة يتأكد وبالملموس أن تهمة «التطرف» التصقت بالدين الإسلامي أكثر من غيره. انتصار الإسلام.. اعتمادا على المعطيات التي خلصت إليها الدراسة، انتصر الدين الإسلامي في معركة «الأديان» التي تدور رحاها داخل السجون الأمريكية وأبطالها السجناء أنفسهم، رغم أن عدد المسلمين «ضعيف جدا» مقارنة مع المسيحيين والتصاق تهمة «التطرف» بهم أكثر من غيرهم داخل السجون. وأدلى 54 في المائة من القائمين على الأديان بهذه المؤسسات على أن عدد المسلمين في ارتفاع مستمر، ونسبة الملتحقين بالدين الإسلامي في نمو ملحوظ، في الوقت الذي استبعد فيه نحو 7 في المائة فقط هذا المعطى. وبنسبة أقل من الذين اعترفوا بانتشار المسلمين، رأى القائمون على الأديان الذين يعتنق معظمهم الدين المسيحي بنسبة بلغت 47 في المائة ارتفاع عدد معتنقي البروتستانية، وسجل 14 في المائة منهم الإقبال على الكاثوليكية وحوالي 3 في المائة أكدوا اعتناق السجناء للأرثوذكسية. وسجلت الدراسة، أن الملحدين والكاثوليكيين أكبر خاسر من «المعركة»، حيث أجمع عدد كبير من رجال الدين على أن نسبة مهمة من السجناء تخلوا عن معتقداتهم، لصالح الإسلام بنسبة أولى ثم لحساب ديانات أخرى. وخلصت الدراسة، أن عدد السجناء المسلمين يبقى ثابتا دون أن يطاله تغيير لأن معتنقيه لا يتخلون عن الإيمان به من أجل اعتناق ديانة أخرى، نفس الأمر ينطبق –وإن كان بنسبة قليلة- على الهندوسيين والأرثودكسيين والمومونيين والبوذيين، إذ لم يتخلوا عن ديانتهم وظلوا مقتنعين بها، حسب ما أكده ثلثي المستجوبين من «رجال الدين»للمؤسسة الأمريكية. الإسلام في المرتبة الأولى ركزت الدراسة في جزء منها، على التنافس بين الإسلام والمذهب البروتستاني في المسيحية في استقطاب معتنقين جدد، وعبر 31 في المائة من القائمين على الأديان داخل المؤسسات السجنية الذين اعتمدت عليهم الدراسة في وضع خلاصاتها، عن انتشار «التبشير» و»الدعوة إلى الله» داخل السجون في مختلف الولايات، واعتبر ما لا يقل عن 43 في المائة أن محاولات تغيير الأديان منتشرة إلى حد ما. وفي هذا الصدد، سجل ثلث المشرفين الدينيين أن عدد السجناء المسلمين ظل ثابتا دون أن يطاله تغيير في حين قال 51 في المائة إن نسبة السجناء المسلمين عرفت ارتفاعا، حيث يبلغ عدد السجناء المسلمين في السجون الأمريكية حوالي 153 ألف بنسبة 9 في المائة، وفقا للدراسة. وفيما يتعلق بالمسيحية التي تشكل نسبة 68 في المائة من العدد الإجمالي للسجناء البالغ عددهم حوالي مليون و600 ألف سجين، اختلف «رجال الدين» حول ارتفاع معتنقيها، حيث تم التأكيد على ارتفاع البروتستانت فقط من خلال تصريح 47 في المائة –أقل من النصف- منهم في حين ذهبت الدراسة إلى الإشارة إلى ثبات معدل السجناء الأرثودكس ونقص السجناء الكاثوليك إما لاعتناقهم الإسلام بدرجة أولى أو تغيير المذهب إلى البروتستانتية بدرجة ثانية. من جهة أخرى، سجلت الدراسة تغيير عدد قليل جدا من المسلمين والبروتستانت لديانتهم، وأبرزت ارتفاع عدد معتنقي الديانتين، إذ جاء الإسلام في المرتبة الأولى متبوعا بالبروتستانتية ثم الروحانية ثالثا والوثنية رابعا. المشرفون الدينيون داخل السجون اعتمدت الدراسة وبنت خلاصاتها على استطلاع الرأي الذي أنجزته في صفوف القائمين على الشؤون الدينية داخل سجون الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث استطلعت آراء نحو 1474 منهم خلال شهر كامل لم يتفاعل مع استفسارات المؤسسة الأمريكية سوى 730 فقطن محققة نسبة 50 في المائة من التفاعل. لكن السؤال المطروح ما هي البيانات الخاصة التي تهم هذه الشريحة التي ساعدت في تقديم معلومات خاصة عن الدين مكنت من توثيق الانتماءات الدينية ودراسة معدل نمو 12 جماعة دينية. ينتمي المشرفون الدينيون أو (chaplain's) بالإنجليزية كما اصطلحت عليهم الدراسة الذين تم استطلاع آرائهم، إلى ثلاث أديان كبرى بنسب متفاوتة وهي المسيحية والإسلام واليهودية، ووفقا للدراسة، فإن رجال الدين المسيحيين يشكلون 84 في المائة، والفقهاء المسلمون يشكلون 7 في المائة ورجال الدين اليهود نسبة 3 في المائة، ونسبة 6 في المائة المتبقية تتوزع على الأديان والمذاهب الأخرى. وأشارت الدراسة فيما يخص الميول اللاهوتية، إلى أن 60 في المائة يحافظون على المعتقدات والممارسات التقليدية، وحوالي 30 في المائة منهم يقولون بضرورة إجراء بعض التعديلات والممارسات الحديثة، ونحو 2 في المائة من هؤلاء المشرفين يدعون إلى تبني المعتقدات والممارسات الحديثة، وحوالي 8 في المائة يقولون بلا أفضلية دينية. من جهة أخرى، يتوفر أغلب هؤلاء القائمين على الشؤون الدينية للسجناء على شواهد عليا بنسبة 62 في المائة (12 حاصلين على الدوكتوراة و 50 في المائة حاملي شهادات الماستر)، ويبلغ المستوى الدراسي لحوالي 21 في المائة منهم مستوى البكالوريا، في حين تابع 13 في المائة منهم في بعض الكليات دون الحصول على شواهد عليا ونسبة 2 في المائة منهم لم يتجاوزوا المدرسة الثانوية. وبخصوص التيارات الفكرية للمشرفين على الشؤون الدينية لنزلاء السجون الأمريكية، فإن حوالي 54 في المائة منهم محافظ في القضايا الاجتماعية والسياسية، و 29 في المائة معتدل في القضايا معا، في حين يعتبر 15 في المائة منهم ليبراليا. «القساوسة»يتهمون المسلمين «بالتطرف الديني»! أشارت الدراسة الأمريكية، أن المشرفين على الشؤون الدينية من المسلمين داخل السجون في الولاياتالمتحدةالأمريكية لا ينظرون إلى وجود التطرف الديني بين النزلاء بخلاف المسيحيين الذي تحدثوا عن انتشاره بين السجناء خاصة المسلمين، حيث أكد ذلك نحو 43 في المائة من مجموع رجال الدين «البروتستانت» و32 في المائة من الكاثوليك، فيما لم يتحدث في القضية سوى 23 في المائة من المسلمين. واتهم 57 في المائة من المشرفين على الشؤون الدينية للسجناء المسلمين بالتطرف الديني، بينما أكد 39 في المائة أن الوثنيين متطرفين، وشدد 24 في المائة على أن البروتستانت متطرفون، وحسب الدراسة، فإن المرتبة الرابعة في سلم التطرف الديني احتلتها مجموعة من المذهب كالبهائية، والمرتبة الخامسة عادت إلى سكان أمريكا الأصليين، يليهم اليهود ثم «اللادينيون» فالكاثوليك والمورمونيون. في حين سجل 6 في المائة فقط أن المسيحيين الأرثوذكس متطرفون وأصر 7 في المائة على أن تطرف البوذية ونحو 6 في المائة أعلنوا التطرف الديني للهندوس. وكشفت الدراسة، أن الموضوعات التي تبرز تطرف الطوائف الدينية تتجلى في عدم التسامح مع الديانات الأخرى بنسبة 41 في المائة والعرقية بنسبة 36 في المائة، وعدم المرونة والتفرد بالرأي بنسة 40 في المائة، فضلا عن طلبات محدودة السكن بنسبة 28 في المائة وأشياء أخرى بنسبة 22 في المائة. وأوضحت، أن المشرفون الدينيون ذكروا المسلمين حوالي 54 في المائة في قضية التطرف الديني، والسلفيين بنسبة 33 في المائة وأمة الإسلام بنسبة 21 في المائة، وأضافت أنه تم ذكر المسيحيين أيضا بنسبة 34 في المائة والبروتستانت بنسبة 13 في المائة والمسيحيون عامة بنسبة 7 في المائة. في حين تم ذكر اليهود في قضية التطرف الديني بنسبة لم تتعدى 6 في المائة والوثنية بنحو 16 في المائة.