يحيي الفلسطينيون في مثل هذا اليوم الثامن من أكتوبر لعام 1990، ذكرى مجزرة أليمة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في باحات المسجد الأقصى المبارك، أسفرت في حينها عن استشهاد 22 مواطنًا وجرح أكثر من 200 بين طفل وامرأة وشيخ واعتقال العشرات على أبواب المسجد وداخله وخارجه. اختلاط الذاكرة ويعود وزير شؤون القدس السابق خالد أبوعرفة بذاكرته إلى وقائع هذه المجزرة الرهيبة، بتذكر وقائع مماثلة أعقبتها في عام 1992 وأحداث النفق عام 1996 ومجزرة اقتحام "إريئيل شارون" للأقصى عام 2000 وما قبلها وما بعدها حتى وصل في السجل الحافل بمجازر الاحتلال ومستوطنيه بحق الفلسطينيين إلى أيام مأساوية ظللت سماء المدينة المقدسة بالسواد وأرضها بالدماء. ويصف أبو عرفة المجزرة قبل 21 عاما ل"فلسطين" بالقول: "أُفرج عني وقتها قبل أربعة أشهر من سجون الاحتلال، وكنت أعمل في رام الله، فسمعنا أن هناك تشديداً عسكرياً في القدس واعتداء على المصلين في الأقصى، وبالفعل توجهنا إلى المدينة وإذا بها ثكنة عسكرية، واستغرق الأمر طويلا حتى استطعنا الوصول إلى محيط المسجد الذي منعنا الجنود من دخوله وأوصدوا الأبواب أمامنا". ويضيف أبو عرفة المهدد بالإبعاد عن مدينة القدس: إن رائحة الدماء والاعتداء على المصلين كانت تفوح من باحات المسجد، حيث إن المتواجدين خارجه كانوا يعلمون بأن مجزرة تحدث ضد المصلين داخله، وأن سيارات الإسعاف لم تتمكن من الدخول بفعل إطلاق النيران الكثيف الذي كان يدوي في كل أرجاء المدينة. ويتابع: "كنا نرى أجساد الشهداء وهي يتم نقلها إلى خارج الأقصى بصعوبة، وكان العشرات يحملون الشهداء والجرحى ويحاولون إسعافهم ولكن إطلاق النار الكثيف والملاحقة من قبل قوات الاحتلال كانت تعيق ذلك، كما سمعنا أصوات الاستغاثات من المساجد". إرهاب دولة ويزيد الموقف بشاعة أن تكون حجج واهية ومبررات زائفة تقف خلف كل مجزرة وقتل متعمد حتى تصبح الجريمة مكتملة العناصر، فالحجج تعد مسبقا للهجوم على المصلين من الشيوخ والأطفال والنساء، ويبدأ بتسويقها إعلام حاقد وجيش يستخدم الرصاص والقنابل، ومستوطنون أصل الحكاية، وفي كل المشهد دم الفلسطيني مستباح فهو المنعوت سلفا بالإرهاب. ويشير الشيخ ناجح بكيرات رئيس قسم المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك ل" فلسطين" إلى أن ساعة التخطيط كانت مع صلاة الظهر حين حاول المستوطنون الذين ينسبون أنفسهم إلى جماعة "أمناء جبل الهيكل" المتطرفة وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في المسجد، فتفجر الغضب في قلوب المسلمين وتصدوا لهذا الاستفزاز ليفتح آلاف الجنود الباحات ويكملوا ما أسس له المستوطنون بإطلاق النار من الجو والأرض والبنايات والأسوار بكثافة صوب سجد ركع يدافعون عن مقدساتهم. ويقول بكيرات: "كنا نرى مشاهد بشعة تقشعر لها الأبدان جراء إطلاق الرصاص الحي مباشرة فوق رؤوس المصلين من منطقة مرتفعة داخل باحات المسجد، حيث رأينا أدمغة الشهداء متناثرة في الباحات وصرخات الجرحى وهم وسط الدماء". ويعلو صوت التكبير من مآذن المسجد ومساجد المدينة بشكل عام، ويدعو الأئمة إلى النفير لنصرة المصلين لتكون معالم مجزرة ارتسمت داخل الأسوار واستكملت خارجها والفاعل جيش الاحتلال الذي يأخذ قراره من المستوى السياسي، ولتصل حصيلة الجريمة إلى استشهاد 22 مواطنا وجرح أكثر من 200. وبعيْد المجزرة لوحت حكومة الاحتلال بتقسيم الأقصى ولكنها فشلت في ذلك لما للغضب الشعبي من وقع وأثر جعل الحسابات تتغير وتجري الرياح بما لا تشتهي سفن المؤسسة الإسرائيلية التي اعتادت على هذه السياسة، والتي طبقتها فيما بعد في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل بعد تنفيذ المستوطن المتطرف مجزرة بحق المصلين في فجر الخامس والعشرين من فبراير لعام 1994، ليدفع الفلسطينيون الثمن مرتين بالدماء والتقسيم وسط صمت عربي وإسلامي خجول.