خبير أمريكي : المغرب أبان مجددا عن نجاعة استراتيجيته المتينة في مكافحة الإرهاب    تأهيل وإعادة هيكلة شبكة التطهير السائل: التزام دائم للشركة الجهوية متعددة الخدمات مراكش-آسفي لضمان جودة الخدمة العمومية للصرف الصحي    تفاصيل اكتشاف نفق لتهريب المخدرات بين المغرب وسبتة المحتلة    بنكيران: التنافس المبكر يغذي طموح "البيجيدي" بتصدر انتخابات 2026    اكتشاف نفق سري يستعمل في تهريب المخدرات الى سبتة    حجز أطنان من "الماحيا" بأيت اعميرة    اختتام النسخة الأولى لبرنامج فيفا كرة القدم للمدارس بالمغرب    المغرب التطواني يتعاقد مع جمال الدريدب خلفًا لمحمد بنرشيفة بعد فسخ العقد بالتراضي    الحكومة: انتهينا من تأهيل 934 مركزا صحيا أوليا    مقاطعة طنجة المدينة تساهم في فعاليات المنتدى الاقتصادي المغربي الافريقي بحضور وفد روسي رفيع    تحذير مقلق.. "ناسا" ترفع احتمالية اصطدام كويكب بالأرض    من ساحة السراغنة إلى قلب الدار البيضاء…ذاكرة لا تُمحى    طالبي ينال الجنسية الرياضية المغربية    الدكتور نجيب بوليف يصدر كتابه الجديد: "الانتقال الطاقي بالمغرب… اختيار أم ضرورة؟"    اندلاع حريق في سيارة نفعية بمدينة الحسيمة    نتنياهو: "يوم مؤلم" ينتظر إسرائيل    مبيعات الإسمنت ترتفع في المغرب    المغرب يلتقي بمصنعِين في الصين    وديتان للمنتخب المغربي في يونيو    إيقاف بيلينغهام وريال مدريد يستأنف    المغرب يوجه ضربة جديدة للتنظيمات الإرهابية بإحباط مخطط "داعش"    الأرصاد الجوية تترقب يومين من التساقطات الإضافية في شمال المغرب    مهنيون يسجلون تراجع أسعار اللحوم بالجملة .. وحماة المستهلك يشككون    أزمة المستحقات بين الشوبي ومالزي    "بويذونان".. دراما مشوقة على قناة "تمازيغت" تفضح خبايا الفساد ومافيا العقار بالريف    أطلنطاسند للتأمين تفوز بجائزة الابتكار في تأمين السيارات المستعملة ضمن جوائز التأمين بالمغرب وافريقيا 2025    شراكة استراتيجية في مجالي الدفاع والأمن بين الجيش المغربي ولوكهيد مارتن الأمريكية    تحت شعار «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع التنموي الديمقراطي» الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين    بعد الكركرات.. طريق استراتيجي يربط المغرب بالحدود الموريتانية: نحو تعزيز التنمية والتكامل الإقليمي    مجلس النواب ينظم المنتدى الثاني لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    المغرب التطواني يفك ارتباطه بمحمد بنشريفة ويخلفه الدريدب    عامل الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبًا عامًا جديدًا للعمالة    وزيرة الثقافة الفرنسية: المغرب يمثل مرجعية ثقافية عالمية    إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    مسؤول إسباني: المغرب مصدر إلهام للبلدان الإفريقية في جودة البنيات التحتية الطرقية    عمر هلال ل"برلمان.كوم": المغرب لديه الريادة في سياسة السلامة الطرقية    وفاة المطربة آسيا مدني مرسال الفلكلور السوداني    الاستعدادات لمونديال 2030 محور لقاء لقجع ورئيس الاتحاد الإسباني    ناشر مؤلفات بوعلام صنصال: "أخباره ليست ممتازة" بعد ثلاثة أشهر على سجنه    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أبطال أوروبا .. البايرن وبنفيكا وفينورد وكلوب بروج إلى ثمن النهائي والإيطاليون يتعثرون    رشيدة داتي: زيارتي للأقاليم الجنوبية تندرج في إطار الكتاب الجديد للعلاقات بين فرنسا والمغرب    رامز جلال يكشف اسم برنامجه الجديد خلال شهر رمضان    النفط يصعد وسط مخاوف تعطل الإمدادات الأمريكية والروسية    احتجاجات في الرباط تندد بزيارة وزيرة إسرائيلية للمغرب    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    ترامب يعلن عن إقالة مدعين عامين    منتدى يستنكر تطرف حزب "فوكس"    بعد تأجيلها.. تحديد موعد جديد للقمة العربية الطارئة    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    السعرات الحرارية الصباحية تكافح اكتئاب مرضى القلب    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرنكفونية.. هل هي فرصة؟- بقلم فؤاد بوعلي
فؤاد بوعلي
نشر في التجديد يوم 26 - 03 - 2012

اعتادت فرنسا منذ التوقيع على اتفاقية نيامي 1970 في العشرين مارس من كل سنة الاحتفاء في مستعمراتها السابقة باليوم العالمي للفرنكفونية. حيث تعمد وزارة الثقافة الفرنسية إلى الإشراف على تنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية عبر سفاراتها ومؤسساتها تخليدا لهذه الذكرى. وهكذا جندت لإنجاح احتفال هذه السنة شبكة الخدمات الثقافية، و132 معهداً فرنسياً (أنستيتو فرانسي) و445 رابطة فرنسية فضلاً عن شبكة من المؤسسات التعليمية تضم 480 مدرسة وثانوية فرنسية عبر العالم. وإذا كانت الاحتفاء هذه السنة قد ركز على كون «الفرنسية فرصة»، وبتعبير عبدو ضيوف، الأمين العام للفرنكوفونية فهي:»عربون صداقة وعلامة انضواء الى كل من يختار تعلم الفرنسية للانفتاح على العالم»، فإن واقع الحال يثبت جملة من الحقائق التي تجعل من لسان الإيليزيه قاصرا عن منافسة لغات العالم الحديث بل وعدم جدوى الارتباط التبعي بفرنسا وبطرح إشكالي بسيط: هل مازال المغرب يحتاج إلى فرنسا في بناء نظامه التعليمي والثقافي والسياسي؟ ألم يستوعب سادة القرار السياسي التكلفة الباهظة للارتماء في أحضان المستعمر القديم؟
يأتي احتفاء هذه السنة بمعطيين جديدين: أولهما الربيع العربي وتداعياته التي أعادت النظر في علاقة الذات بالآخر عموما وبالهيمنة الغربية على مقدرات الأمة خصوصا، وثانيهما مرور مائة سنة على توقيع عقد الحماية بين المغرب وفرنسا، مع ما تحمله الذكرى، المغيبة عمدا من التداول الإعلامي والأكاديمي، من دلالات أهمها طبيعة العلاقة مع المستعمر الفرنسي التي بنيت على الهيمنة والتحكم والاستعباد بدل الحوار. وباستحضار الأمرين معا يمكننا أن نفهم طابع الاحتفاء بالفرنكفونية في 2012 الذي ينبغي أن يستوعب فيه :
1. أن الفرنسية التي تغنى بها أدباؤها وبعض الساسة الأفارقة حتى منحها بعضهم بعدا روحيا نورانيا فقدت جاذبيتها وقوتها الحضورية في شتى ميادين الإبداع والتدبير. وكما قال عبد الإلاه بلقزيز:» فرنسا دون الولايات المتحدة وبريطانيا في إنتاج العلم والثقافة، وثقافتها دون الثقافة الألمانية في الإنتاج الفكري والفلسفي، وهي دون الثقافات الاسبانوفونية في الإنتاج الأدبي، كما أن نسبة حضورها في إنتاج القيم الفكرية والتكنولوجية على الصعيد الكوني ضعيف». وحتى على الصعيد الاقتصادي، فلا مستقبل للفرنكفونية على حد تعبير الدكتور المهدي المنجرة « لأنها تعمل بنحو أو بآخر على تأخير الوضع الاقتصادي الإقليمي وما دون الإقليمي في إفريقيا، كما أنها تشجع على الشحاذة وتقدم الصدقة بصيغة مساعدة».
2. ومن المعروف كذلك أن مزاعم فرنسا التي تسوق بها دعواتها وتبرر بها سيطرتها على المستعمرات القديمة الستة والخمسين باسم الفرنكفونية هي محاولة لإثبات وجودها المهيمن وليس قناعة أخلاقية. فقيم التضامن لصالح التنمية، واحترام التنوع الثقافي، ودولة القانون والحق، والسلام والديموقراطية، لا تعدو كونها لافتات تستعمل حين الحاجة لفرض نموذج قيمي أو سياسي معين. ففرنسا استنزفت وما زالت تستنزف خيرات الدول الإفريقية ومن أجل ذلك خاضت وتخوض حروبا في كل الجهات، وهي كذلك التي تدافع عن الأحادية اللغوية في بيتها وعن التعدد في غيرها، وهي التي ساندت الاستبداد والطغيان باسم الحداثة والعلمنة، وما النموذج التونسي عنا ببعيد، كما تفننت في خلق الصراعات الإقليمية والجهوية بين الدول والأنظمة. كل هذا يؤكد أن الدعاية الفرنكفونية ليست سوى شعارات للتسويق التعبوي بغية فرض منظومات بديلة.
3. يبدو أن أهم الخاسرين من زوال الاستبداد وتداعيات الربيع العربي هو الفرنكفونية. فحادثة فرار الرئيس التونسي السابق كشفت عن فهم السيد الفرنسي لدور العبد وحدود تصرفه، وأثبتت أن التغيير المنتظر لن يهز عروش المستبدين داخليا فحسب، بل سيهز كذا ارتباطاتهم الخارجية بالمركز مصدر القرار. فقد عدت الفرنكفونية في المشترك المجتمعي العنوان الآخر للخطاب العلماني المتطرف الذي تاه بعد صعود القطب الهوياتي لإدارة الشأن العام. لذا كان الاختيار المجتمعي هو رفض الاستبداد ومتعلقاته وخطابه.
تفيد هذه العناصر الملمحية في طرح إشكال الارتباط التبعي بالسيد الفرنسي وحقيقة وصفها بالفرصة. فإن كان من حق أبناء فرنسا الدفاع عن لغتهم والبحث لها عن موطن سيادة في خريطة العالم فإن التساؤل يطرح على أبناء الوطن حين يسيدون ويحتفون بلغة قادتهم نحو التجزئ واللانتماء وكان الاختيار الانتخابي تعبيرا عن الموقف من النظام الاجتماعي والثقافي الذي ساد لمدة طويلة تحت مسمى الحداثة والعصرنة . وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى بعض من لم يفهم رسالة الشعب المغربي مثل القائمين على السفارة المغربية بالرياض الذين احتفوا بسادتهم الفرنسيين على طريقتهم الخاصة بتنظيم معرض لتراث الدول الناطقة كليا أو جزئيا بالفرنسية تخليدا لليوم العالمي للفرنكفونية. وهو نفس ما أقدمت عليه بعض الجمعيات والمؤسسات المحسوبة على الفرنسة بالوطن. وفي هذا يمارسون دور الخادم الوفي للسيد القديم/ الجديد دون الوعي بالمتغيرات الجديدة. فأهم عناصر التغير التي ينبغي استيعابها أن العلاقة مع فرنسا بصورتها الاستعمارية قد كلفت الوطن والأمة سنين كثيرة من التخلف والاضطراب الاجتماعي والسياسي. فلا ينبغي أن نتصور أن الأمر يرتبط فقط باللغة باعتبارها آلية تواصلية قد تفيد في التعرف على تراث أمة بل بما تحيل عليه من منظومة قيمية تؤسس للانفصال عن تراكمات الواقع والماضي العربي ولبناء فضاء مغاير ينبني على فرض العلمنة والحداثة والاستبداد الفكري والسياسي ومساندة كل مشاريع التجزئة. فالمنظمة الفرنكفونية لم تكن مجرد مؤسسة للدفاع عن اللغة بل الغرض جعلها نادي فرنسي تمارس فرنسا من خلاله قوتها الناعمة ثقافياً، ولغوياً، وحضارياً . ومن خلال ذلك تمارس وصايتها على الشأن السياسي والثقافي في العالم. فعن أي فرصة يتحدثون؟
عندما نشرت مجلة تيل كيل المتوقفة عن الصدور على غلاف أحد أعدادها صورة رجل مغربي يلبس الجلباب ويضع على رأسه الطربوش مادا لسانه الملونً بألوان العلم الفرنسي الأحمر والأبيض والأزرق، كان ذلك تعبيرا عما أحدثته الفرنكفونية في الذات الوطنية من تنازع انفصام بين انتمائه الهوياتي وارتباطه الاستعبادي بلغة المستعمر، وهو ما تجلى ويتجلى في الحملات المتوالية وبعناوين مختلفة على أهم أركان المشترك الجمعي. وهو ما عبر عنه الحبيب بورقيبة «أنا عربي المولد غربي الثقافة والتطلع». فاللغة الفرنسية من خلال التسويق لها وفرضها في الشأن العام والتعليم باعتبارها قدرا سياسيا، ولغة الحداثة جعلت وسيلة التخاطب للنخبة ولشرائح واسعة من المتعلمين، فتم الإجهاز على كل مشاريع التعريب، وتوجيه الثقافة نحو الارتباط اللزومي بالمركز الفرنسي فنا وسينما وأدبا وعلما وتخصصا، وأديرت عجلة التنمية من مكاتب باريس من خلال الإشراف على التكوين التقني والمتخصص، هذا في نفس الوقت الذي شجعت نقاشات التجزئ الهوياتي وإدارتها بشكل أدخل المجتمعات العربية في متاهات الهوية والنزعات الإثنية. فكانت الفرنكفونية بألوانها المختلفة عنوان الاستعمار المتجدد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.